اكتشاف يثير ذهول العلماء.. "نسيج" من عصر الفايكنغ
جو 24 :
قطعة صغيرة من نسيج صوفي مطرز بنية اللون عُثر عليها في النرويج مؤخرًا، قد يعتبرها البعض للوهلة الأولى قطعة نسيج مهملة، لكنها في حقيقة الأمر تُعد اكتشافًا أذهل علماء الآثار، إذ تعود إلى عصر الفايكنغ، منذ ألف عام تقريبًا.
ويُعد عصر الفايكنغ فترة هامة في التاريخ الأوروبي، وخاصة أوروبا الشمالية والتاريخ الإسكندنافي، وتمتد من أواخر القرن الثامن حتى القرن الحادي عشر، وعن طريق الحرب التجارة جاب الفايكنغ النرويجيون أوروبا من الشمال وصولًا لجنوب المتوسط.
وعن الاكتشاف المذهل تقول عالمة الآثار روث إيرين أوين في المتحف الجامعي بالجامعة النرويجية للعلوم والتكنولوجيا "إن العثور على المنسوجات المطرزة من عصر الفايكنغ أمر غير معتاد لدرجة أنك لا تستطيع أن تصدق أنه أمر حقيقي.
وتتابع: "أولئك الذين يعملون في مجال الآثار يسعدون إذا وجدوا قطعة قماش طولها سم في سم واحد، لكن في هذه الحالة لدينا ما يقرب من 11 سم من بقايا النسيج، كما أن اكتشاف عملية التطريز ذاتها يعد أمرًا فريدًا تمامًا".
كان هذا الاكتشاف فريدًا جدًا لدرجة أن أويان لم تصدق ما رأته من خلال عدسة المجهر، فتقول: المنسوجات المطرزة من عصر الفايكنغ شيء نعرفه فقط من عدد قليل من المقابر الفخمة، مثل Oseberg وMammengraven في الدنمارك".
قبر غير عادي
عثر العلماء على النسيج في قبر امرأة في هيستنس في مقاطعة ترونديلاغ الجنوبية بالنرويج، أثناء عمليات التنقيب في عام 2020، ويرجع تاريخ القبر إلى ما يقرب من 850-950، في منتصف عصر الفايكنغ.
وُضعت المرأة المتوفاة في حجرة دفن خشبية في كومة طويلة فوق القبر، يعتبر هذا النوع من المقابر أمرًا غير معتاد في وسط النرويج.
ويقول عالم الآثار ومدير مشروع التنقيب ريموند سوفاج: "تنتشر مقابر الغرفة بشكل أساسي في بيركا وسكانيا (اسكونه اليوم) بالسويد، وفي المناطق الدنماركية السابقة، والأجزاء الجنوبية الشرقية من النرويج، وهيديبي في ألمانيا اليوم".
وبحسب مدير مشروع التنقيب فإن اللقى الجنائزية التي عُثر عليها تعد أمرًا خارجًا عن المألوف؛ حيث دُفنت المرأة مع بروش من ثلاثة فصوص، وهو اكتشاف نادر جدًا في النرويج، لكنه معتاد في المناطق الدنماركية القديمة، كما تم دفنها مع عدة مئات من اللآلئ الصغيرة، وهو نوع معروف فقط في عدد قليل جدًا من المقابر النرويجية.
وبشيء من التفصيل يشرح سوفاج طبيعة الاكتشاف: "اللآلئ كانت مركزة على كتفها الأيمن، لكننا لا نعرف ما إذا كانت عقدًا من اللؤلؤ أم شيء آخر، تم تفسير اكتشاف من مستعمرة "هيديبي" مع لآلئ مماثلة على أنه تطريز باللؤلؤ بشكل أو بآخر، ومن المعقول أن يكون الأمر كذلك هنا".
"ومع ذلك، فإن المنسوجات هي أكثر الاكتشافات استثنائية في القبر".
2000 خروف لشراع
وعثر علماء الآثار أنهم عثروا على بقايا 8 منسوجات مختلفة في القبر، 6 قطع من القماش الصوفي واثنتان من قماش الكتان، تختلف الأقمشة من حيث الجودة والهيكل والمظهر.
وفي هذا السياق تقول أويان: "اليوم نتخلص من الملابس ونشتري ملابس جديدة دون التفكير مرتين في الأمر، لكن هذا لم يكن بالتأكيد هو الحال في عصر الفايكنغ".
وتابعت: "لصنع منسوجات تكفي كساء أسرة لمدة عام، يتطلب الأمر عامًا كاملًا من ساعات العمل. ومن الأمور البديهية أنه لم يكن بوسع أسر الفايكنغ الحصول على ملابس جديدة كل عام؛ حيث كان يتم تبادل الكثير منها".
ومن بين الأمور المثيرة للاهتمام، أن صنع الأشرعة لقارب عصر الفايكنغ كان يتطلب صوفًا من 2000 خروف. وبين العمالة والمواد الخام، قدر العلماء قيمة شراع عصر الفايكنغ بين 15 و 20 مليون كرونة نرويجية بأسعار اليو (2.4 مليون دولار أميركي).
وهنا تلفت عالمة الآثار روث أوين إلى حقيقة هامة، وهي أن المرأة صاحبة القبر المكتشف كانت مزينة بالكثير من الملابس، وهو ما يعني أنها دفنت بأشياء ذات قيمة عالية جدًا.
وتردف: "أعتقد أن المنسوجات الموجودة في القبر كانت ذات قيمة مثل الأشياء التي أحضرتها معها كاللآلئ إن لم يكن أكثر منها".
فحص الملابس
ووفقًا لتخيل العلماء فإن المرأة كانت ترتدي ثوبًا مقلوبًا، تم تثبيته بدبابيس السلحفاة، تحت الفستان ربما كانت ترتديه على قميص من الكتان أو الصوف الناعم، ومن المرجح أنها كانت ترتدي رداءًا به عناصر زخرفية مطرزة فوق كتفيها.
ومن بين المهام التي يتصدى بها علماء الآثار في هذا الاكتشاف، إلقاء نظرة فاحصة على ألوان الملابس.
وتقول روث أوين: "تحت المجهر يمكننا أن نرى أن بعض خيوط التطريز لها لون مختلف عن النسيج الموجود تحتها، قد يكون هذا بسبب تأثر أنواع الألياف المستخدمة في خيوط التطريز باختلاف الوقت الذي تقضيه في التربة عن الألياف الموجودة في القماش، نأمل أن تزودنا المزيد من التحليلات ببعض الإجابات ".
وتضيف أن تحليل لون المنسوجات التي تعود إلى عصور ما قبل التاريخ يمثل تحديًا كبيرًا، حيث صُبغت هذه المنسوجات بالنباتات دون استخدام المواد الكيميائية، ومن ثم تسربت الألوان إلى الأرض على مدار الـ 1100 عام الماضية.