الاجراءات الحكومية غير التخفيفية اعتراف بالفشل والارتهان وامعان في ضرب الاقتصاد الوطني
جو 24 :
كتب احمد الحراسيس - يوما بعد يوم، تتعزز القناعة لدى الأردنيين بأن الحكومات التي تتولّى أمرهم لا تملك ما يؤهلها للقيام بتلك المهمة على الاطلاق، فلا أحد يلمس ابداعا أو اختلافا في النهج بين هذه الحكومة وتلك، وأحوال الناس من سيء إلى أسوأ، وليس أدلّ على ذلك من التعامل مع جائحة كورونا مثلا، والتي انحصرت خيارات مواجهتها على فرض الحظر ورفع الحظر، ومنع الصلاة والسماح بها، واغلاق القطاعات وفتحها بشكل عشوائي وغير منطقي..
اليوم، وبعد ساعات من تسريب خلية ادارة أزمة كورونا اجراءات "تحفيزية" لأخذ لقاح كورونا، أعلن وزير الدولة لشؤون الإعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة المهندس صخر دودين "اجراءات تخفيفية" يقول إنها تصبّ في صالح المواطنين، وقد تضمنت وقف حظر التجوّل الشامل ليوم الجمعة، وفتح الحدائق العامة، والسماح بأداء صلاة العشاء في المساجد سيرا على الأقدام.
الواقع أن الأردنيين لم يجدوا خلال السنوات الثلاث الأخيرة ما يصف حالهم مع السياسات الحكومية أكثر دقة من عبارة "تمخّض الجبل فولد فأرا"، ولعلّ السبب في ذلك البروباغندا التي تسبق المؤتمرات المخصصة لاعلان اجراءات يقولون إنها تصبّ في صالح المواطن، والتي سرعان ما تنتهي كما تنتهي فقاعة الصابون باعلان اجراءات تخفيفية لا تستحق كلّ ذلك الاستعراض.
دودين، الذي منّ علينا بتراجع الحكومة عن قرارها السابق المتضمن عدم تخفيف الاجراءات التقييدية قبل 15 أيار، تجاهل الاجابة على الأسئلة الكثيرة المتعلقة بهذه القرارات أصلا، فنحن نريد أن نعرف لماذا أغلقت الحكومة الحدائق العامة وتركت الأردنيين يمارسون رياضة المشي على الأرصفة المجاورة لتلك الحدائق؟ ما الفرق بين المشي في المضمار داخل الحدائق والمشي على الرصيف المجاور للحدائق؟ ولماذا أصرّت الحكومة في مؤتمرها على تسويق دراستها التي تزعم أن حظر يوم الجمعة خفّض الاصابات بنسبة تجاوزت 40%، فيما تجاهلت الدراسة التي أعدها علماء بحجم الدكتور سعد الخرابشة والدكتور عزمي محافظة وآخرون، وتؤكد أن أثر اليوم الواحد كان أسوأ على المنحنى الوبائي؟ وما الفرق بين صلاة العشاء والتراويح وصلاة الفجر التي كانت سمحت بأدائها سيرا على الأقدام؟
في اجراءاتها التي جاءت تحت شعار الموازنة بين الجانب الصحي والجانب الاقتصادي، تجاهلت الحكومة الجانب الاقتصادي بشكل كامل، فاقتصرت على التنفيس عن الناس، دون أن تقوم بتمديد ساعات عمل المنشآت! وبينما سمحت للأفراد بالتحرّك حتى الساعة العاشرة مساء، منعت القطاعات التجارية والخدمية بالعمل خلال هذه الساعات، الأمر الذي يعني أن مظاهر الاكتظاظ في الأسواق ستستمر في النهار كما كانت عليه قبل الاجراءات "التخفيفية"!
وبالعودة إلى توصيات خلية ادارة أزمة كورونا بشأن فرض اجراءات تحفيزية لتلقي لقاح كورونا، يمكن للقارئ أن يستشعر حجم فشل الحكومة في اقناع الأردنيين بأهمية أخذ اللقاح ويستشعر أيضا اعترافا رسميا بانعدام الثقة بين الحكومة والشعب، الأمر الذي دفعها للبحث عن اجراءات "عقابية" بحقّ الممتنعين عن أخذ اللقاح!
كان الأجدر بالحكومة أن تذهب إلى اجراءات تتضمن احتراما للشعب الأردني، من قبيل تكثيف الحملات التوعوية، واتباع نهج الشفافية، وارسال رسائل ايجابية بأنها حكومة وطنية تخشى وتحرص على مصالح الناس، وأن تكفّ عن معاداة الشعب واستهدافه بقرارات وسياسيات تضرّ بصورتها وبالمواطنين، وأن تحاول اصلاح الشرخ الذي تسببت به بدءا من استهداف نقابة المعلمين مرورا بمحاربة الناس وموظفي القطاع العام في أرزاقهم، واعتقال أصحاب الرأي المخالف لسياساتها، ثمّ الانتخابات النيابية وما شهدته من تجاوزات، وتجاهل محاسبة أصحاب القرار ممن ارتكبوا أخطاء في مواجهة جائحة كورونا، واقصاء أصحاب الرأي المستقل من الأطباء والعلماء، وما شهدته الساحة الوطنية أخيرا من أحداث.
كان على الحكومة ان تحسم قرارها بنفسها ، وتمارس ولايتها العامة ، بدل هذا الانكشاف والتردد ، حيث كشفت التصريحات المتناقضة لوزير الدولة لشؤون الاعلام والاتصال ، ان خلافا في وجهات النظر بين مراكز القرار كان وراء تأخر اعلان ما وصفته الحكومة بانه اجراءات تخفيفية ، ويبدو ان اجتهاد الجهات الامنية ،و مركز الازمات ، غالبا ما ينفذ على الارض ، ولو تناقض تماما مع المنطق والحقائق العلمية ،وتسبب في الاجهاز على اية فرصة لنهوض وتعافي القطاعات المتضررة من الاغلاقات والحظر ...
ربما لو كانت الحكومة اختارت اللجوء إلى لغة العلم والمنطق في اقناع الناس باللقاح وأثره، وبثّ مقاطع فيديو ورسائل عبر وسائل الاعلام و وسائل التواصل الاجتماعي كان خيرا لها من اللجوء إلى الحلّ شبه الأمني في التعامل مع المواطنين، فالأردنيون قادرون على الفهم والاستيعاب، ويقنعهم العلم أكثر من الهراوة.