"لعبة الموت" يستخف بعقول المشاهدين
"جبالنا حلوة بس خطرة"، جملة توجّه بها الضابط إلى منال (فرح بسيسو) المفجوعة بوفاة شقيقها عاصم (عابد فهد)، وهي تكاد لا تستوعب صدمة الرحيل، لم يكن ينقص الضابط سوى أن يروّج للسياحة اللبنانية على قبر عاصم الذي لم تظهر جثّته بعد، ليس مهماً فالضابط قرّر إعلان موته لتكتمل لعبة الموت، ولو تضمّن الحوار والسيناريو استخفافاً بعقول المشاهدين.
فعلى الرغم من تحقيقه نسبة مشاهدة عالية لم يحظ بها أي مسلسل رمضاني هذا العام، وقع مسلسل "لعبة الموت" في أخطاء مميتة، مع حوارات مبتورة وشخصيات مرسومة بصورة سطحية، أبعد ما تكون عما كان ينتظره المشاهد من الكاتبة ريم حنا والمخرج الليث حجو، اللذان قدّما دراما بوليسيّة هزيلة، يشفع لها الأداء العالي للممثلين وبشكل خاص الممثل السوري عابد فهد، مع حضور مميّز للفنّانة سيرين عبد النور التي تقدّم أداءً مقنعاً ظلمه ضعف الحوار وركاكة السيناريو وعدم بذل صنّاع العمل جهداً يذكر لتقديم حبكة تحترم ذكاء المشاهد.
المسلسل الذي سبق وقدّم في فيلم أجنبي، كان بإمكانه التفوّق على الفيلم لو أعدّت له الحبكة المقنعة، فمنذ الحلقة الأولى، نجح المسلسل في شد انتباه الجمهور، إلا أنّ الثغرات بدأت تظهر بشكل تصاعدي كلما تصاعدت أحداث القصة التي كان بإمكانها أن تكون أكثر تشويقاً.
فالكل غارق في حب نايا (سيرين عبد النور)، جبران (يوسف حداد) البحّار الذي قرّر تطليق اليابسة وشراء يخت يتجسّس من خلاله على حبّ عاشه منذ سنوات دون يأس، فجأة ينسى نايا بمجرد موتها انتحاراً من على يخته ويقع أسير غرام شقيقة زوجها، في قصة لا مبرّر لها درامياً ولا تقدّم أو تؤخّر في أحداث المسلسل.
صديقتا نايا أيضاً تشكان أن زوجيهما مغرمان بنايا، وبكلمة من عاصم، يتّضح أن أحدهما تزوّج صديقة نايا ليبقى بالقرب منها، أما في مصر، وبمجرد وصولها، يقع كريم (ماجد المصري) في غرامها، متخلياً عن وعود قطعها بالزواج من حبيبته نهى (ميس حمدان)، وهي قصص تصلح لفيلم بالأبيض والأسود لا لمسلسل يعرض في رمضان 2013.
الزوجة التي عاشت في جحيم زوج يعنفها قررت اختلاق قصة موتها، فتعلمت السباحة لتنفذ خطتها، لكن وفي لحظة درامية ساذجة، وبعد موت نايا بفترة، تتصل من نادي السباحة امرأة وعندما تعلم بموت نايا غرقاً تفاجىء بقولها "مستحيل، نايا كانت من أفضل مدرّبات السباحة لدينا".
فهل تكتفي الزوجة التي تخطّط للهروب بتعلم السباحة لتنفذ مخطّطها، أم تقرّر تعليم السباحة والغوص أيضاً؟ وأي فترة زمنية سمحت لها أن تتعلم وتعلّم في ظل زوج يحيطها برقابة جعلت منها سجينة الجدران الأربعة؟ وأي رفاهية هي التي تملكها نايا التي تمكنت من تعلّم السباحة والخروج من المنزل والعودة ساعة تشاء، واختراع قصّة موت والدتها وتهريبها إلى مصر دون معرفة الزوج؟ وأي امرأة عربية أصلاً تملك هذه الرفاهية؟
قد يبدو الضعف الأهم في السيناريو، هو قفزه فوق معاناة الزوجة التي لم نرها تضرب إلا في مشهد واحد اعتذر عنه الزوج كثيراً وأنّب نفسه، إلى حد تعاطف معه الجمهور، ولا شك أن تعاطف الجمهور مع الزوج الجلاّد عوضاً عن تعاطفه مع الزوجة الضحيّة، وهو ما تكشفه ردود الفعل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يعكس عجز المسلسل عن نقل معاناة الزوجة، على عكس الفيلم الذي صوّر معاناة الزوجة مع الزوج العنيف بأدق تفاصيلها، ليبرّر لاحقاً اختلاقها قصة موتها هرباً من جحيم زوجها.
في كل حلقة يكاد المشاهد يلمس كماً من الأغلاط، فالمسلسل لم يخبرنا بعد كيف تمكّنت المرأة السجينة من الحصول على عمل في مصر، وكنا نعتقد أنّ ابن خالتها المقيمة هناك هو من ساعدها لنفاجىء به يسألها عن وظيفتها الجديدة في القاهرة، ولغاية الآن لا يزال المشاهد يجهل كيف لامرأة سجينة أن تجد وظيفة مرموقة في بلد غريب وهي لا تملك أيّة مؤهلات مهنيّة.
أما عن تركيب الشخصيات الركيك فحدّث ولا حرج، ولعلّ الشخصيتان المتماسكتان في المسلسل هما شخصيتا عاصم ونايا، والباقي تمّ إعداده على عجل لإضفاء عناصر التشويق على المسلسل، فالمشاهد لا يعرف ماذا يعمل جبران غير الوقوع في الغرام، وكيف تعيل والدة فادي نفسها في القاهرة ولماذا أصلاً هي موجودة هناك، كما أنّ قصص الحب تنشأ فجأة فتبدو غير مقنعة، مثل غرام الراقصة شهرزاد (ندى أبو فرحات) بعاصم من أوّل نظرة، وهي الراقصة المعروفة بتعدّد علاقاتها، وغرام جبران غير المنطقي بمنال، وغرام زميل نايا بها في القاهرة وهو لم يكد يلقي عليها التحية بعد.
ولعلّ أبرز نقاط ضعف المسلسل تكمن في الحوار الركيك، وهو ما يمكن أن يلاحظه المشاهد من مشهد واحد فقط، ما يضع المسلسل في خانة الأعمال الموجّهة للأطفال دون الثانية عشر، كي لا نتهمه بأنّه عمل درامي يستخف بذكاء المشاهد.