jo24_banner
jo24_banner

رمضانيات 5 - "اهدنا الصراط المستقيم"

د. نبيل الكوفحي
جو 24 :


قال تعالى (يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ), فقد بيَّن سبحانه وجه الحكمة في الصوم: أنَّه سبب لحصول التقوى، والتقوى ناتج عن الاستقامة، يقول تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ). وفي الحديث الشريف نصيحة عظيمة، اذ جاءه سفيان بن عبد الله الثقفي ـ رضي الله عنه - فقال: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مُرْنِي فِي الْإِسْلَامِ بِأَمْرٍ لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا بَعْدَكَ، قفَالَ صلى (قُلْ : آمَنْتُ بِاللَّهِ، ثُمَّ اسْتَقِمْ)، قَالَ : قُلْتُ : فَمَا أَتَّقِي، فَأَوْمَأَ إِلَى لِسَانِهِ.

الإيمان يحتاج لعمل صالح واستقامة في السلوك، وقد جاءت سورة العصر بالغة الدلالة، اذ قال عنها الإمام الشافعي رضي الله عنه: لو ما أنزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم. فالمؤمن مطالب بالاستقامة الدائمة، ولذلك يسألها ربه في كل ركعة من صلاته (أهدنا الصراط المستقيم ). حتى انه سبحانه امر بها الانبياء عليم السلام، قال تعالى (فاستقم كما أمرت ومن تاب معك)، وفي حق موسى وأخيه عليهما السلام (قد أجيبت دعوتكما فاستقيما )

الاستقامة هي سلوك الصراط المستقيم، ويشمل ذلك فعل الطاعات وترك المنهيات كلها، وهي تدل على الاعتدال وعدم الاعوجاج. إنّ كل نشاطات المسلم إن لم تكن الاستقامة مرافقة لها فلا قيمة لها إطلاقاً، بل ينقلب الدين إلى ثقافة، أو عادات. ولما كان من طبيعة الإنسان النسيان والتقصير، وخروجه عن الاستقامة، كان علاج ذلك التوبة والاستغفار (فاستقيموا إليه واستغفروه)، والمبادرة بالعمل الصالح: (اتق الله حيثما كنت ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها).

الاستقامة حال فردي وجماعي، فهناك جوانب لا تتم الاستقامة بها ولا تحصل إلا على المستوى الجماعي، والدليل على ذلك قول الله عز وجل ( فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا)، فإن مما يساعد في الاستقامة اختيار الصحبة الصالحة، قال تعالى (الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ).

لو أن الناس استقاموا على شرع الله فكيف سيكون الأمر؟! الجواب جاء في قوله تعالى ﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً ﴾ غدق المطر : كثر قطره، وغدقت الأرض : كثر فيها الماء، وهو كناية عن غدق العيش : أي اتسع ورغد. والاستقامة مطلوبة بجوهرها إن بانت، واتجاهها إن اختلطت، قال صلى الله عليه وسلم:( سددوا وقاربوا)، فالسداد هو الوصول إلى حقيقة الاستقامة، والمقاربة الاجتهاد في الوصول إلى السداد والقرب منه.

تعيش الأمة هذه الايام حالات اعوجاج وابتعاد عن طريق الاستقامة، والنتيجة واضحة لا تحتاج لبيان. وطريق الاستقامة واضح، قال تعالى (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وصآكم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، والبداية هي (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). وأهم ما يحقق الاستقامة هي مراقبة الله عز وجل،

وتقبل الله صيامكم واستقامتكم ولا تنسونا من دعائكم.
 
تابعو الأردن 24 على google news