إسرائيل تفاوض نفسها
عريب الرنتاوي
جو 24 : بناء 1200 وحدة استيطانية في الضفة الغربية، لا يهدد عملية السلام، بل وتجد إسرائيل صعوبة في قبول “الاتهامات الجائرة” بأن أنشطة من هذا النوع، لها صفة “توسعية” و”عدوانية” ... أما أغنية “يا طير يا لطاير” للشاب محمد عساف، فهي تهديد لعملية السلام، والأهم أنها تحث على تدمير دولة إسرائيل، فالمغني الشاب يدعو في الطيور الحائمة في السماء للسلام على الأهل في الناصرة وعكا وطبريا، وهذا تصرف منافٍ لـ”يهودية الدولة” الذي بات شرطاً إسرائيليا مسبقاً للتفاوض والحل النهائي على حد سواء، انتزعت الشطر الأول منه من واشنطن، فيما الشطر الثاني تسعى في انتزاعه من الفلسطينيين و22 دولة عربية و57 دولة إسلامية.
من أجل تسويغ وتسويق الافراج عن دفعة محدودة من أسرى ما قبل أوسلو، أقر نتنياهو وحكومته، بناء 1200 وحدة استيطانية جديدة، لكأن إسرائيل تتفاوض مع نفسها، وتصل إلى “التسويات” و”الصفقات” التي تريح مكونات ائتلافها الحاكم لا أكثر ولا أقل ... وإلى أن يتم الافراج عن المائة وأربعة معتقلين وفقاً لـ “تفاهمات كيري”، ستكون إسرائيل قد بنت أكثر من خمسة آلاف وحدة استيطانية جديدة، ومن يدري فقد تلجأ إسرائيل إلى سياسة “الباب الدوّار” فتعود لاعتقال الأسرى المحررين من جديد عند أول توتر أو تأزم في المفاوضات، وهي التي طالما فعلت ذلك مراراً وتكراراً ومن دون خجل أو تردد.
الناطقون باسم السلطة الفلسطينية، قالوا إن البناء الاستيطاني الجديد، هو مسمار في نعش عملية السلام ... كم من مسمار دُقَّ في هذا النعش، وكم من المسامير الإضافية سيحتمل قبل أن يتحول إلى “نشارة خشب متطايرة” ... بعضهم كان أذكى من ذلك فقال: إن قرارات من هذا النوع، تؤكد أن إسرائيل معنية بالتوسع والاستيطان وليس بعملية السلام وحل الدولتين ... يا إلهي كم من مرة نعيد اكتشاف البارود والعجلة؟ ... المؤكد أن استمرار المفاوضات والاستيطان جنباً إلى جنب، سيجعلنا نصل إلى اللحظة التي تأكل فيها المستوطنات أخضر الدولة الفلسطينية ويابسها، فيما نحن لاهون في تعريف المُعرّف، واختراع البارود.
في المقابل، يأتيك على الضفة الأخرى، ضفة القوى المناهضة للمفاوضات والعملية السلمية، في الضفة كما في القطاع المحاصر ... من يعيد عليك “لازمته” الممجوجة ... لهؤلاء أيضاً خطابهم المتكرر في مثل هذه المناسبات ... إنهم يعيدون التأكيد على خطورة نهج التفاوض، ويقترحون المقاومة نهجاً بديلاً له، بيد أن أحداً لا يقاوم، وعلى الأرض وفي الميدان، لا يختلف المفاوضون عن المقاومين، ما يختلف فقط، هو لغة الخطاب ونبرته، لا أكثر ولا أقل.
كنا نعلم أن المفاوضات تُستأنف هذه المرة، من دون قبول بالمطلب/الشرط الفلسطيني الأساسي: وقف الاستيطان، وقد قيل لنا أن ثمة “تفاهمات” فلسطينية أمريكية على أقل تقدير، بأن يوقف نتنياهو الاستيطان من دون إعلان أو ضجيج، بهدوء وبالتدريج ... لكن ما نراه على الأرض، أن نتنياهو و حكومته، يسرّعان الأنشطة الاستيطانية، وبأعلى قدر من الدعائية والضجيج، وتحت سمع العالم وأبصاره، ومن دون أن نقوى على تحريك ساكن، اللهم سوى الشجب والإدانة وإعادة انتاج ذات الخطابات والبيانات والتصريحات.
لقد جرت عن عمد، المبالغة في تضخيم حجم الإنجاز المتمثل في الإفراج عن قدامى السجناء، سجناء ما قبل أوسلو الذين نُجلُّ ونحترم ... وفي ظني أن للمبالغة أهدافا أخرى تتصل أساسا بصرف النظر عن “هزيمتنا” في معركة وقف الاستيطان ... ومن اليوم وحتى تسعة أشهر على الأقل، لن يكون بمقدورنا أن نلوّح بورقة وقف المفاوضات من جديد ... ذلك أن أحداً لم “يضرب المفاوض الفلسطيني على يديه” ليذهب إلى مفاوضات بلا مرجعية، ومن دون شرط وقف الاستيطان.
نحن إذن، أمام مسرحية عابثة ... إسرائيل تتوسع على حساب أرضنا وحقوقنا ومقدساتنا، مقابل تسهيلات تمنح لمليون فلسطيني للاصطياف في أراضي احتلال 48، ألم يقل نتنياهو بأنه سيسهل حركة الفلسطينيين وتنقلهم؟! ... أما من هو المستفيد من هذه “السياحة”، فتلكم مسألة نتركها لتقدير لجان مكافحة التطبيع التي حثت الفلسطينيين على حصر معاملاتهم التجارية والسياحية بعرب 48، أقله من باب درء الضرر أو تقليصه، طالما أن منعه بات متعذراً.
بعد أيام، ستلتئم مائدة المفاوضات من جديد، وستُخيم روح اسحق شامير فوق الوفد الإسرائيلي المفاوض، وستمنحه العزيمة والمكر الكافيين، لإطالة أمد المفاوضات إلى ما شاء الله ... وسيجري العمل حثيثاً، على نصب الشباك للمفاوض الفلسطيني، فيكون أمام خيارين لا ثالث لهما: إما القبول بإملاءات إسرائيل المتدفقة من شهية توسعية لا حدود لها، وإما إحراجه وإخراجه، فيصبح المسؤول مرة ثانية، عن فشل مبادرة جون كيري، تماماً مثلما حُمِّل ياسر عرفات، وزر الفشل الذي أصاب مبادرة كلينتون ومفاوضات كامب ديفيد، وكان ما كان من تداعيات انتهت بـ”السور الواقي” واغتيال ياسر عرفات بالسم الزعاف.
المفارقة المؤلمة في المشهد الفلسطيني، تكمن في قيام الجانب القوي والغاصب: إسرائيل، بالتفاوض والاستيطان جنباً إلى جنب، أما الجانب الفلسطيني الأضعف والمغتصب، فلا يفعل شيئاً غير التفاوض، لا مقاومة من أي نوع على هامش المفاوضات أو بموازاتها، هناك الكثير من السياحة عبر الخط الأخضر، وقليل من عمليات التعرض للجدار والاستيطان في طول البلاد وعرضها، هناك “تمويت” لملفات ملاحقة إسرائيل واستكمال عضوية فلسطين في المنظمات الدولية، فقد نجحت إسرائيل في انتزاع موافقاتنا على “التهدئة” و”ضبط النفس” والتوقف عن أية “إجراءات من جانب واحد”، وفشلنا نحن في دفعها للقبول بأبسط موجبات التفاوض والسلام وحل الدولتين: وقف الاستيطان، وها نحن ندفع الثمن اليوم، فيما هم يقطفون الثمار، مزيداً من الوحدات الاستيطانية، داخل القدس “الكبرى” وخارجها في الضفة الغربية، ويأتيك من يحدثك عن “فرصة” أو آخر فرصة” للسلام، عن أي سلام تتحدثون؟
الدستور
من أجل تسويغ وتسويق الافراج عن دفعة محدودة من أسرى ما قبل أوسلو، أقر نتنياهو وحكومته، بناء 1200 وحدة استيطانية جديدة، لكأن إسرائيل تتفاوض مع نفسها، وتصل إلى “التسويات” و”الصفقات” التي تريح مكونات ائتلافها الحاكم لا أكثر ولا أقل ... وإلى أن يتم الافراج عن المائة وأربعة معتقلين وفقاً لـ “تفاهمات كيري”، ستكون إسرائيل قد بنت أكثر من خمسة آلاف وحدة استيطانية جديدة، ومن يدري فقد تلجأ إسرائيل إلى سياسة “الباب الدوّار” فتعود لاعتقال الأسرى المحررين من جديد عند أول توتر أو تأزم في المفاوضات، وهي التي طالما فعلت ذلك مراراً وتكراراً ومن دون خجل أو تردد.
الناطقون باسم السلطة الفلسطينية، قالوا إن البناء الاستيطاني الجديد، هو مسمار في نعش عملية السلام ... كم من مسمار دُقَّ في هذا النعش، وكم من المسامير الإضافية سيحتمل قبل أن يتحول إلى “نشارة خشب متطايرة” ... بعضهم كان أذكى من ذلك فقال: إن قرارات من هذا النوع، تؤكد أن إسرائيل معنية بالتوسع والاستيطان وليس بعملية السلام وحل الدولتين ... يا إلهي كم من مرة نعيد اكتشاف البارود والعجلة؟ ... المؤكد أن استمرار المفاوضات والاستيطان جنباً إلى جنب، سيجعلنا نصل إلى اللحظة التي تأكل فيها المستوطنات أخضر الدولة الفلسطينية ويابسها، فيما نحن لاهون في تعريف المُعرّف، واختراع البارود.
في المقابل، يأتيك على الضفة الأخرى، ضفة القوى المناهضة للمفاوضات والعملية السلمية، في الضفة كما في القطاع المحاصر ... من يعيد عليك “لازمته” الممجوجة ... لهؤلاء أيضاً خطابهم المتكرر في مثل هذه المناسبات ... إنهم يعيدون التأكيد على خطورة نهج التفاوض، ويقترحون المقاومة نهجاً بديلاً له، بيد أن أحداً لا يقاوم، وعلى الأرض وفي الميدان، لا يختلف المفاوضون عن المقاومين، ما يختلف فقط، هو لغة الخطاب ونبرته، لا أكثر ولا أقل.
كنا نعلم أن المفاوضات تُستأنف هذه المرة، من دون قبول بالمطلب/الشرط الفلسطيني الأساسي: وقف الاستيطان، وقد قيل لنا أن ثمة “تفاهمات” فلسطينية أمريكية على أقل تقدير، بأن يوقف نتنياهو الاستيطان من دون إعلان أو ضجيج، بهدوء وبالتدريج ... لكن ما نراه على الأرض، أن نتنياهو و حكومته، يسرّعان الأنشطة الاستيطانية، وبأعلى قدر من الدعائية والضجيج، وتحت سمع العالم وأبصاره، ومن دون أن نقوى على تحريك ساكن، اللهم سوى الشجب والإدانة وإعادة انتاج ذات الخطابات والبيانات والتصريحات.
لقد جرت عن عمد، المبالغة في تضخيم حجم الإنجاز المتمثل في الإفراج عن قدامى السجناء، سجناء ما قبل أوسلو الذين نُجلُّ ونحترم ... وفي ظني أن للمبالغة أهدافا أخرى تتصل أساسا بصرف النظر عن “هزيمتنا” في معركة وقف الاستيطان ... ومن اليوم وحتى تسعة أشهر على الأقل، لن يكون بمقدورنا أن نلوّح بورقة وقف المفاوضات من جديد ... ذلك أن أحداً لم “يضرب المفاوض الفلسطيني على يديه” ليذهب إلى مفاوضات بلا مرجعية، ومن دون شرط وقف الاستيطان.
نحن إذن، أمام مسرحية عابثة ... إسرائيل تتوسع على حساب أرضنا وحقوقنا ومقدساتنا، مقابل تسهيلات تمنح لمليون فلسطيني للاصطياف في أراضي احتلال 48، ألم يقل نتنياهو بأنه سيسهل حركة الفلسطينيين وتنقلهم؟! ... أما من هو المستفيد من هذه “السياحة”، فتلكم مسألة نتركها لتقدير لجان مكافحة التطبيع التي حثت الفلسطينيين على حصر معاملاتهم التجارية والسياحية بعرب 48، أقله من باب درء الضرر أو تقليصه، طالما أن منعه بات متعذراً.
بعد أيام، ستلتئم مائدة المفاوضات من جديد، وستُخيم روح اسحق شامير فوق الوفد الإسرائيلي المفاوض، وستمنحه العزيمة والمكر الكافيين، لإطالة أمد المفاوضات إلى ما شاء الله ... وسيجري العمل حثيثاً، على نصب الشباك للمفاوض الفلسطيني، فيكون أمام خيارين لا ثالث لهما: إما القبول بإملاءات إسرائيل المتدفقة من شهية توسعية لا حدود لها، وإما إحراجه وإخراجه، فيصبح المسؤول مرة ثانية، عن فشل مبادرة جون كيري، تماماً مثلما حُمِّل ياسر عرفات، وزر الفشل الذي أصاب مبادرة كلينتون ومفاوضات كامب ديفيد، وكان ما كان من تداعيات انتهت بـ”السور الواقي” واغتيال ياسر عرفات بالسم الزعاف.
المفارقة المؤلمة في المشهد الفلسطيني، تكمن في قيام الجانب القوي والغاصب: إسرائيل، بالتفاوض والاستيطان جنباً إلى جنب، أما الجانب الفلسطيني الأضعف والمغتصب، فلا يفعل شيئاً غير التفاوض، لا مقاومة من أي نوع على هامش المفاوضات أو بموازاتها، هناك الكثير من السياحة عبر الخط الأخضر، وقليل من عمليات التعرض للجدار والاستيطان في طول البلاد وعرضها، هناك “تمويت” لملفات ملاحقة إسرائيل واستكمال عضوية فلسطين في المنظمات الدولية، فقد نجحت إسرائيل في انتزاع موافقاتنا على “التهدئة” و”ضبط النفس” والتوقف عن أية “إجراءات من جانب واحد”، وفشلنا نحن في دفعها للقبول بأبسط موجبات التفاوض والسلام وحل الدولتين: وقف الاستيطان، وها نحن ندفع الثمن اليوم، فيما هم يقطفون الثمار، مزيداً من الوحدات الاستيطانية، داخل القدس “الكبرى” وخارجها في الضفة الغربية، ويأتيك من يحدثك عن “فرصة” أو آخر فرصة” للسلام، عن أي سلام تتحدثون؟
الدستور