jo24_banner
jo24_banner

الأردن والدرس المصـري ... حكماً وإخواناً وخريطة طريق

عريب الرنتاوي
جو 24 : النهاية المُرتجاة لاستعصاء التحوّل الديمقراطي في دول الربيع العربي، وبشكل خاص مصر وتونس، تتلخص في “بناء التوافقات الوطنية” حول عملية الانتقال للديمقراطية ومراحلها وقواعد اللعبة السياسية ونبذ الإقصاء ومشاركة الجميع ورفض الهيمنة والتفرد و”تغوّل” الأغلبيات، واحترام حقوق الجميع، أفراداً وجماعات وأقليات ... جميع هذه المفاهيم أسقطها “إخوان مصر” في سنة حكمهم الأولى، ومن قبلهم، قام نظام التمديد والتجديد والتوريث المباركي، على نفي هذه القواعد وإنكارها ... وهي مهددة اليوم، إن ظلت حالة الفرز والاستقطاب على حالها في ظل الحكم الجديد، لكأنه مكتوب على هذه المنطقة وشعوبها ومجتمعاتها، أن تظل تدور في حلقات الإلغاء والإقصاء المتعاقبة، منذ عصر الاستقلالات الحديثة وحتى يومنا هذا، حيث يمارس كل تيار يصل إلى السلطة، وبأي وسيلة، سياسة إلغاء بقية التيارات الأخرى.

متى سنخرج من لعبة “Zero -sum game”، حيث الربح الصافي لأحد الأفرقاء يسجل في ميزان الخسارة الصافية للفريق الآخر، إلى لعبة “Win – win game”، حيث الجميع رابحون، ويجدون لأنفسهم مصلحة عليا في استمرار اللعبة واحترام قواعدها.

“خط النهاية” المُرتجى في الأزمة المصرية، يجب أن يكون “خط البداية” لمختلف القوى السياسية والاجتماعية في الأردن، هكذا نأمل أن يكون عليه الحال، بعد أن تبرد الرؤوس الحامية، ويتخلى الأفرقاء المحليون عن سياسة الإلغاء وتصفية الحسابات، ويكفون عن محاولة استنساخ تجارب الآخرين.

لقد رأينا ميلاً للاستنساخ والاستقواء بالخارج عند الإسلاميين في بلادنا في مستهل موجة الربيع العربي وما صاحبها من صعود إسلامي ... بدا أن الحركة الإسلامية، تريد قطف ثمار ما حققته شقيقاتها في مصر وتونس وتركيا والمغرب وليبيا وبدرجة أقل سوريا ... رأينا من يراهن على “هلال إخواني” انبلج مع صعود الإسلاميين إلى سدة الحكم والسلطة في دول ما بعد الربيع العربي ... بدا الخطاب استعلائياً، وسقف المطالب مرتفعاً، والاعتماد على التحالفات والتوافقات متواضعاً، طالما أن “النجدة” و”المدد” سيأتيان من “الإخوان” في عواصم الجوار.

لكن الرياح لم تواصل هبوبها بما تشتهيه سفن الحركة الإسلامية الأردنية ... وبدا أن سقوط حكم الإخوان في مصر، قد وجّه صفعة قوية لأحلام الحركة الإسلامية وطموحاتها، لم تفق من هولها بعد، فهي ما زالت غارقة في “حالة الإنكار”، وتنتظر عودة مرسي للحكم، كما ينتظر بعض إخواننا من الشيعة، عودة المهدي المنتظر ... مثل هذه الأحلام، ستتبدد قريباً، وستصطدم بصخرة الوقائع القوية على الأرض، ونأمل أن يتم ذلك سريعاً، ففي ذلك مصلحة للأردن والأردنيين وللحركة الإسلامية، سواء بسواء.

في المقابل، نقرأ اليوم خطاباً “مكارثياً” ضد الحركة الإسلامية في بعض صحفنا ومواقعنا، وعلى ألسنة سياسيين ومثقفين وناشطين ... لم يعد الأمر يتوقف عن “شيطنة” هذه الحركة فحسب، بل بلغ حد المطالبة باستنساخ التجربة المصرية، والدعوة لتصفية الحركة وإخراجها عن القانون وعليه، ظناً من هؤلاء أن انتصار ثورة يونيو وتحرك الجيش في مصر، يعطيهم “الشرعية” لنزع “الشرعية” عن الحركة الإسلامية، ومهما كلف الأمر أو بلغت التضحيات.

مثل هذا الخطاب “المكارثي”، كارثي بامتياز ... إذ بدل أن يلتقط أصحابه أطراف “خط النهاية المأمول” للأزمة المصرية، نراهم يقترحون علينا، السير على “درب الجلجلة”، وتعريض مستقبل البلاد والعباد لكل أخطار الفوضى والفلتان، حتى وإن تطلب الأمر، المقامرة بالسلم الأهلي وأمن البلاد واستقرارها.

نقترح في المقابل، مبادرة انقاذية، تخرجنا من حالة الاستقطاب والتوتر السياسي والاجتماعي، تقوم على إطلاق ورشة حوار وطني لبناء أوسع التوافقات الوطنية حول صورة ومستقبل الأردن الذي نريد، وخريطة الطريق للوصول إلى هذا المستقبل، والجدول الزمني المناسب لإنجاز هذه المهمة الوطنية، وبمشاركة الجميع من دون إقصاء أو إلغاء أو تهميش ... نقترح حواراً مغايراً للحوارات الديكورية، التي تنتهي مفاعليها بانفضاض الجمع من حول موائدها ... حوار يحدد قواعد اللعبة السياسية في بلادنا، يقطع الطريق على الهيمنة والتفرد وإنكار حقوق الآخرين، ويُرسي أسس التبادل السلمي للسلطة ... حوار يسعى في مأسسة ودسترة هذه القواعد، بل ويرفعها إلى مرتبة “فوق دستورية”، ويجعل من “الملكية” حارساً لهذه القواعد، مؤتمناً على احترامها وتفعيلها ... حوار ينتهي إلى توافق وطني عريض أو إلى عقد اجتماعي جديد، يأمن بهما المواطن على حرياته وحقوقه و”مواطنته المتساوية”، أياً كانت نتائج الصناديق، فالديمقراطية ليست صندوقاً أصم فحسب، والديمقراطية ليست موعداً يُضرب بين الحاكم والمحكوم كل أربع أو خمس سنوات لمرة واحدة ويوم واحد فقط.

قبل عشر سنوات، كنا من بين فئة من المثقفين والفاعلين، نطلق مشروعاً إقليميا بعنوان “نحو خطاب إسلامي ديمقراطي – مدني”، منطلقين من فرضية “أن لا ديمقراطية من دون الإسلاميين ... ولا ديمقراطية إن ظل الإسلاميون على استمساكهم بخطابهم الأصولي” ... أخذنا على الأنظمة والحكومات إحجامها عن إطلاق عمليات سياسية جادة لتحريك التحول نحو الديمقراطية ... واخذنا على الحركات الإسلامية، تلكؤها في دمقرطة وتمدين وتحديث خطابها السياسي والفكري ... إلى أن داهم الربيع العربي الجميع بإطلاق ديناميكيات وعمليات سياسية متسارعة ... عجز الإسلاميون بخطابهم المتكلس عن مواكبتها، وأخفقت الحركات الإصلاحية والثورية في حفظ قيادتها لها، ولم ترفع النظم البائدة راياتها البيضاء أو توقف مقاومتها للتغيير، فكان ما كان في كل دول الربيع من دون استثناء ... الأمر الذي أوجب ويوجب، حواراً وطنياً مفضياً لتوافقات وطنية وصولاً لديمقراطيات انتقالية توافقيه، تنجي دولنا ومجتمعاتنا من عذاب أليم.

مثل هذا الحوار، بحكم طبيعته، لا يمكن إلا لجهة واحدة في الدولة الأردنية، أن تطلقه وترعاه وتضمن نتائجه وتمأسسهاوتدسترها: مؤسسة العرش ... أما توقيت هذا الحوار، فهو “الآن الآن وليس غداً” ... وبمشاركة الجميع من دون استثناء، اللهم إلا الذين يرفضون عقيدياً وفكرياً قيم الحرية والحق والديمقراطية، ويفضلون عليها أفكاراً غيبية –قروسطية، تعيدنا للخلف لمئات السنين.

مثل هذا الحوار، هو التجسيد الفعلي، لأهم درس من دروس الربيع العربي وتجربة 25 يناير و30 يونيو في مصر، وما تشهده تونس من استقطابات واصطراعات ...وبخلاف ذلك نكون قد سرنا بأقدامنا نحو النفق المظلم، الذي قد نخرج منه وقد لا نخرج، أما عن فواتيره وأكلافه، فحدّث ولا حرج.


(الدستور)
تابعو الأردن 24 على google news