قصي خولي والآخرون.. "مو" مع اسقاط النظام
جو 24 : فاطمة عبدالله - أمست الدراما السورية ما بعد الأزمة بمثابة اشكالية وضعت القيّمين على الانتاج أمام مصيرين: إما خوض "المعركة" فنياً، والفن في الحروب يتشبّع بالسياسة، أو ايجاد مخرج للتنصّل من العبء الطارئ. بعضهم وقع على المصير الثاني، فإذا به يقدم أعمالاً تاريخية لا تخلو من تضمين الواقع المستجد بشيء من التمويه والرمزية، أو استئناف فصول البيئة الشامية التي بدأت مع "باب الحارة" وأكملها السائرون على نهج "الزعيم" و"العقيد" وفق نظرية ان الانطلاق مما تركه الآخرون خير من البدء من الصفر.
في الحرب، يُشتهى الرغيف قبل قطعة الحلوى، والشارع قبل الفيديو كليبات. أرخت الأزمة السورية تحدياً لصنّاع الدراما ممن قرروا انهم طرف: سوريا قادرة على الانتاج ولو طال المخاض وتفسّخت الحناجر بالصراخ. وعند الجدّ وجدت الدراما نفسها وسط تحدٍ لعله الأصعب: رمضان 2013، يساند المعارضة أم "يساير" النظام؟ وما مدى تقبّل الجمهور (العربي، وتحديداً السوري) لأحد الخيارين، خصوصاً ان "حرية" التصرّف بالواقع لا تعني بضعة أفراد، بل ملايين كدنا نقول لولا الخوف من المبالغة بأنهم نتيجة ما تنقله اليهم الشاشة؟
وُجد الحل الوسط: الدراما انسان، لا معارضة ولا موالاة. من المبكر الجزم بأن الدراما السياسية في سوريا قدّمت عرضاً لجزء من المشهد ولم ترفقه بحلّ. والعرض كما بات معلوماً، وجهة نظر. علينا التمهّل في انتظار كيف سيأتي شكل النهاية.
نعود للعرض الذي تتسم به الدراما السورية ما بعد الأزمة، والعرض قد يخضع لرأي وقد يخضع لآراء عدة. في "ولادة من الخاصرة-3، منبر الموتى" (سامر رضوان وسيف الدين سبيعي)، نجد كيف تعاطى الأمن السوري مع ارهاصات الحراك بشتى أدوات القمع والقتل والقهر، في مقابل اظهار مجموعة من الشبان الغاضب ككناية عن مشوّهي الثورة بالتعصّب الأعمى، والقدرة على تصفية الآخر (أكان مثقفاً أم عادياً) لمجرّد انه لا يوافقه الرؤية والرأي. وإذا كان الواقع كذلك في سوريا، فإن المسلسل أبدى حرصاً واضحاً على خلق التوازن داخل المشهد، والتركيز على خطوط درامية اجتماعية انسانية من شأنها جعل الدكتاتورية السياسية في سوريا بمثابة النتيجة لا السبب.
ثم تأتيك الحكومة السورية بإنتاج مسلسلات تتناول الأزمة، فتُقدَّم للمُشاهد على انها سوريا بعد التخريب أو خلال الحرب الكونية الثالثة. انها جزئية مشهدية، وهي تتجسّد بثلاثة أعمال رئيسة: "حدث في دمشق"، "تحت سماء الوطن"، و"وطن حاف". يظهر "الطرف الآخر" في التاريخ نسخة عن انسان اليوم، فثمة بنية أيديولوجية قائمة على نظرية الأبد.
هذه الأعمال التي غابت عن أهم الفضائيات العربية، تعرف جمهورها. أبرز ما فيها استحالة الفصل ما بين السوري والسياسة، أو ما بين السوري كمواطن عن سوريا كدولة بعثية. وإذا تعمّد عدنان عودة (كاتب "حدث في دمشق" عن إحدى الروايات العربية واخراج باسل الخطيب) اسقاط الحاضر على دمشق الماضي، فإن "تحت سماء الوطن" (5 كتّاب واخراج نجدت اسماعيل) أكثر مباشرة في التعاطي مع سوريا ككيان جامع يذوب فيه الفرد في بوتقة قومية واحدة، فيصبح الوطن (الأسدي) هو سوريا شرعياً، فيما الأفراد جميعهم موالاة. حتى المرأة تُختَزل من أمّ تشيّع الشهداء الى نساء "دنستهنّ" الثورة بفتاوى الجهاد.
الأعمال أعلاه طرح مباشر للأزمة، وفي الآتي بعض من التداعيات. تمكن "سنعود بعد قليل" (رافي وهبي والليث حجو) من صنع شخوص تجسّد الانسان السوري قبل السياسة السورية من دون تغييبها كلياً. ظلّت الصورة على مسافة قريبة من الدراما كعنصر جمال (قصص الحب)، ومنها كجزء (صغير نسبياً) من سوريا الكيان السياسي.
سمعنا من خلال شخصية سامي (عابد فهد) رجل السياسة كماً من الخطب العقيمة (المقصودة)، وسمعنا أيضاً آراء دريد لحام من خلال شخصية نجيب بما يحدث في وطنه، وكأنه الردّ المناسب في الظرف المناسب. أضف الى ذلك حضور "الفايسبوك" والقنوات الاخبارية، ومصطلحات بدت لوهلة "صادمة" لدى المُشاهد: "موالاة، نظام، معارضة، سلفي، جيش حرّ..".
تُختصر تداعيات الأزمة بشخصية كريم (باسل خياط) الذي لجأ الى لبنان لإكمال أطروحة تتعلق بالربيع العربي، فإذا بمخططه يفشل أمام أول "امتحان": خيانة زوجته مع امرأة "خطرة".
في الحرب، يُشتهى الرغيف قبل قطعة الحلوى، والشارع قبل الفيديو كليبات. أرخت الأزمة السورية تحدياً لصنّاع الدراما ممن قرروا انهم طرف: سوريا قادرة على الانتاج ولو طال المخاض وتفسّخت الحناجر بالصراخ. وعند الجدّ وجدت الدراما نفسها وسط تحدٍ لعله الأصعب: رمضان 2013، يساند المعارضة أم "يساير" النظام؟ وما مدى تقبّل الجمهور (العربي، وتحديداً السوري) لأحد الخيارين، خصوصاً ان "حرية" التصرّف بالواقع لا تعني بضعة أفراد، بل ملايين كدنا نقول لولا الخوف من المبالغة بأنهم نتيجة ما تنقله اليهم الشاشة؟
وُجد الحل الوسط: الدراما انسان، لا معارضة ولا موالاة. من المبكر الجزم بأن الدراما السياسية في سوريا قدّمت عرضاً لجزء من المشهد ولم ترفقه بحلّ. والعرض كما بات معلوماً، وجهة نظر. علينا التمهّل في انتظار كيف سيأتي شكل النهاية.
نعود للعرض الذي تتسم به الدراما السورية ما بعد الأزمة، والعرض قد يخضع لرأي وقد يخضع لآراء عدة. في "ولادة من الخاصرة-3، منبر الموتى" (سامر رضوان وسيف الدين سبيعي)، نجد كيف تعاطى الأمن السوري مع ارهاصات الحراك بشتى أدوات القمع والقتل والقهر، في مقابل اظهار مجموعة من الشبان الغاضب ككناية عن مشوّهي الثورة بالتعصّب الأعمى، والقدرة على تصفية الآخر (أكان مثقفاً أم عادياً) لمجرّد انه لا يوافقه الرؤية والرأي. وإذا كان الواقع كذلك في سوريا، فإن المسلسل أبدى حرصاً واضحاً على خلق التوازن داخل المشهد، والتركيز على خطوط درامية اجتماعية انسانية من شأنها جعل الدكتاتورية السياسية في سوريا بمثابة النتيجة لا السبب.
ثم تأتيك الحكومة السورية بإنتاج مسلسلات تتناول الأزمة، فتُقدَّم للمُشاهد على انها سوريا بعد التخريب أو خلال الحرب الكونية الثالثة. انها جزئية مشهدية، وهي تتجسّد بثلاثة أعمال رئيسة: "حدث في دمشق"، "تحت سماء الوطن"، و"وطن حاف". يظهر "الطرف الآخر" في التاريخ نسخة عن انسان اليوم، فثمة بنية أيديولوجية قائمة على نظرية الأبد.
هذه الأعمال التي غابت عن أهم الفضائيات العربية، تعرف جمهورها. أبرز ما فيها استحالة الفصل ما بين السوري والسياسة، أو ما بين السوري كمواطن عن سوريا كدولة بعثية. وإذا تعمّد عدنان عودة (كاتب "حدث في دمشق" عن إحدى الروايات العربية واخراج باسل الخطيب) اسقاط الحاضر على دمشق الماضي، فإن "تحت سماء الوطن" (5 كتّاب واخراج نجدت اسماعيل) أكثر مباشرة في التعاطي مع سوريا ككيان جامع يذوب فيه الفرد في بوتقة قومية واحدة، فيصبح الوطن (الأسدي) هو سوريا شرعياً، فيما الأفراد جميعهم موالاة. حتى المرأة تُختَزل من أمّ تشيّع الشهداء الى نساء "دنستهنّ" الثورة بفتاوى الجهاد.
الأعمال أعلاه طرح مباشر للأزمة، وفي الآتي بعض من التداعيات. تمكن "سنعود بعد قليل" (رافي وهبي والليث حجو) من صنع شخوص تجسّد الانسان السوري قبل السياسة السورية من دون تغييبها كلياً. ظلّت الصورة على مسافة قريبة من الدراما كعنصر جمال (قصص الحب)، ومنها كجزء (صغير نسبياً) من سوريا الكيان السياسي.
سمعنا من خلال شخصية سامي (عابد فهد) رجل السياسة كماً من الخطب العقيمة (المقصودة)، وسمعنا أيضاً آراء دريد لحام من خلال شخصية نجيب بما يحدث في وطنه، وكأنه الردّ المناسب في الظرف المناسب. أضف الى ذلك حضور "الفايسبوك" والقنوات الاخبارية، ومصطلحات بدت لوهلة "صادمة" لدى المُشاهد: "موالاة، نظام، معارضة، سلفي، جيش حرّ..".
تُختصر تداعيات الأزمة بشخصية كريم (باسل خياط) الذي لجأ الى لبنان لإكمال أطروحة تتعلق بالربيع العربي، فإذا بمخططه يفشل أمام أول "امتحان": خيانة زوجته مع امرأة "خطرة".