إرتفاع الأسعار.. وضرورة التدبير والمقاطعة.
نايف المصاروة
جو 24 :
السعر او اﻷسعار..هو ما يتم تحديده من بدل مادي، مقابل امتلاك السلعة أو الحصول على الخدمة ،"يعني ما ندفعه انا وانت من نقود" .
وأما السلع فهي كلّ ما يُباع ويُشترى ويُتاجَر به من البضائع ،يعني ما نقوم بشراءه انا وأنت من احتياجاتنا.
وأما المستهلك فهو كل شخص تقدم إليه خدمة أو سلعة لإمتلاكها أو ﻹستهلاكها،يعني انا وانت والجميع .
أنا أتفق مع نظام السوق الحر، لأنه يتوافق مع ما كانت عليه البيوع في زمن النبوة والخلافة الراشدة ،لكن يجب أن يعلم أن تلك الحرية لم تكن على إطلاقها ، بل كانت مقيدة بضوابط وقواعد الأمر والنهي ،التي أوجبتها وأقرتها الشريعة.
كالخوف من الله ومراقبته في كل حين وآن، والسماحة في البيع والشراء، والرحمة على الناس، ففيهم الغني المقتدر وفيهم الفقير، وعدم الغش والاحتكار.
بمعنى ان السلطة على الأسعار ،وجودة السلع هي لسلطة الذات أولا ، والتي تتمثل بمراقبة العبد لذاته وﻷفعاله، وخوفه من الله سبحانه ، ودليل ذلك انه لما اشتكى الناس من الغلاء للنبي عليه والسلام؛ فقالوا: "يا رسول الله غلا السعر فسعر لنا”. فكان جواب النبي عليه والسلام "إن الله هو المسعر، القابض الباسط، الرازق، وإني ﻷرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم أو مال”.
والحكمة من ذلك ،لو انه عليه والسلام ،تدخل بشكل مباشر في التسعير، وأرخص السلع عن اسعارها المعلنة للبيع، يكون بذلك قد ظلم التجار،فلديهم مصروفاتهم ونفقاتهم المختلفة،ولذلك من حق التاجر ان يبيع ويربح ،وكذلك لو أنه عليه الصلاة والسلام، تدخل في تحديد السعر،فقد يظلم المستهلك،وقد يكون في ذلك مدخلا لبيع بعض السلع التي لا ترقى في جودتها إلى السعر المعلن.
ولهذا حرص عليه الصلاة والسلام كولي ومشرع، على تهيئة البيئة الخصبة،لقبول كل الآوامر والانتهاء عن كل الزواجر، وجعل حركه السوق في المجتمع المسلم،تعتمد على مبدأ البيع الحلال والبعد عن شبهات الحرام ، لقوله ِعليه الصلاة والسلام ”الحلال بين والحرام بين …الحديث، ثم حدد أسس التعامل والتبادل التجاري ،فقد نهى عن البيع على البيع، وعن الشراء على الشراء ،كما نهى ومنع عن التواطئ بين البائعين بقوله عليه والسلام ، - إنما البيع عن تراضٍ، ولكن في بيوعكم خصالاً أَذْكُرُها لكم: لا تَضَاغَنُوا، ولا تناجشوا، ولا تحاسدوا، ولا يسوم الرجل على سوم أخيه، ولا يبيعن حاضر لباد، وكونوا عباد الله إخواناً”، والنجش أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها ليقتدي به المشترى.
وبعد ان جعلت السلطة على البيع والشراء لمراقبة الذات ،جاءت ثانيا سلطة ولي الامر بالنصح والتوجيه ،فحرص النبي عليه السلام،على تفقد اﻻسواق ،ومراقبة جودة البضائع ،وتوجيه التجار بشكل مباشر.
فقد خرج عليه والسلام إلى المصلى فرأى الناس يتبايعون، فقال: "يا معشر التجار”:- فاستجابوا إليه، فقال: "إن التجار يبعثون يوم القيامة فجاراً، إلا من اتقى الله وبر وصدق”.
وقد نهى عليه السلام عن تلقي الركبان وبيع الحاضر للبادي، وأمر بالصدق والوضوح في بيان حقيقة السلعة ، ونهى عن بيع السلعة بالحلف الكاذب، كما نهى عن الغش ،وحرم الاحتكار.
ورغم هذه التوجيهات والتحذيرات،إلا أن هناك تفلتات للغش في البيوع،واحتكار لبعض السلع، ورفع للاسعار ، ولذلك اوجد اﻹسلام لهذا الداء، العلاج والدواء ،ومن ذلك العلاج،أن كل من يخالف الهدي النبوي ،يقع في المعصية ،وهو عرضة للحرمان من الخير والبركة في الدنيا والآخرة،لقوله عليه السلام من غشنا فليس منا.
،كما جاء التوجيه للمستهلك ،بضرورة التدبير وعدم الإسراف في كل الشؤون ، وخاصة بشأن الطعام والشراب، فحسن التدبير منهج استلاكي جاء الأمر به شرعا (وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ وَلَا تُسۡرِفُوٓاْۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡرِفِينَ)).
ثم منهج استهلاكي آخر وهو، استبدال السلع التي يرتفع سعرها ،بشراء غيرها او ما هو بديلا لها، أو استبدال الموزع أو التاجر أو السوق والمكان، فكما أن هناك تاجر سمح وقنوع، هناك ايضا تاجر جشع ، فالإستبدال بعامته هو منهج استهلاكي مستحب، جاء الأمر بالتعامل به في زمان الخلافة الراشدة،وحصل ذلك في عهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فورد أن الزبيب قد غلا سعره في مكة، فكتبوا إليه، أي اشتكوا إليه رضي الله عنه، أن الزبيب قد غلا عليهم، فوجههم... . أن أرخصوه بالتمر”،أي استبدلوه بشراء التمر الذي كان متوفرًا في الحجاز وأسعاره رخيصة فيقل الطلب على الزبيب فيرخص. وإن لم يرخص فالتمر خير بديل.
ومن منهج استبدال السلع بغيرها ، إلى منهج مقاطعة السلع التي يرتفع سعرها،والمقاطعة هي الامتناع عن معاملة الآخرين اقتصاديًّا أَو اجتماعيًّا ،وَفْقَ نظام جَماعيّ مرسوم.
ومن صور تطبيقاتها.. فقد جاء الناس إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، واشتكوا إليه من غلاء سعر اللحم، فقالوا: سعره لنا، فقال: أرخصوه أنتم!
فقال الناس: نحن نشتكي غلاء السعر واللحم عند الجزارين ونحن أصحاب الحاجة فتقول: أرخصوه أنتم؟ وهل نملكه حتى نرخصه؟ وكيف نرخصه وهو ليس في أيدينا؟ فقال: اتركوه لهم -أي لا تشتروه منهم، بمعنى أنه لو ترك عند الجزارين ليوم او يومين، سيبيعونه بثمن معتدل خشية تعفنه.
في ثقافة الشعوب لمفهوم المقاطعة، أسرد لكم هذه القصة ،ذهب مُواطن أرجنتيني ليشتري "طبقا من بيض” وعندما سأل البائع عن السعر، فوجد أنّ سعرها قد إرتفع عن المُعتاد، فسأل البائع عن السبب، فقال: إن الشركات المُوزّعة قد رفعت السعر!
وبهدوءٍ تام، أخذ المُواطن "طبق البيض” وأعاده الى مكانه،ثم وقف أمام البائع وقال له :-لا داعي للبيض ، أستطيع أن أعيش بدون أكل البيض؛
كذلك فعل اغلب الناس ،وبدون الجوء إلى اية حملات ،او أية إضرابات، لكنها ثقافة شعب!
شعب لا يقبل أن يبتزّه أهل الإقطاع، من بعض اهل الشركات والمؤسسات التجارية ، برأيكم كيف كانت النتائج؟
بعد مرور عدة أيام ،وفي موعد دورة توزيع المنتجات، جاء عُمال الشركات لإنزال البيض للمحال التجارية، ولكن اغلب الباعة رفضوا إنزال أي طبق بيض جديد، لأنّ اطباق البيض القديمة لم تباع بأكملها !
الشركات أصرّت على المُعاندة والرفع، ظنا أنّ الإحتجاجات ستنتهي بعد أيام قليلة، وسيعود الناس لشراء البيض كالمعتاد.
ولكنّ ذلك الشعب كان أوعى وأكثر ثقافة، فاستمروا في المقاطعة ،بل وزادوا ليقاطعوا كل المنتجات التي يدخل البيض في صناعتها، وبدأت الشركات تخسر، فأطباق البيض المتكدّسة،عرضة للتلف، والدجاج لا يتوقف عن الأكل وإنتاج البيض، فتراكمت الخسائر وتضاعفت!
إجتمع أصحاب شركات الدواجن وقرروا إعادة سعر البيض إلى سعره السابق، ومع ذك إستمرت المقاطعة، وكادت بعض الشركات أن تُعلن إفلاسها، فما كان منهم إلا أن إجتمعوا مرة أخرى وقرروا ما يلي:
– تقديم إعتذار رسمي للشعب اﻷرجنتيني في جميع وسائل الإعلام.
– تخفيض سعر البيض إلى نصف قيمته السابقة.
هذه القصة فيها شواهد على مفهوم ثقافة اﻹستهلاك، وأهمية ثقافة المقاطعة عند بعض الشعوب ،وقدرتها على تحقيق التوازن بين الطلب والعرض.
في ظل ظل تسلط حكوماتنا المتعاقبة على المستهلكين بشكل خاص، بتدخلها وتحديدها لسقوف سعرية أعلى مما كانت تباع به سابقا ، كالدجاج أو الخضار وغيرها مثلا، وتقاعسها عن مراقبة الاسواق بشكل جدي ورادع،وفي ظل ضعف مسؤوليتها،عن جودة بعض المنتجات،وعندي على ذلك ادلة، وتسويفها عن كبح جماح التجار وجشع بعضهم،بل وبعد ان ثبت ان الحكومة احيانا شريك في رفع الأسعار،وخير دليل ما حصل مع منتجي اﻷلبان ومربي الدواجن، ومع تجار الخضار وبعض المواد التموينية سابقا ولاحقاً.
وبما أننا على أبواب شهر رمضان الخير، شهر التعبد والتدبر، والواجب أن يكون شهر إقتصاد في النفقات بعمومها، فإن يتوجب علينا كمستهلكين أن نعي تماما لمفهوم التدبير والإقتصاد في استعمال بعض الضروريات ،والمقاطعة التامة لأي سلعة يرتفع سعرها ومهما كان نوعها ،فليس لنا حاجة بها، ولا نموت بتركها او استبدالها ،بل ان مقاطعتنا وإحجامنا عن شرائها، هي أقصر الطرق وأكثرها فعالية لخفض سعرها .
ولو اننا ننتهج المقاطعة منهجا وأسلوبا في حياتنا، لما ارتفعت الأسعار على الإطلاق، فقاعدة ومنهج المقاطعة يقول عنها بعض الخبراء الاقتصاديون، "لو أن الناس قاطعوا المنتجات غالية الثمن لفترة قصيرة لتكدست عند التجار بضائعهم وضاقت بها مخازنهم ولن يجدوا سبيلا، إلا بتصريفها وبأي ثمن للتخلص منها ،خشية التلف والخسارة" .
والسؤال: هل نحن كمستهلكين نطبق ما نفهمه،او ما نسمع عنه من ضرورة المقاطعة ؟
الجواب قطعا ليس اﻷغلب..وخاصة عند الكثيرين ممن يسكنون القرى او المناطق الشعبية في المدن.
فمنذ سنوات وأسعار السلع في المملكة ترتفع بدون توقف، والغريب في الأمر أن معظم الناس لا يتوقفون عن شراء ما يرتفع سعره، وتقتصر مواقفهم على الشكوى والتذمر من ‘جنون الأسعار’.
ختاما أذكر.. وبالحديث عن إرتفاع بعض أسعار السلع، وما تبعه من انخفاض كبير في اسعارها في العام 2006 حينما ظهر مرض انفلونزا الطيور، الذي أرغم الناس على المقاطعة الإجبارية، إذ تراجع الطلب ثم انخفض سعر الكيلو الى اقل من 50 %،وهنا أسأل هل مات اي شخص لانه لم يتناول الدجاج في ذلك الوقت مثلا ؟
في هذه الأيام ،ترتفع أسعار الدواجن وبعض الخضار واكثر الفواكه وزيوت الطهي والسكر والارز ،وكثير من السلع، وهنا اساأأأأل..... أليس من الواجب التدبير والتقتير أولا... ثم الرد على هذه اﻹرتفاعات،باﻹستبدال والمقاطعة؟
اليس باستطاعتنا كـ شعب أن نُخفّض أو نرفع سعر أي سلعة!.
نعم... بإرادتنا.. إن أردنا ذلك، فإننا قادرون على تحقيق التوازن بين الطلب والعرض ،وأنا أقدم الطلب على العرض،لأن المستهلك الذكي والواعي ،هو الذي يتحكم بالعرض،من خلال طلبه وشراءه للمنتج المناسب له نوعا وكما وثمنا،وبدون أية حملات للمقاطعة ،فقط نحتاج إلى القليل من الفهم الاستهلاكي ،"على قد لحافك مد رجليك"، والإرادة الحقيقية لمقاطعة أية سلعة يرتفع سعرها.
يااااس معقووووول نسويهاااا؟
أندااااري بجوز..!