الأردن والإقليم!
د. يعقوب ناصر الدين
جو 24 :
التطورات السياسية الجارية في الإقليم أشبه ما تكون بعملية خلط الأوراق، أو امتزاج الألوان، وفي الآفاق تظهر ملامح مرحلة جديدة في العلاقات والتوازنات الإقليمية، وإعادة تدوير للمياه الراكدة وتنقيتها، رغم العناصر والمركبات التي علقت بها لفترة طويلة من الزمن.
معظم دول الإقليم حاضرة في الصراعات القائمة، أو في نهايات تلك الصراعات التي ما كان لها أن تحسم بصورة قاطعة مهما طال أمدها، ويبدو أن جميع الأطراف والتيارات والفئات تقف اليوم على مسافة واحدة من حالة الجمود والـتراجع والتآكل؛ لأن معظم أسباب الشعارات والخلافات قد تجاوزها الزمن، ولم يبق منها سوى متاريس قليلة يمكن إزالتها تدريجيا، كلما توفرت العوامل التي تحقق مصالح جميع الأطراف المحلية والإقليمية.
مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة مطلع هذا الأسبوع تطوّر على درجة عالية من الأهمية؛ إذ إنه في الحقيقة كسر الكثير من الحواجز، وجمع بين أطراف إقليمية في ظروف بالغة الدقة والتعقيد، بل إن العراق نفسه قد تجاوز التأثيرات الداخلية والخارجية ليستعيد دوره ومكانته الإقليمية من خلال نظرية الأمن والتعاون والشراكة مع جيرانه، ومن بينهم الأردن الذي سبق أن رسم بالشراكة مع مصر والعراق مثلثا يمكن أن تتلاقى أضلاعه مع المثلثات التي تتشكل منها عملية التوازنات في هذه المنطقة الحساسة جدا من العالم!
خلال ثلاث قمم عقدها جلالة الملك والرئيسان المصري والعراقي، أمكن وضع قواعد البناء لحالة إقليمية تؤسس لشراكات اقتصادية، وتلك الشراكات لا يمكن أن تقوم بعيدا عن التوافق السياسي ولو في حده الأدنى بالنسبة لبقية الشركاء العرب وجيران العراق الآخرين، وبعض الأطراف الدولية.
ولا بد هنا من التوقف عند محطة ذات بعد إضافي في الحالة الإقليمية، وهي تلك المرتبطة بالمحادثات التي أجراها في موسكو مؤخرا جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، وقد تعلقت في جانب إستراتيجي منها بمستقبل سوريا، التي قال جلالة الملك خلال زيارته الأخيرة لواشنطن إنه أبلغ الرئيس جو بايدن أنه يسعى مع عدد من القادة العرب لاستعادتها إلى الحاضنة العربية، وفي المناسبتين كان جلالة الملك واضحا في تحديد مصالح الأردن المرتبطة بمحيطه العربي، وتأكيد أنها مصالح متعددة الأطراف، يمكن أن تخدم اقتصاديات دول المنطقة وشعوبها التي تدهورت أحوالها، وتحطمت آمالها نتيجة الصراعات والأزمات والتدخلات الخارجية في شؤونها!.
الأردن لعب وسيلعب دورا فاعلا في هذه التطورات، وستنعكس النتائج بشكل إيجابي حتما على واقعه الاقتصادي، وبقليل من الصبر، وبكثير من العمل والتخطيط السليم لكيفية التعامل مع هذه الحيوية الجديدة، يمكن للأردن أن يختصر المسافات نحو مرحلة جديدة من مسيرته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كما هو الحال بالنسبة لبقية الشركاء على حد سواء!