كائن بلا دماغ يمكنه التعرف على الأماكن وتذكرها
جو 24 :
للبشر أدمغة معقدة التركيب تمكنهم من القيام بالعمليات الإدراكية التي يصعب من دونها القيام بها. ولكن، هل الأمر كذلك في مختلف الكائنات؟
هب أن هناك كائنا بلا دماغ، فهل سيكون بإمكانه التحرك والتعرف على محيطه؟ أثار هذا التساؤل فضول علماء من "معهد ويس التابع لجامعة هارفارد" (Wyss Institute at Harvard University) و"معهد ألين التابع لجامعة تافتس" (Allen Discovery Center at Tufts University) بالولايات المتحدة، ودفعهم إلى دراسة الكيفية التي يتحرك بها العفن الغروي (Slime molds) عديم الدماغ.
إذ أشار العلماء في دراستهم التي نشرت في دورية "أدفانسد ماتريالز" (Advanced Materials) في 15 يوليو/تموز الجاري، إلى أن العفن الغروي من نوع "فيزاروم بوليسيفالوم" (Physarum polycephalum) -ويعرف اختصارا باسم البلوب- يمكنه أن يستخدم جسمه لاستشعار الإشارات الميكانيكية الموجودة في محيطه. ومن ثم يستطيع هذا الكائن عديم الدماغ القيام بعمليات حسابية مشابهة لما نطلق عليه "عملية التفكير" حتى يقرر اتجاه نموه وحركته.
ويمتلك البلوب عديم الدماغ قدرات تذهل عقولنا نحن البشر، فحسب البيان الصحفي الذي نشره "معهد ويس" تقول نيروشا موروغان، عالمة الأعصاب والمؤلفة الأولى للدراسة، إن "هذا الكائن عديم الدماغ يستطيع القيام بكثير من السلوكات التي نربطها بالتفكير".
وتضيف موروغان أن "اكتشاف الكيفية التي تدير بها الكائنات الأولية الذكية هذا النوع من الحسابات المعقدة يبَصِّرُنا بقواعد الإدراك والسلوك لدى الحيوانات وكذلك البشر".
ويعدّ "البلوب" من الكائنات وحيدة الخلية التي تنتمي إلى مملكة الأوليات، ولا يُصنَّف هذا الكائن ضمن الفطريات أو المملكة الحيوانية أو النباتية، ويسكن "البلوب" البيئات المظلمة والرطبة، ويساعد على تحلل المواد العضوية الموجودة في هذه البيئات وإعادة تدويرها في الشبكة الغذائية.
يبدأ "البلوب" حياته بعدد من الخلايا الفردية التي تحتوي كل منها على نواة خاصة، وتندمج هذه الخلايا مكونة خلية مفردة كبيرة تحوي ملايينا أو مليارات من النوى التي تسبح في السائل السيتوبلازمي للخلية.
وتعرف هذه الخلية الكبيرة باسم البلازموديوم أو المُتَصَوِّرَة (Plasmodium)، وفي هذه المرحلة يتحرك الكائن الأولي ويتغذى وينمو.
وهي المرحلة ذاتها التي يُظهر فيها بعض السلوكات الغريبة مثل حل المتاهات المكانية وتذكر المواد الجديدة أشهرا عدة، ويمكنه أيضا تذكر الأماكن التي اقتات منها سابقا، ومشاركة هذه الذكريات مع أقرانه. وبالطبع، تعدّ هذه الأمور غريبة على كائن لا يمتلك دماغا أو نظاما عصبيا.
ولمعرفة الكيفية التي يقرر بها "البلوب" اتجاهه، استنبت الفريق عينات من البلوب في أطباق أغار (Agar plates)، ثم وضعوا قرصا زجاجيا على إحدى حواف هذه الأطباق، و3 أقراص زجاجية أخرى على الحافة المقابلة، وتُرِكَت الأطباق في بيئة مظلمة.
ولاحظ العلماء أن "البلوب" نما خلال 12 ساعة الأولى في جميع الاتجاهات بحجم متساو، غير أن 70% من هذه العينات قد اتجهت نحو الأقراص الزجاجية الثلاثة خلال 24 ساعة.
وعندما أُعيد ترتيب الأقراص الثلاثة بوضعها فوق بعضها بدلا من رصّها جنبا إلى جنب -كما في الحالة الأولى- لاحظ العلماء أن البلوب قد فقد تفضيله لها، واتجه بشكل متساو نحو جانبي الطبق، وذلك يعني أن كتلة الأقراص الزجاجية ليست هي العامل الوحيد الذي دفع البلوب لتفضيل النمو في اتجاهها.
وباستخدام النمذجة الحاسوبية، حدد العلماء أن هناك نوعا من الإجهاد الذي تحدثه الأقراص الزجاجية عندما توضع بكيفيات مختلفة في أطباق الأغار، ومن ثم فإن تراصها إلى جانب بعضها بعضا يسبب إجهادا في أطباق الأغار يختلف عن الإجهاد الذي يسببه وضع هذه الأقراص فوق بعضها.
وأرجع العلماء حركة "البلوب" المختلفة تلك إلى تباين نمط الإجهاد الميكانيكي المحدث بواسطة الأقراص. ولكن، كيف يتعرف "البلوب" على نمط الإجهاد المختلف؟
يُرجع العلماء السبب في ذلك إلى تحرك "سيتوبلازم" البلوب على شكل نبضات تعمل على دفع وتقلص جدران الخلية بطريقة تجعل البلوب يتحرك من منطقة إلى أخرى. لذا قام العلماء بتثبيط أحد بروتينات الأغشية التي يُعتقد أن لها دورا في استشعار التمدد، وهنا لاحظ العلماء أن "البلوب" فقد القدرة مجددا على التوجه إلى الأقراص الثلاثة المتراصة جنبا إلى جنب.
المصدر : ساينس ألرت + مواقع إلكترونية+ الجزيرة