رمضانيات 25 : “رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ"
د. نبيل الكوفحي
جو 24 :
ورد تعبير (يا أيها الناس) في القرآن الكريم عشرين مرة في تسع سور، منها (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً .. )، ومنها ( يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالاً طيباً)، طبيعة هذا النداء ليس للعبادات ولا الأحكام الشرعية. بينما ورد ذكر آدم عليه السلام 25 مرة توزعت على الشكل الآتي: 5 آيات خاطب الله بها الملائكة أن يسجدوا لآدم ، و5 آيات خاطب الله بها سيدنا آدم مباشرة بصيغة (يا آدم)، و 5 آيات خاطب الله بها البشر بصيغة (يا بني آدم) في سورتين ، أربع في سورة الأعراف وحدها.
من أبرز ذلك الآيات في سورة البقرة (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ). اذ جاءت موجهة للناس نحو خالق البشرية جمعاء بكل الوانها ولغاتها وأزمانها، مذكرا لهم بحقيقة المكان الذي منحهم اياه : أي الارض، وشروط الحياة التي انعم على البشر.
طبيعة الخطاب الالهي الموجه لرسوله صلى الله عليه وسلم (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) هو رسالة طمأنة لكل البشرية، وهو ينسجم مع شمولية الرسالة (وما أرسلناك إلا كافة للناس بَشِيرًا وَنَذِيرًا) أي إلى كل الناس، جاء الخطاب بالبشرى قبل الانذار. لذلك لم يسجل في عهد النبوة ولا الصحابة ولا التابعين وحتى هذا اليوم، سلوك ابادة لغير المسلمين: فظل نصارى العرب على دينهم الى يومنا هذا في كل البلاد التي كانوا فيها قبل الاسلام: كمصر وبلاد الشام والعراق، اخوة لنا لهم ما لنا وعليهم ما علينا كما كانت العهدة العمرية لاهل القدس وما حولها، بل بقي عبدة النار والشيطان – على قلتهم- موجودين في بعض المناطق، لفلا محاكم تفتيش اقيمت، ولا افران غازولا تهجير.
النظرة الاسلامية راهنت على المستقبل، فلم تتمنى لاحد الهلاك حتى بعد شدة عداوتهم للمسلمين، وما أبلغ ما قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا). ان التعامل مع كيانات غير المسلمين ليس مرتبطا بعقيدتهم وجنسهم ولونهم، بل بسلوكهم كمجموع تجاه الامة كمجموع، لذلك كانت الاية واضحة في تحديد هذه العلاقة، بل شجعت على فعل البر قبل اقامة العدل لهم كما في قوله تعالى (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِين)َ ، وجاء النهي محددا للتأكيد على الحقيقة الاولى مع ابراز الفعل الذي يستوجب مثل هذه المعاملة وهو القتل والتهجير من الارض (إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).
الفاظ القران دقيقة ولها دلالاتها، فالقاعدة الشرعية في الخطاب لكل الناس وليس للمسلمين واضحة بنص الايات (وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً). والامر يتجاوز القول الى فعل الخير وانفاق المال، قال تعالى ( الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) فقد نصت الايتان على لفظة الناس وليس المسلمين خاصة. اليس من خلق هذا الدين الرحمة حتى بالحيوانات (دخلت امرأة النار في هرة حبستها لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض)، وايضا (نعم في كل ذات كبد رطبة أجر) اليس بني ادم اولى من ذلك.
وتقبل الله صيامكم وجعل الرحمة سلوكا لكم في كل احوالكم، ولا تنسونا من صالح دعائكم.