رمضانيات 12 - " من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى"
د. نبيل الكوفحي
جو 24 :
عودت القراء الكرام في هذا الشهر الكريم أن تكون الكتابات مستوحاة من القران الكريم ومن ظلال شهر رمضان المبارك. ولن أحيد عنه اليوم، فحديثنا عن المسجد الأقصى والقدس هو في ظلال القران كذلك. جاءت سورة الاسراء في افتتاحيتها بالحديث عن معجزة وتكريم (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ)، ثم كاحدى أهم السور التي أشارت الى الصراع بين الحق والباطل، بين المؤمنين واشد اعدائهم (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا)، هذا الصراع الذي لم ينته منذ فجر الإسلام ومكائد وغدر بني قريضة وبني النضير.
الحديث عن الأقصى من صلب هذا الدين، وقد ربطه الله بالمسجد الحرام، كيف لا وقد جاء ذكر افعال اليهود كأكثر قوم سابقين، كما جاء الحديث عنهم شاملا لمواقفهم مع انبيائهم، ونظرتهم لغيرهم بالدونية وخاصة العرب (ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل). يخالف الحقيقة التي كرسها الله سبحانه في وصفهم (أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا)، ويكذًب كلام الله في كتابه كل من ادعى ان لليهود عهد وذمة وانهم يؤدون الحقوق والله تعالى يقول عنهم (أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا) والنقير ذلك النقر الصغير جدا على نواة التمرة. وكل من ادعى انهم أهل "سلام " انما يفتري على الله الذي وصف حقيقتهم (فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ۙ).
كان أهلنا في فلسطين وفي القدس ولا زالوا مرابطين مجاهدين، وما يقومون به من واجب هو نيابة عنا جميعا لا يجوز تركهم لوحدهم، او خذلانهم، فهم يدافعون عن أولى القبلتين وثالث الحرمين وعن أرض إسلامية على مدى أربعة عشر قرنا قبل أن تكون فلسطينية في عهد سايكس وبيكو. والحديث الذي تكلم عن الطائفة المنصورة تحدث عن القدس وما حولها، قال صلى الله عليه وسلم: ( "لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله. وهم كذلك"، قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: "ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس"). نعم محور هذه الطائفة المنصورة – كما ظاهر الحديث- في القدسوحولها يشمل بلاد الشام ونحن أقرب الناس لهم. لذا واجبنا هو الأولى في نصرتهم بالقول والمال والفعل لأننا الأقرب لهم.
كانت فلسطين على مر التاريخ الفيصل في الصراع بين الحق والباطل، فكانت حطين هزيمة للصليبين (25 ربيع الثاني 583 هـ الموافق 4 يوليو 1187)، وكانت عين جالوت هزيمة للمغول (25 رمضان 658 هـ / 3 سبتمبر 1260م)، وكانت وسام الشرف للذين خلدوا في التاريخ من أمثال قطز وصلاح الدين رحمهم الله تعالى، وكان اهل هذه البلاد من الجنود الذين قدموا أرواحهم فداء لدينهم وتحرير أرضهم.
لن يوجع أهل القدس وفلسطين أن يكون منهم شهداء، فهذه منزلة عظيمة لا تعطى الا لمن شرفه الله بها (ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين)، ولكن تهان الامة بترك الجهاد وترك نصرتهم، جاء في الحديث (ما ترك قوم الجهاد قط إلاّ ذلوا). ويكفي للمجاهدين هذا الأجر الجاري الى يوم القيامة، جاء في الحديث: (كل ميت يختم على عمله إلا المرابط فإنه ينمى له إلى يوم القيامة).
دعم المجاهدين في فلسطين وتحريرها واجب على الافراد كما هو على الجماعات (الدول)، ولعل المتاح للأفراد ليس بقليل: من نصرة بالحديث والدعاء والمال. جاء في الحديث المتفق عليه: أنَّ رسُولَ اللَّهِ ﷺ قَال ( مَنْ جهَّزَ غَازِيًا في سبيلِ اللَّهِ فَقَدْ غَزَا، ومنْ خَلَفَ غَازيًا في أَهْلِهِ بخَيْر فَقَدْ غزَا)، فالله الله لا يفوتنكم هذا الواجب، ولا نامت أعين الجبناء والعملاء.
وتقبل الله صيامكم وجهادكم ونصرتكم لاخوانكم باموالكم وجهودكم، ولا تنسونا من صالح دعائكم.