jo24_banner
jo24_banner

ليس لدى إلهان عمر ما تعتذر عنه

ليس لدى إلهان عمر ما تعتذر عنه
جو 24 :

مرة أخرى، يهاجم زعماء الحزبين الجمهوري والديمقراطي النائبة إلهان عمر لقولها الحقيقة بشأن جرائم الحرب الأميركية والإسرائيلية. ومرة أخرى، ليس لدى عمر ما تعتذر عنه.

  • * *
    بمثل حتمية شروق الشمس في الصباح، سوف تجتمع النخبة السياسية الأميركية بشكل دوري عبر خطوط الحزبين المتحاربين لذم النائبة إلهان عمر (ديمقراطية عن مينيسوتا) والتشهير بها والافتراء عليها.
    وكانت عمر قد نشرت قبل بضعة أيام عبر "تويتر” حوارها مع وزير الخارجية الأميركية، أنطوني بلينكين. وهناك، أثارت ما يجب أن يكون سؤالًا مألوفاً وعادياً إلى حد كبير: ما الآليات القائمة للتحقيق في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكَب في فلسطين وأفغانستان؟
    تُعارض حكومة الولايات المتحدة اختصاص المحكمة الجنائية الدولية للنظر في القضايا المزعومة لانتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها كل من إسرائيل وحماس، والولايات المتحدة وطالبان. وإذا كانت المحاكم المحلية لن تحقق في جرائم الحرب، وإذا عارضت الولايات المتحدة قدرة المحكمة الجنائية الدولية على القيام بذلك، فإلى أين يمكن أن يلجأ ضحايا جرائم الحرب من أجل طلب العدالة؟
    قدم الوزير بلينكين بعض التأكيدات الغامضة حول قيمة الحياة البشرية، تلاها تكرار لموقف وزارة الخارجية: إنها تعارض اختصاص المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في المطالبات والمزاعم ما لم تقم بإحالتها إليها دولة أو مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. لكن هناك مشكلتين في هذا الدفاع. أولًا: ماذا لو كانت الدولة نفسها هي المتهمة بارتكاب جرائم حرب؟ أي سبب محتمل قد يدفع مثل هذه الدولة إلى دعوة المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في أفعالها هي نفسها؟ ثانيًا: ماذا لو كانت تلك الدولة ذاتها (في حالة الولايات المتحدة) أو حليفها الأقوى (في حالة إسرائيل) تتمتع بحق النقض في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة؟ كيف بحق السماء يمكن أن نتوقع أن تقوم هذه الهيئة بإحالة قضية إلى أي مكان؟
    وكتبت عمر: "يجب أن يكون لدينا المستوى نفسها من المساءلة والعدالة لجميع ضحايا الجرائم ضد الإنسانية. لقد رأينا فظائع لا يمكن تصورها ارتكبتها الولايات المتحدة، وحماس، وإسرائيل، وأفغانستان، وطالبان”.
    سريعاً وبطريقة منظمة مثل عمل الساعة، انفجر الجمهوريون بالإدانات بمعاداة السامية. وهاجم النائب كيفن مكارثي (عن كاليفورنيا) عمر ووصفها بأنها "معادية للسامية”، و”معادية لأميركا”، و”بغيضة”. وحذا حذوه زعماء ديمقراطيون آخرون. وأصدرت مجموعة من اثني عشر يهوديًا ديمقراطيًا بيانًا يأسفون فيه لما يعدونه إقامة "تكافؤ خاطئ” بين "ديمقراطيات” مثل الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة، وحماس وطالبان من جهة أخرى. وألقت قيادة الحزب الديمقراطي بوزنها الكامل هي الأخرى بإصدار بيان مماثل يطالب عمر بـ”توضيح” (أي، تقديم اعتذار) عن تعليقاتها السابقة.
    وجادلوا بأن "إقامة تماثلات زائفة بين ديمقراطيات مثل الولايات المتحدة وإسرائيل، ومجموعات تنخرط في الإرهاب مثل حماس وطالبان، تثير التحيزات وتقوض التقدم نحو مستقبل يسوده السلام والأمن للجميع”.
    يمكن أن يغفر لك إذا قمت برد فعل متأخر غير متوقع. أليس هؤلاء هم نفس الناس الذين ردوا قبل نحو أسبوعين فقط على المجازر في غزة، والغارات الجوية الإسرائيلية التي دمرت المباني السكنية وسوتها بالأرض وقتلت مئات المدنيين، والطرد العنيف للفلسطينيين من منازلهم، وحشود الإسرائيليين الفالتين من أي عقال وهم يصرخون "الموت العرب” بتنديدات منفصلة بـ”كلا الجانبين”؟ من الواضح أن إقامة تماثلات تكون "خاطئة” فقط إذا كان ذلك يهدد بمحاسبة إسرائيل أو الولايات المتحدة.
    خلال هجوم إسرائيل على غزة الذي استمر أسبوعين، أصر السياسيون الرئيسيون ووسائل الإعلام على أن "كلا الجانبين” مسؤول، على الرغم من عدد القتلى غير المتكافئ مطلقاً من الفلسطينيين، وعلى الرغم من حقيقة أن أحد الجانبين، إسرائيل، هو دولة قوية تستعمر وتحتل الجانب الآخر، فلسطين، الذين هم شعب بلا دولة. وسعت وسائل الإعلام إلى استهداف حماس وتشويه سمعتها من أجل تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم، كما لو أن كل واحد من ملايين الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الحكم الإسرائيلي يطلق الصواريخ، ويستحق أن يُقصف رداً على ذلك.
    ولكن، بصرف النظر عن حجم الدمار غير المتكافئ الذي أحدثته القوات الإسرائيلية، فإن الإصرار على أن هناك شيئًا فريدًا يستحق الشجب بشأن أساليب حماس يطرح سؤالًا خطيرًا. إذا كان إطلاق صواريخ منخفضة المستوى، والتي تفتقر إلى تقنيات الاستهداف الدقيقة وبالتالي تنطوي على إمكانية إصابة المدنيين، هو أمر مقيت، أليس من المقيت تماماً أن تستخدم إسرائيل أحدث ما توصلت إليه تقنية الأسلحة، والتي تهاجم عمداً وبدقة المباني المدنية والمدارس، ووسائل الإعلام، والبنية التحتية مثل محطات التحلية ومحطات الطاقة والصرف الصحي؟
    يزعم الحزب الجمهوري وقيادة الحزب الديمقراطي أن ارتداء عباءة "الديمقراطيات” التي تنسب الولايات المتحدة وإسرائيل نفسيهما إليها تعني أنهما يمكن أن تكونا مسؤولتين عن مراقبة وضبط نفسيهما، وأنهما في فئة مختلفة عن منظمة مثل حماس. لكن هذه الحجة تنهار عندما ندرك، كما قال مارتن لوثر كينغ الابن ذات مرة، إن "أعظم ممول للعنف في العالم هو حكومتِي”، الولايات المتحدة.
    حتى لا ننسى، فإن الحرب الأميركية المستمرة "على الإرهاب” مسؤولة عن 800.000 وفاة على الأقل في العراق وأفغانستان وسورية واليمن وباكستان، وعن نزوح أكثر من 37 مليون شخص من ديارهم. وتقوم ما يقدر بثمانمائة قاعدة عسكرية أميركية في أكثر من سبعين دولة بدوريات في جميع أنحاء العالم لخدمة الهيمنة الأميركية العالمية. وقد قتلت إسرائيل، من جانبها، ما يقرب من 6.000 فلسطيني منذ أن بدأ مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في تسجيل العدد في العام 2008، مقارنة بـ262 إسرائيليًا قتلوا خلال تلك الفترة. وبهذا المعنى، صحيح، ليس هناك أي تكافؤ مع الضرر الذي تسببه مجموعة مثل حماس –إن ما فعلته الولايات المتحدة وإسرائيل -وما تزالان تفعلانه- في كل أنحاء العالم هو أسوأ بكثير.
    لنكن واضحين بشأن الهدف الحقيقي لهذا الهجوم على إلهان عمر. أولاً، في كل مرة ينفجر فيها الجمهوريون بالهجوم على عمر، ويصطف الديمقراطيون خلفهم، فإنهم يشجعون التهديدات بالقتل ويعرضون حياة عمر للخطر. ثانيًا، تَصرف مثل هذه الأعمال الانتباه عن الدمار المستمر لحياة الفلسطينيين، والحصار المفروض على غزة، وتداعيات حملة القصف الأخيرة، والفصل العنصري داخل إسرائيل. تخيل، على حد تعبير النائبة أيانا بريسلي، أن الكونغرس، بدلاً من إضاعة الوقت في استهداف إلهان عمر، "شعر بالغضب إزاء ما يعانيه الفلسطينيون يوميًا”.
    أخيرًا، في سياق الانقسام المتعمق داخل الحزب الديمقراطي بشأن قضية إسرائيل وفلسطين، وتزايد التعاطف العام مع الفلسطينيين، فإن تصرفات قيادة الحزب المتعلقة بانتقاد عمر هي محاولة لتأديب يسار الحزب. في الشهر الماضي، انتقدت عمر وأعضاء "الفرقة”، إلى جانب الديمقراطيين التقدميين الآخرين، سياسات التطهير العرقي والفصل العنصري التي تمارسها إسرائيل، بالاسم، في قاعة مجلس النواب. وليس من المستغرب أن تكون قيادة الحزب قد انتهزت الآن الفرصة الأولى لمحاولة دفع ذلك الجنِّي وإعادته إلى القمقم.
    إن مؤسسة الحزب الديمقراطي ملتزمة بالدعم المطلق لإسرائيل مثل نظرائها الجمهوريين. وتعني منفعة إسرائيل للمصالح الجيوسياسية للحكومة الأميركية أن هذه المؤسسة ستقاتل بكل قوتها لإعادة منتسبيها إلى حظيرة موقفها التقليدي المؤيد لإسرائيل.
    كان "التجمع التقدمي في الكونغرس”، وأعضاء آخرون في "الفرقة”، والمنظمات الشعبية على حق في الدفاع عن عمر. من الجيد أن يكون لديك أخيرًا يساري في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، والذي ينتقد النفاق الأميركي ويكشف جرائم الحرب، كما فعلت عمر باستمرار. وفي الحقيقة، ليس لدى عمر، ولا الحركة من أجل فلسطين، أي شيء يستوجب الاعتذار عنه.

*Hadas Thier: ناشطة تقيم في نيويورك، ومؤلفة كتاب "دليل شعبي للرأسمالية: مقدمة للاقتصاد الماركسي”.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Ilhan Omar Has Absolutely Nothing to Apologize For


تابعو الأردن 24 على google news