زينة ونادين والحرب.. جراح أطفال غزة من يداويها؟
في ليلة مرعبة من ليالي الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة كتبت الطفلة زيتة الضابوس بقلم أحمر على ورقة ووضعتها تحت وسادتها، تقول فيها بكلمات طفولية بريئة "ماما حبيبتي، أنا خايفة كثير كثير.. إذا استشهدنا كلنا ضعونا مع بعض في القبر نفسه لأبقى بحضنك.. وأريد أن أرتدي ملابس العيد عشان ما افرحت عليهم".
وختمت زينة -التي لا تتعدى العاشرة من عمرها- رسالتها إلى والدتها، والتي كانت تعتقد أنها آخر ما يربطها بالحياة "بنتك زينة.. فلسطين حرة عربية".
وتقول زينة للجزيرة نت "نمت وأنا لا أتخيل أنني سأبقى على قيد الحياة حتى الصباح من شدة الانفجارات الناجمة عن الغارات الجوية الإسرائيلية على غزة".
ومن بين 255 فلسطينيا ارتقوا شهداء خلال 11 يوما من الحرب الإسرائيلية على غزة استشهد 67 طفلا و40 امرأة، فضلا عن نحو 1950 جريحا، بينهم مئات الأطفال والنساء.
الموت خوفا
كان القصف شديدا في محيط منزلها شمال مدينة غزة، وكانت زينة ترتعد من شدة الخوف عندما قررت أن تكتب رسالة لوالدتها، وتقول "كتبت الرسالة وكنت أتوقع أن أموت في أي لحظة".
قصفوا المنازل فوق رؤوس الناس، وقصفوا شوارع ومساجد وكل شيء، واستشهد كثير من الأطفال، وكنت أشعر أنني سأموت شهيدة مثلهم، تقول زينة.
في تلك الليلة التي كتبت فيها زينة رسالتها المؤثرة لوالدتها تلقى أحد الجيران اتصالا هاتفيا من جيش الاحتلال يطالبه بإخلاء منزله لقصفه، فخرجت زينة وأسرتها برفقة سكان المنطقة هربا من الموت.
كانت الساعة تشير إلى الواحدة بعد منتصف الليل، وبقيت زينة وأسرتها والجيران في الشارع حتى الصباح، ولم يقصف المنزل المستهدف، وفي الليلة التالية عاود جيش الاحتلال الاتصال طالبا الإخلاء، وتقول والدة زينة للجزيرة نت "كل سكان المنطقة تدافعوا نحو الشوارع وكأنه يوم القيامة، وسط حالة من الرعب الشديد".
وما إن ابتعدوا بضعة أمتار عن المنزل المستهدف حتى قصفته طائرة استطلاع بصاروخ وأتبعته مقاتلة حربية بصاروخ آخر محدثا دويا هائلا، فاحتضنت والدة زينة طفلتها بقوة، وكانت لتوها قد قرأت رسالتها، وتقول "لو كان بيدي لشققت صدري وخبأتها داخل قلبي".
وأضافت أنه لا توجد كلمات تصف مشاعري لحظة أن عثرت على الرسالة وقرأتها، كان دوي الانفجارات في كل مكان، لكنني كنت أشعر أنها تخترق قلبي، لم تجد الأم الكثير من الكلمات التي تخفف بها عن طفلتها، فقالت لها "لو استشهدنا عيدنا عند الله في الجنة سيكون أجمل".
عائدون من الموت
بعد توقف الحرب أصرت زينة على والدتها أن تصطحبها إلى الأماكن التي تعرضت للقصف والتدمير، وتقول "كانت المشاهد مروعة، وكنت أمسك بيد زينة وأطيل النظر إليها وأحمد الله أننا ما زلنا على قيد الحياة"، في تلك اللحظات أدركت والدة زينة كم الوجع النابع من كلمات رسالة طفلتها.
وبحسب مؤسسات محلية ودولية مختصة، فإن أطفال غزة سيعانون لفترات طويلة من آثار نفسية خلفتها أيام الحرب المرعبة عليهم.
وتقول زينة "أنا سعيدة أن الحرب انتهت وأنني لم أمت، لكن كثير حزينة على الأطفال الذين ماتوا بالصواريخ وتحت منازلهم المدمرة".
وبكلمات طفولية قالت زينة "من حقنا نعيش، ما بدنا حرب، الاحتلال لازم يبعد عنا، والعالم لازم يساعدنا، إحنا أبرياء".
أحلام طفلة
وفي منطقة أخرى من غزة -التي لم يكن فيها مكان آمن- هزت الطفلة نادين عبد اللطيف (10 أعوام) العالم عندما ظهرت في مقطع مصور تتحدث بلغة إنجليزية متقنة عن أوجاع الأطفال تحت القصف.
وتقيم نادين مع أسرتها في منزل يقع على بعد أمتار قليلة من مصرف تعرض لقصف عنيف أدى إلى دماره كليا.
تقول نادين للجزيرة نت "كان صوت الانفجار مرعبا، وشعرت أن الصاروخ سقط على منزلنا".
خرجت نادين في صباح ذلك اليوم، وخاطبت العالم الغربي بلغته والدموع تتساقط من عينيها، وتحدثت عن أحلام أطفال تغتالها الصواريخ بلا ذنب أو مبرر.
وقد لاقت كلمات نادين صدى واسعا حول العالم، وانهالت على حساباتها على منصات التواصل الاجتماعي طلبات الصداقة والمتابعة بالآلاف، وتواصل معها كثيرون من حول العالم يبدون إعجابهم بها وتضامنهم معها وأطفال غزة.
طبيبة بريطانية تواصلت مع نادين وقالت لها "أنت قوية وشجاعة، وأتمنى أن يصبح أطفالي مثلك.. وسأبقى مدافعة عن فلسطين وأطفال فلسطين".
وتتلقى نادين حاليا دورسا عن بعد في اللغة الإنجليزية ومواد علمية بمبادرة من معلمة بريطانية.
وقالت نادين -التي تعلمت اللغة الإنجليزية ذاتيا من مشاهدتها أفلام كرتون (صور متحركة) على يوتيوب- إنها تحلم بدارسة الطب، وتعكف حاليا على توظيف إجادتها للغة والتفاعل مع حساباتها على مواقع التواصل لبث رسائل للعالم توضح حقيقة ما تعرضت له غزة خلال الحرب، خصوصا الأطفال.
وتفخر نادين بأن رسائلها -التي تتناول يوميات أطفال عايشوا الرعب والموت لحظة بلحظة خلال الحرب- قد وصلت إلى العالم وأحدثت أثرا.
وتتمنى هذه الطفلة -التي تنتمي لأسرة لاجئة من ياسور قضاء الرملة داخل فلسطين المحتلة- أن يتوقف العالم عن بيع السلاح إلى إسرائيل، وأن يتوقف القتل ويزول الاحتلال، ويتحقق الأمن والاستقرار لأطفال غزة.