الأم والكرامة... والجيش
نايف المصاروة
جو 24 :
على غير عادتي ساكتب بدون مقدمات ، ففي حضرة الأم وغيابها تقف المعاني وتعجز المفردات.
في مراحل الحمل وعند الولادة، والرضاعة والعناية، تتجلى كل معاني الأمومة والعطف والبذل والعطاء.
نعم للأباء.. ونعما منهم وبهم وهم من أسباب وجودنا، لكن لا يعلم معاناة الألم إلا الأمهات، ولا عجب ولا يستغرب أن تكون الأم أساس المجتمعات، ولا يستكثر عليها ان تكون الجنة تحت أقدامها، ولا عجب ان يوصي المعلم والفقيه الأول نبينا وحبيبنا محمد عليه افضل الصلاة والسلام، بالإحسان إلى الوالدين وبرهما في حياتهما وبعد مماتهما، وإظهار شأن الأم بشكل خاص في كثير من التوصيات والتوجيهات، كرده عليه الصلاة والسلام على السائل القائل، يا رسول الله اي الناس أحق بحسن صحابتي؟ فقال له امك ثم أمك ثم امك ثم اباك.
إعداد النساء ليكونن أمهات، يكون من خلال حسن التربية ودوام الأدب وتمام الأخلاق، وكل ذلك يجب ان يكون من خلال منهاج ومشكاة الوحيين - القرآن والسنة، وعلى أساس ذلك المنهج، وعلى أنوار تلك المشكاة، يكون صلاح المجتمع واستقامته وقوة بنيانه.
لا يكون لأي عيد أي معنى إلا بالقرب من الأم ، كما يجب ان يكون البر والإحسان لها على الدوام في حياتها وبعد مماتها.
عيد الأمهات ليس له يوم محدد أو مخصوص، فنأتي لها ببعض الهدايا والعطايا، ونطبع على جبينها ووجنتيها بعض القبلات، ثم نطلب الرضى والدعوات ،ثم تقطع الزيارة عنها لأيام وربما أكثر...!
أليس من مظاهر العقوق وجود بعض دور الإيواء للعجزة والمسنين من الأباء والأمهات؟
اليس من العقوق ان يقف بعض الاباء والأمهات، اضدادا مع ابنائهم أمام القضاء من أجل الحصول على بعض الحقوق؟
ثم أشارة للتفكر والتدبر ... أليس من أسباب العقوق.. ان ترى بعض الأمهات والمربيات والمرضعات، سافرات متبرجات وغير محتشمات بلباس الستر والفضيلة!
الأم هي مدرسة الكرامة، ومربية الأجيال، وعليها وبالإشتراك مع الأب تقع مسؤولية القدوة...!
اما الكرامة.. فهو شعور إنساني، يعني الترقي والترفع عن مواقع المهانة واسباب الذل ومواطن الإبتذال .
كما ان الكرامة إسم مكان يقع على الضفة الشرقية لنهر الأردن، وعلى ذلك الثرى الطهور، كان للنشامى من ابطال الجيش العربي الأردني وقفة عز وبطولة وموقعة الكرامة.
بعد ان ظهرت عصابة بني صهيون، واحتلوا فلسطين واستوطنوها، واستأسدوا على اهلها ، وبنوا نواة دولتهم وشيدوا دعائمها،بالخديعة والمؤامرة والإغتصاب والقتل والإجرام.
وبعد ان توالت نكسات العرب وكثرت هزائمهم ، وظهر شتات أمرهم وتفرق جمعهم، وتشظي قوتهم والرضى بالذل وواقع الذل والإستسلام، فكانت معركة الكرامة لإستراد بعضا من كرامة الأمة المسلوبة والمنقوصة.
في صبيحة يوم 21 /3 من عام 1968،كان لنشامى الجيش العربي موقعة الكرامة، للرد على عدوان السفلة من عصابة الإحتلال الصهيوني، قتلة الأنبياء ودعاة الفتنة والرذيلة،واعداء الحق والسلام.
بالرغم من قلة العدد والعتاد، وإضافة الى الكيد وكثرة المؤامرات من هنا وهناك ، إلا أن نشامى الجيش العربي سطروا في معركة الكرامة، نصرا مؤزرا وكسروا شوكة جيش عصابة الاحتلال، الذي كان يعلن بأنه لا يقهر.
النصر الذي سطره ابطال الجيش العربي، في موقعة الكرامة، كان دليلا وبرهانا لكل الاجيال، على ان الحق لا يموت وإن طال الزمان لإعادته وإسترداده.
كما كانت معركة الكرامة دليلا آخر على ان الجندي العربي والمسلم، لا يقبل بالعار والذل والهوان، كما كانت كذلك دليلا آخر، على إن العربي إن أراد أن يقاوم الباطل، وكل دعاته وقواه، من منطلق الدفاع عن الحق وعدم القبول بالظلم والطغيان، فإنه قادر على تحقيق النصر ورد العدوان، ولو كان لا يملك إلا القليل من العدد والعتاد، لكن بشرط ان يتحقق أولا شرط الإيمان الحقيقي والأكيد بأن النصر من عند الله، ((إِن يَنصُرۡكُمُ ٱللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمۡۖ وَإِن يَخۡذُلۡكُمۡ فَمَن ذَا ٱلَّذِي يَنصُرُكُم مِّنۢ بَعۡدِهِۦۗ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ)).
ومن تمام التوكل ومعانيه، ان يتحقق شرط الإعداد بقدر الإستطاعة من العدد والعتاد، والثقة بوعد الله وعدم الخوف والجبن عند اللقاء مع العدو، أنى كان وكانت قوته (( كَم مِّن فِئَةٖ قَلِيلَةٍ غَلَبَتۡ فِئَةٗ كَثِيرَةَۢ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ))، وقوله سبحانه((فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّاْئَةٞ صَابِرَةٞ يَغۡلِبُواْ مِاْئَتَيۡنِۚ وَإِن يَكُن مِّنكُمۡ أَلۡفٞ يَغۡلِبُوٓاْ أَلۡفَيۡنِ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ)).
كم هو جميل وقع ومعنى هذه الإية ... ((يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرۡكُمۡ وَيُثَبِّتۡ أَقۡدَامَكُمۡ))...!
نعلم تمام اليقين أن دولة الظلم والطغيان ساعة، وأن دولة العدل والإحسان الى قيام الساعة، ونعلم من ذلك اليقين أنه كلما ظهر بنوا صهيون وكثر عددهم، حان موعد زوالهم، لكن بشرط ان نقاوم ولا نستسلم او نتكل ونستكين قال سبحانه وبحمده ((وَقَضَيۡنَآ إِلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ فِي ٱلۡكِتَٰبِ لَتُفۡسِدُنَّ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَّتَيۡنِ وَلَتَعۡلُنَّ عُلُوّٗا كَبِيرٗا ﴿٤﴾ فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ أُولَىٰهُمَا بَعَثۡنَا عَلَيۡكُمۡ عِبَادٗا لَّنَآ أُوْلِي بَأۡسٖ شَدِيدٖ فَجَاسُواْ خِلَٰلَ ٱلدِّيَارِۚ وَكَانَ وَعۡدٗا مَّفۡعُولٗا ﴿٥﴾ ثُمَّ رَدَدۡنَا لَكُمُ ٱلۡكَرَّةَ عَلَيۡهِمۡ وَأَمۡدَدۡنَٰكُم بِأَمۡوَٰلٖ وَبَنِينَ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ أَكۡثَرَ نَفِيرًا ﴿٦﴾ إِنۡ أَحۡسَنتُمۡ أَحۡسَنتُمۡ لِأَنفُسِكُمۡۖ وَإِنۡ أَسَأۡتُمۡ فَلَهَاۚ فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ ٱلۡأٓخِرَةِ لِيَسُـُٔواْ وُجُوهَكُمۡ وَلِيَدۡخُلُواْ ٱلۡمَسۡجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوۡاْ تَتۡبِيرًا))....!
وعد الله... ترى هل نعلم حقائق ذلك الوعد وقواعده؟
((وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنٗاۚ يَعۡبُدُونَنِي لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡٔٗاۚ وَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ))، لكي يتحقق وعد الله بالنصر والاستخلاف، يجب ان نحقق شروط الإيمان الحقيقي،الذي يخلو من الشك والشرك، ثم تحقيق الشرط الثاني بالاستقامة على منهج الإسلام من خلال القيام بالاعمال الصالحة، مع العمل بمنهج الإحسان وهو المراقبة والمحاسبة للذات، بأن تعبد الله كانك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك!
معركة الكرامة، موقعة نصر وعزة وفخر للأردنيين ولكل العرب، وإن أردنا الكرامة على الدوام، يجب أن نرفض كل عوامل الذل والاستسلام، وكل مظاهر الضعف والانقسام.
أكثر ما يغيظ بني صهيون هو الدعوة للتمسك بالدين، لأنهم يعلمون انه مصدر قوة وعزة ووحدة، ولهذا يحاربوننا في ديننا ويكثرون حوله الشبهات.
واكثر ما يغيضهم أيضا أن يشاهدوا عوامل الوحدة، ولهذا يسعون لفرقتنا وكثرة الخلاف بيننا، وكم يمقتون الدعاة للدين والوحدة ، ولهذا اقول.. إجعلوا من القرآن منهجا لكل حياتكم، ففيه السعادة والنجاة، ثم إجعلوا من الطاعة لربنا سبيلا وشعارا، واتخذوا من التاريخ منطلقا.
وتأملوا تاريخ بني إسرائيل المخزي، وقتلهم الانبياء ونقضهم العهود، ودأبهم لصناعة الفتن في كل حين، ثم ثقوا وتأكدوا... انهم كلما أشعلوا فتنة أطفأها الله بقوته ورحمته (( وَقَالَتِ ٱلۡيَهُودُ يَدُ ٱللَّهِ مَغۡلُولَةٌۚ غُلَّتۡ أَيۡدِيهِمۡ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْۘ بَلۡ يَدَاهُ مَبۡسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيۡفَ يَشَآءُۚ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرٗا مِّنۡهُم مَّآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ طُغۡيَٰنٗا وَكُفۡرٗاۚ وَأَلۡقَيۡنَا بَيۡنَهُمُ ٱلۡعَدَٰوَةَ وَٱلۡبَغۡضَآءَ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ كُلَّمَآ أَوۡقَدُواْ نَارٗا لِّلۡحَرۡبِ أَطۡفَأَهَا ٱللَّهُۚ وَيَسۡعَوۡنَ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَسَادٗاۚ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُفۡسِدِينَ)).
فهبوا يا بني قومي الى العلياء بالعلم... ورددوا.. بلاد العرب اوطاني... وفلسطين داري ودرب انتصاري، أعيدوا كل ذلك الى مناهجنا لتصدح بها حناجر الطلبة، ليشبوا على حب الدين والقرآن ومعاني الكرامة وحب الأوطان، وحب الدفاع عنها والموت في سبيلها.
وهنا أسال.. لو عاد بعض جند الكرامة، او من سبقوهم، ممن قضوا وارتقوا شهداء في مواجهة العدو الصهيوني، واقول.. لو.. أذن الله تعالى لبعضهم وعادوا الى الحياة ، وشاهدوا سفارات عصابة الاحتلال الصهيوني في بعض العواصم العربية يعلوها علم تلك العصابة، يا ترى ماذا سيقولون.... وكيف ستكون ردة فعلهم؟
من معاني الكرامة.. حفظ الكرامة وصونها من الذل، ومنها الإعداد للقاء العدو، بأن يعد كل منا ما استطاع..... من ادوات يضعها في بيته، ولو سكينا صغيرا يحدها ويصونها، او حتى عصاة ينفض الغبار عنها بين كل حين وآخر، لتنمية فكر الاجيال على مفهوم الإعداد، وليكون لنا أجر ذلك الإعداد والاستعداد.
في كل يوم وفي كل حين وآن، سلام على روح أمي وأبي وكل الآباء والأمهات، الذين غادروا الدنيا وضيقها واوجاعها، فيا رب... اجعل لهم مغفرتك ورضوانك واجزهم عنا بجنات عدن في الفردوس الأعلى.
يا رب اجعل من ألم الحمل والولادة، كفارة من كل الذنوب ورفعة في درجات كل الامهات.
وفي يوم الكرامة... سلام على أرواح كل الشهداء الذين قضوا وارتقوا في الكرامة وعلى أسوار القدس ، وفي اللطرون وباب الواد وفي كل مكان.
سلام على كل الجيش رمز العزة والكرامة، وسلام على كل أردني شريف كان في الكرامة، ويسعى للكرامة.