jo24_banner
jo24_banner

رمضانيات 7 - جبر الخواطر

د. نبيل الكوفحي
جو 24 :


الايمان بالله هو أول أركان الإسلام، وعدم الايمان به ووحدانيته من أكبر الكبائر، قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا). وكان لتقدير النفس البشرية التي كرمها الله منزلة عظيمة، لذلك جاء التحذير بعد اسقاط صفة الايمان عن بعض الناس انه يمنع الخير عن الناس ولا يراعي منزلتهم الادمية، بمعنى انه يكسر في خاطرهم، يقول تعالى في سورة الحاقة (إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ). أما في سورة الفجر فقد أكد المولى سبحانه ذات المعنى بأن ذكر اليتيم، وهو من اضعف الناس اذ لا اب له ولا وسند، فكسر خاطره أمر عظيم قُدم لبيان أهميته وجعله بعد جريمة الكفر وقبل التذكير بفريضة الصلاة على فضلها وهي عمود الدين، كما جاء في سورة الماعون (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ، فويل للمصلين).

قد لا يدرك بعضنا عظم هذا الامر، فلابد من الاشارة الى بعض الايات التي وردت في جبر خاطر الانبياء عليهم السلام، فهذا الخطاب الربناني لسيد الخلق صلى الله عليه وسلم في سورة الضحى (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) يدلل على قيمة هذا الخطاب في نفسه عليه افضل الصلاة والتسليم. كما طمأنه انه عائد الى مكة التي غادرها لنشر رسالته (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ). في المقابل يعلمنا الحق سبحانه انه عاتب نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- في قوله (َعبَسَ وَتَوَلَّى*أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى) حينما أعرض عن رجل أعمى (ابن أم مكتوم). وفسر ذلك القرطبي بقوله: فعاتبه الله على ذلك؛ لكي لا تنكسر قلوب أهل الإيمان.

ولعظيم هذا المعنى كان الجبار من أسماء الله الحسنى، وكلمة جَبر مأخوذة من هذا الاسم الذي يبعث الراحة والسكينة في نفوس المؤمنين. وكان من دعائه عليه السلام فيما رواه ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين (اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني).

وما أجمل جبره عليه السلام للفقراء حينما جاؤوه وقالوا : يَا رَسُولَ اللهِ، ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالْأُجُورِ، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ، قَالَ (أَوَلَيْسَ قَدْ جَعَلَ اللهُ لَكُمْ مَا تَصَّدَّقُونَ؟ إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ، وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ)، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ: (أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ) رواه مسلم. وفي هذا كان قول امام السلف يقول سفيان الثوري: "ما رأيت عبادة يتقرب بها العبد إلي ربه مثل جبر خاطر أخيه المسلم”.

ومن جميل الادب الذي يعلمنا إياه رب العزة ما جاء في المواريث في سورة النساء (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا). أي أعطوهم شيئا لجبر خاطرهم وسد حاجتهم.

وجبر الخاطر لا يحتاج دائما الى مال، ولا الى جهد كبير، فـ "الكلمة الطيبة صدقة" . جاء عن عائشة رضي الله عنها: أن امرأة من الأنصار دخلت على عائشة رضي الله عنهما في حادثة الإفك وبكت معها دون أن تنطق بكلمة، قالت عائشة: لا أنساها لها. ونذكركم بالقول المأثور: من سار بين الناس جابراً للخواطر أدركه الله في جوف المخاطر

وتقبل الله صيامكم وصلاتكم ودعاءكم، ووفقكم لجبر خواطر أهلكم وارحامكم واصحاب الضعف،
ولا تنسونا من دعائكم.
 
تابعو الأردن 24 على google news