النائب زيد العتوم يكتب: الإصلاح السياسي.. لنشرب الشاي ونفكر
جو 24 :
كتب النائب زيد أحمد العتوم -
كلما تم ذكر الاصلاح السياسي والخطط المتعلقة بذلك الخصوص أستذكر إحدى المسرحيات التي يقوم أبطالها بجمع مبلغ من المال لتنفيذ خطتهم ومن ثم يستعملون ذلك المبلغ لشراء الشاي والسكر والضيافة لكي يجلسوا معا ويفكروا بالطريقة المثلى لتنفيذ خطتهم... ويستنفذوا المبالغ التي بحوزتهم على الشاي والسكر والجلسات الطويلة ومن ثم ينتهي مشروعهم وتنتهي خطتهم...
لقد تابعت خلال الايام الماضية الكم الهائل من المقالات والنظريات المتعلقة بالإصلاح السياسي وخطط ونوايا الدولة بذلك الخصوص وضرورة احداث تلك الاصلاحات بالسرعة القصوى. واذا عدنا لسنوات طويلة خلت فستجد نفس النظريات والتحليلات ولكن بتواريخ مختلفة.
عملية الإصلاح السياسي، أو التنمية السياسية كما يحب أن يسميها بعض المحافظين، معالمها واضحة ومعروفة، ونقطة بدايتها معروفة كذلك. ألا وهي إعادة الثقة بالحياة الحزبية ودعمها بجميع الوسائل. ودعوني أشرح لماذا....
الأصل هو أن المواطن يريد تحسين معيشته على كافة المستويات، والأصل أن تلك هي غاية السياسي وهدفه، فالهدف هو اسعاد المواطن ورفع المستوى العام للرفاه. ولكي يقوم السياسي بذلك فلا بد أن يمتلك خطة توضح كيف له أن يقوم بذلك. ومهما علا ذلك السياسي في ثقافته وعلمه فإنه لن يستطيع أن يحيط بجميع الجوانب التي من شأنها أن تحقق ذلك الهدف. لذلك فمن الطبيعي أن يتكاتف ذلك السياسي مع غيره من السياسيين الذين يتوافقون معه فكريا وايديولوجيا وبرامجيا. وبحيث يتم توزيع العمل بين جميع أعضاء الفريق السياسي كل بحسب اختصاصه، وهم بذلك بحاجة لفريق يمتلك الخبرات، وكذلك هم بحاجة لإدارة وأموال. وبعدها هم بحاجة للتواصل مع الجمهور لإقناعهم بخطتهم بحيث يتم التحشيد لها واقناع المواطن بها. وفي حال اقتنع المواطن بها يقوم بدورة بالمساعدة في ايصال من يحمل تلك الخطة إلى سدة صناع القرار عن طريق البرلمان. وإذا نجحت مجموعة من البرلمانيين الذين يمتلكون خطة بالوصول للبرلمان فمن المنطقي هنا أن يعملوا على اقناع زملائهم في البرلمان بالخطة وبالتالي تحشيد الدعم لتنفيذها. وبما أن المطلوب هو التنفيذ فلا بد من وصول النائب أو مجموعة النواب لمراكز تنفيذية وليست فقط تشريعية ورقابية لكي يستطيعوا تنفيذ تلك الخطة. وهذا ما يسمى بالحكومة البرلمانية. وبعكس ذلك يبقى العمل النيابي مجرد خطط تنتظر عطف السلطة التنفيذية لتنفيذها.
الإشكالية الموجودة اليوم واضحة وضوح الشمس وهي ليست بحاجة لا لحوارات ولا جلسات شاي. النواب الذين يصلون لمجلس النواب يأتوا فرادى، وحتى مع وجود الرغبة والدافع لديهم للتغيير فهم لا يزالون فرادى.و لا يشكلون أي ثقل ولا يمتلكون سلطة تنفيذية، وبالتالي لا يستطيعون تنفيذ برامجهم وهذا إن وجدت تلك البرامج بالأصل. فتصبح وظيفة النائب لكي يلبي ويقنع قواعده الإنتخابية بأنه يعمل من أجلهم أن يسعى لتوظيف البعض في الوقت الذي لا توجد به وظائف في الدولة ولا في القطاع الخاص، فيحاول أن يأتي بالإعفاءات الطبية. وتقوم الحكومة ولكي تتعاون معه قليلا بتمكينه من توزيع بعض الكوبونات والشيكات من هنا وهناك، وربما تكفيل بعض أصحاب البسطات من عند الحاكم الإداري. وحتى عندما يقوم النائب بمراجعة القوانين فهو يقوم بذلك بجهد شخصي ودون أن يمتلك الغالبية والمقدرة على مناقشة القوانين بسبب اتساع اختصاصاتها وعدم وجود ماكنة استشارية له تمكنه من الإلمام بالقوانين وتداعيتها. فينتج عن ذلك قوانين غير مدروسة.
وحتى وإن صدرت الإرادة بتعيين حكومات برلمانية، فهل مجلس النواب مؤهل لاستلام الحقائب الوزارية كالخارجية والمالية والتعليم والصحة والنقل. لا أعتقد ذلك. فالنواب لم يأتوا على أسس برامجية بقطاعات معينة لكي يستطيعوا تنفيذ برامجهم. فمع الإحترام لجميع زملائي إلا أن غالبيتهم أتي على أسس مناطقية وعشائرية وليس على أسس برامجية. وبالتالي فإنه ليس من السهل أن يقوموا بمهام تنفيذية. فينتج عن ذلك حكومة معينة.
وفي ظل هذا الوضع يصبح النائب معقب معاملات بحصانة، ليس أكثر. وتصبح الحكومة تسرح وتمرح دون حسيب أو رقيب. وينتج عن ذلك اختلال في موازين القوى ويؤدي ذلك إلى الفساد والترهل الإداري. ويصبح القيادي في الوطن هو من جلب أكبر عدد من الاعفاءات الطبية أو من قام بتوظيف أكبر عدد من جماعته. فلا فكر سياسي ولا خطط تنموية تنفع هنا. وعليه يفقد المواطن ثقته بجميع مؤسسات الدولة، ويصبح المواطن يبحث عن القيادي المتطرف الذي لا إنجاز له سوى الشتيمة على الدولة ومؤسساتها، ويلقى قبولا شعبيا على ذلك بسبب حالة الاحتقان العام. وأنا لا ألوم المواطن بهذا التصرف.
لجميع ما تقدم فالحل يبدأ وينتهي من دعم الإحزاب السياسية لوجستيا وماليا وتشجيع تشكيلها. ولا داع للبقاء ضمن حلقة شرب الشاي والتفكير. كفى لقاءات عقيمة، وتصريحات بالية، فلم يعد أحد يهتم لذلك، فالنتيجة الحتمية لعدم البدء بذلك هو التراجع المستمر والأفول.