مخرجات الحوار، وتعاقب بعض الشخوص.. دود الخل منه فيه!
نايف المصاروة
جو 24 :
بداية وفي الذكرى الثانية والعشرون، أبارك لكل الأردنيين قيادة وشعبا، وادعو الله سبحانه أن يحفظ وطننا وقيادتنا وشعبنا من شر كل ذي شر، وأن ينعم علينا بكل الخير والسلام.
بالأمس وخلال لقاء جلالة الملك عبدالله الثاني بمجموعة من الشخصيات، أكد على عدة نقاط لتحقيق النجاح، تكون انطلاقتها من خلال جلوس الجميع على طاولة الحوار، للعمل من أجل مصلحة الوطن، بغض النظر عن الاختلاف في الاتجاهات.
وتأكيد الملك على أن الأبواب مفتوحة، لجميع الاقتراحات ووجهات النظر المختلفة في عملية الإصلاح، يسمع لها على أساس الاحترام المتبادل والمصارحة والجدية .
منذ سنوات عديدة، ونحن نسمع عن دعوات للجلوس إلى طاولة الحوار، لتحقيق الإصلاح والوصول الى الغايات المنشودة .
واكثر المرات التي ظهرت فيها تلك الدعوات ، هي تلك التي أعقبت أحداث معينة سياسية أو إقتصادية او أمنية ، محلية أو خارجية.
ومع أن المشكلة ليست في طاولة الحوار، لا في شكلها او مكانها، فهي مصنوع أصم، أينما تضعها تكون، فلا تملك رفض او قبول ما يوضع او من يجلس عليها.
ومشكلتنا ليست بالخطوط العريضة للحوار ، ولا من أين نبتدأ او أين ننتهي فذلك يسير وواضح وبين، كما أن الجميع مجمع على ضرورة ذلك الحوار وأهميته.
مشكلتنا تكمن في نفس الشخوص الذين يتصدرون لإدارة الحوار ، إذ انهم وعلى امتداد السنوات التي مضت، يتوارثون ويتعاقبون على نفس الطاولة ويتسابقون الى الكراسي، ويحملون نفس الأراء والأفكار المسبقة، الذي تفرض على طاولة الحوار، وغيرها عوار وبوار، ولذلك لم نلمس أي تطور مشهود يحظى بتوافق الأغلبية.
مشكلتنا بتلك الفئة والعقليات، لا تسمح بأن يكون هناك رأيا خلافا لرأيها .
والدليل أن بعضهم شهد وشارك بعملية الولادة المتعسرة لبعض القوانين الإصلاحية، كقانوني الإنتخاب والأحزاب المعمول بها حاليا ، وعلى أساسها أجريت الإنتخابات الماضية وما سبقها، كما شكلت العديد من الأحزاب، وبالرغم مما فيها من أخطاء، إلا أنهم عموا وصموا عن كل ذلك.
الملفت للتمعن وشدة التبصر والإنتباه، أنه وبعد خطاب العرش الذي افتتح به جلالة الملك أعمال دورة مجلس الأمة مؤخرا ، وإشارته إلى ضرورة إعادة النظر بمجموعة القوانين الناظمة للحياة السياسية.
بدأنا نسمع ومن نفس تلك الفئة، عن عيوب تلك القوانين، حتى أن بعضهم قال..إن "قانون الانتخاب الحالي يتضمن عيوبا كثيرة”، ويجب أن يعدل؛ وأن يوضع قانون يتوافق مع الثقافة الأردنية، وينطلق من الواقع الأردني، داعما الإبقاء على الصوت الواحد على المدى القصير وليس البعيد أو المتوسط.
كيف نتراجع عن القائمة النسبية الى الصوت الواحد، وقبل الحوار؟
ولماذا لا نبني على تجربتنا السابقة في الإصلاح السياسي، والتي أفرزت مجلس النواب عام 1989؟
ولماذا كل هذا الخوف والتخوف من بعض الأحزاب، ذات الصبغة الإسلامية، إذا كنا نحتكم الى القانون في كل السلوكيات والممارسات ؟
ولماذا لا نحترم الاختلاف في الاتجاهات؟
جلالته الملك بالأمس أكد ايضا على أهمية ربط تحديث المنظومة السياسية، بإصلاح الإدارة العامة وتطوير الاقتصاد، باعتبارها عملية متكاملة، أساسها سيادة القانون، والحفاظ على الثقة بالبرلمان وصورته وسمعته عند الأردنيين.
في استطلاع الرأي الذي أجري مؤخراً، اظهر تراجع الثقة بالحكومة وعدم قدرتها على إدارة المرحلة، وضعف جديتها في مكافحة الفساد، إذ أظهر الإستطلاع بأن 82 % يعتقدون بأن الحكومة غير جادة وغير حريصة على محاربته، وأن الوزراء وكبار موظفي الدولة، الفئة الأكثر إسهاما بانتشار الفساد بنسبة 50 %.
اذا فكيف سيكون إصلاح الإدارة العامة، ومن الذي سيتولى ذلك؟
وكيف سيكون إصلاح وتطوير الإقتصاد في ظل وجود الفساد؟
ومتى سنسعى ونعمل على تجذير الثقة، وتأسيسها على أساس المواطنة وإداء الحقوق والواجبات، والمسارعة إلى الفداء بكل ما يعني؟
جلالة الملك لفت ايضا إلى أن الأوراق النقاشية، أن تكون الأطر لعمليات الإصلاح الديمقراطي والقانوني والتعليمي، ولم يقل جلالته في اي مناسبة، أن تلك الأوراق هي الإصلاح بحد ذاته، كما يفهم بعض الذي يتولون ادارة دفة حوار الإصلاحي.
أما مسألة الحفاظ على الثقة بالبرلمان وصورته وسمعته، فالبرلمان اسم مكان، وأما واجب صونه والحفاظ على صورته نقية، فتقع بالدرجة الأولى على البرلمانيين أنفسهم ، من خلال الإلتزام بالدستور والقانون والنظام، واحترام السلوك والقرارات، والعلاقة مع كل المؤسسات الأخرى ، وهو ما سمعناه منهم وأكدوا عليه عند انطلاقة أعمال البرلمان.
وحتى لا نذهب بعيدا، سأقف على حدث معين، فمنذ اكثر من اسبوعين وقع '' 130'' نائبا على مذكرة تطالب الحكومة بطرد سفير الإحتلال الصهيوني من عمان، وقطع العلاقات مع الكيان المحتل، وحتى اللحظة وبالرغم مما يجري في القدس من استفزازات، ومن تكرار للإعتداءات وتدنيس للمسجد الاقصى، إلا أن تلك المذكرة لم يتم مناقشتها، أو الرد عليها !
فهل هذا السلوك يزيد الثقة أم يضعفها؟
ولنعلم جيدا من الذي يفسد الثقة بالبرلمان وبكل المؤسسات، بمعنى.. أن دود الخل منه فيه.
جلالة الملك أكد ايضا على أن تحقيق الإصلاحات الاقتصادية المنشودة، سيسهم في جذب وتشجيع الاستثمارات، التي تكون عاملا مهما للحد من مشكلتي الفقر والبطالة.
سابقا ولاحقا ومع التشكيل لكل حكومة، أو حين مناقشة قانون الموازنة العامة ، نسمع عن خطط وبرامج للتنمية الإقتصادية، فنعول عليها خيرا، ومع ذلك وإلى اليوم لم يتغير واقعنا، ولم نلمس أي جديد، وتتكرر تلك الوعود، والحال من سيء إلى أسوأ ، ارتفاع للدين العام ، ويتكرر عجز الموازنة العامة ، وارتفاع لنسبة البطالة.
وسؤال يرادوني بإستمرار، لماذا نستحدث ثم نلغي وزارة شؤون الإستثمار؟
وبماذا سبقتنا الكثير من الدول التي، انتهجت منهج الإعتماد على الذات، وتحررت من ويلات اﻹقتراض وأصبحت مثالا في النجاح الإقتصادي، وغدت حرة ودائنة بعد أن كانت مديونة!
ومتى سنعترف أن الخلل في شخوص بعض صانعي القرار التشريعي واﻹقتصادي واﻹداري، ومن يتولون الحوار الإصلاحي !
سامحوني.. يقال "دود الخل .... منه وفيه"، هذه المقولة تعني أن هنالك أشخاص داخل مجتمع معين، يحاربون بكل السبل كل من يحاول الإقتراب منهم، أو يؤثر على مراكزهم ومصالحهم ومسمياتهم .
وبالتالي بقاء الحال على ما هو عليه..، مما يعني أن مقولة دود الخل منه وفيه، تعني أن سبب تأخر الصلاح لأي كيان هو بالأساس بسبب بعض أبنائه.
ختاما.. للخروج من كل مما نحن فيه، او نعاني منه، علينا أن نعترف بأخطاءنا، وذلك أول درجات التصحيح واﻹصلاح، ثم نغير شخوص صناع القرار ومن يتولون إدارة الحوار.
وخاتمها مسك ،أقسم بالذي لا إله إلا هو، ولا رب سواه، أن هناك من هم بيننا قادرون على تغيير حالنا الى أفضل لو سمحت لهم الفرصة، او استمع لرأيهم بإنصات وتأني.