jo24_banner
jo24_banner

رمضانيات 4 - "إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ"

د. نبيل الكوفحي
جو 24 :


في ظل استمرار القرار بالإبقاء على إغلاق المساجد ليوم الجمعة والعشاء في شهر رمضان بعد مضي اكثر من عام على الوباء، ومخالفتنا لكثير من بلاد المسلمين التي تشهد وضعا صحيا مشابها لنا، تبرز أسئلة ملحة حول تقدير المسؤولين لحاجات الانسان المختلفة: كالتغذية الجسدية، والحفاظ على الصحة، والعمل والحصول على المال، والاجتماعية وغيرها، أظن ان القائمين على اتخاذ القرارات نسوا او تجاهلوا حاجات الانسان الروحية كضرورات لا تستقيم حياة الفرد والمجتمع الا بها كالصلاة مثلا، ومنها صلاة الجمعة والجماعة في المساجد، فهي ليست ترفا للفرد ولا نافلة مجتمعية، فهي ضرورات أساسية للإنسان والمجتمع، يعزز من خلالها الإيمان والاستقامة والعمل الصالح والتعاون على البر والتقوى. يقول تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) (الجمعة:9). فقد جعل الحق سبحانه صلاة الجمعة اولى من الاسواق ونشاطاتها، فكيف يستقيم لمسلم عاقل ابقاء الاسواق مفتوحة على مصراعيها بما فيها من اختلاط لا يمكن السيطرة عليه وتقييد الصلاة في المساجد ومنها منع صلاة الجمعة مع سهولة السيطرة والتقييد باجراءات السلامة العامة.

ربما اعذروا في بدايات الحظر حيث كانت الخبرات قليلة في التعامل مع هكذا حالات، فكان القرار: منع صلاة الجماعة في المساجد منعا لانتشار العدوى، واستندوا الى قواعد شرعية مثل: مقاصد الشريعة في حفظ النفس، وقوله تعالى (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْر)، وقوله تعالى (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ). كما استندوا الى ما ورد في السيرة انه صلى الله عليه وسلم كان يأمر المؤذن في بعض الاحوال الجوية ان ينادي بالناس للصلاة في رحالهم أي في منازلهم. كما استند بعضهم الى قواعد فقهية منها: الضرورات تبيح المحظورات، قوله تعالى (إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْه)، والضرر الأشد يُزال بالضرر الأخف.

في ظل اختلاف الاراء الصحية العلمية، وعدم وجود دراسة علمية رصينة تبين دور صلاة الجمعة والجماعة في ازدياد اعداد الاصابات، واستمرار الحالة لاكثر من سنة وربما تستمر لشهور او سنوات قادمة، فالأمر من وجهة نظري بحاجة لإعادة نظر، سيما وان صلاة الجماعة في المساجد من شعائر الدين الواجبة الاشهار، ففي فقه التشريع: الضرورات تبيح المحظورات، والضرورة تقدر بقدرها، أي أن الشيء الذي يجوز بناء على الضرورة يجوز إجراؤه بالقدر الكافي لإزالة تلك الضرورة فقط، ولا يجوز استباحته أكثر مما تزول به الضرورة. وفصل بعضهم بتعريف الضرورة على أنها الحالة الملجئة لتناول الممنوع شرعا .أما الحاجة فإنها وإن كانت حالة جهد ومشقة فهي دون الضرورة. فالاضطرار إنما يبيح المحظورات بمقدار ما يدفع الخطر. ولا يجوز الاسترسال فيه لا مكانا ولا زمانا ولا حالا لغير ضرورته، وأصل هذه القاعدة ما قاله الشافعي رحمه الله تعالى: كل ما أحل من محرّم في معنى لا يحل إلا في ذلك المعنى خاصة، فإذا زال ذلك المعنى عاد إلى أصل التحريم، قال تعالى أيضاً: (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ).

أعتقد ان حرمان الناس من صلاة الجماعة في المساجد خاصة في شهر رمضان تحت مبررات شك لمنع العدوى مبالغ فيه جدا، شهر دأب المسلمون على انتظاره كل عام، يجتهدون فيه بالعبادات والطاعات وأعمال الخير، كيف لا والله تعالى يقول فيه (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ). فاختلاط الناس في المساجد ليس أكثر ضررًا - إن كان هناك خطر- من اختلاطهم في في الأسواق والمولات وهي أماكن مغلقة. القاعدة الفقهية: اليقين لا يزول بالشك) أو (لا يزال، (أو) لا يرفع. هذه القاعدة من أصول أبي حنيفة رحمه الله وقد عبر عنها بقوله: أنه متى عُرِف ثبوت الشيء من طريق الإحاطة والتيقن لأي معنى كان فهو على ذلك ما لم يتيقن بخلافه، ودليل ذلك قوله تعالى) :وما يتَبِعُ أكثرهُم إلا ظناً إنَّ الظن لا يغني من الحقِ شيئاً) .( يونس، آية (36 . وقد عرف الفقهاء اليقين: جزم القلب مع الاستناد إلى الدليل القطعي. و الاعتقاد : جزم القلب من غير استناد إلى الدليل القطعي، ومثلوا له باعتقاد العامي. أما الظن: تجويز أمرين أحدهما أقوى من الآخر، وأما الشك: تجويز أمرين لا مزية لأحدهما على الآخر.

لست صاحب قرار، لكنها نصيحة لأولى الأمر من أصحاب القرار كواجب شرعي، أعتقد أن على أصحاب القرار الاداري منهم والشرعي كذلك ان يتقوا الله ويعيدوا النظر في هكذا قرارات، فان الرجوع للحق فضيلة. والله كلفنا الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، فعلينا برفع أصواتنا انتصارا لديننا وابراء لذمتنا حتى لا نكتب من الساكتين، والساكت عن الحق شيطان أخرس.

وتقبل الله صيامكم وقيامكم، ولا تنسونا من دعائكم.
تابعو الأردن 24 على google news