“الأعلى للسكان”: الأردن سيفقد 140 ألف وظيفة
جو 24 :
أكدت الامين العام للمجلس الأعلى للسكان الدكتورة عبلة عماوي أن الأردن على أعتاب تحّول ديموغرافي، أو ما يعرف بالفرصة السكانية، سيبلغ ذروته في العام 2040.
وشرحت عماوي لـ”الغد” مفهوم الفرصة السكانية بأن الأردن كبقية البلدان التي شهدت معدلات إنجاب مرتفعة في الماضي القريب وآخذة في التناقص ليبدأ معدل نمو الفئة السكانية في أعمار القوى البشرية (الأفراد في الأعمار 15 – 64 سنة) بالتفوق بشكلٍ كبيرٍ على معدل نمو فئة المعالين في الأعمار دون الخامسة عشرة و(65) سنة فأكثر، وذلك نتيجة لانخفاض معدلات الإنجاب، حيث تشير التقديرات إلى أن ذروة الفرصة السكانية ستكون العام 2040، وستبلغ نسبة السكان في أعمار القوى البشرية (67,7 %) من مجموع السكان وستنخفض نسبة الإعالة الديموغرافية لتصل إلى (48 فردا) لكل (100) فرد في أعمار القوى البشرية.
واهتم المجلس بالفرصة السكانية كظاهرة وقضية سكانية على المستوى الاستراتيجي والمستوى المجتمعي واعتبر البعد السكاني محورا أساسيا في التنمية لضمان الاستثمار الأمثل للفرصة السكانية على المستوى الوطني الكلي والقطاعي والمحلي وتحقيق رفاه المواطن الاردني ووضع آليات لمراقبة المساءلة يرتكز على تحليل البيانات والمؤشرات المتعلقة الحساسة للنوع الاجتماعي وبنهج حقوقي وتوليد المعرفة بشأن التحديات والفرص المتاحة.
وبينت عماوي أن الوصول لتحقيق الهدف النهائي المنشود المتمثل في تحقيق رفاهية المواطن في ظل تحقق الفرصة السكانية، يتطلب تنفيذ مجموعة من السياسات لتحقيق واستثمار الفرصة السكانية وتعظيم الاستفادة من التغيرات التي تصاحبها، وتوزعت هذه السياسات على أربعة محاور رئيسة هي، سياسات تحقيق التحول الديموغرافي والوصول إلى "ذروة الفرصة السكانية”، سياسات استثمار الفرصة السكانية، سياسات الحماية الاجتماعية والإعداد لمرحلة ما بعد الفرصة السكانية، سياسات التوظيف الأمثل للهجرة الداخلية والخارجية.
ويتم بشكل دوري مراجعة السياسات اللازم تطبيقها لضمان تحقيق والانتفاع من الفرصة السكانية لضمان توافقها مع مبادرات ومؤشرات رؤية الأردن 2025 وأهداف التنمية المستدامة 2030، والتي تم اقتراحها من خلال تطبيق النهج التشاركي وبمشاركة كافة الجهات المعنية.
وأضافت عماوي أن الأردن يملك اليوم فرصة، من خلال الشباب، لتحقيق عائد ديموغرافي وتحقيق أهداف التنمية المستدامة خاصة مع محدودية موارده الأخرى بما يحول هذه الكتلة الشبابية الناشئة من عبء ديموغرافي واقتصادي إلى فرصة كبرى.
وأوضحت عماوي أن استثمار الفرصة السكانية يتطلب تحسين صحة السكان، ومنهم فئة الشباب لزيادة إنتاجية السكان لدفع عجلة النمو الاقتصادي، وصولاً لتحقيق رفاه المواطنين، والذي يعتمد على مدى وسرعة استجابة السياسة الصحية والجهود المبذولة لتحديد واحتواء انتشار الفيروس وعلاج المصابين.
وأضافت أن جائحة فيروس كورونا كانت لها آثار اقتصادية، أثرت سلباً باتجاه ارتفاع معدلات البطالة وفقدان فرص العمل وتراجع معدلات النمو الاقتصادي، حيث تأثر الأردن مع اتساع انتشار الوباء عالمياً، من حيث التبادل التجاري مع الدول، وصعوبة الحصول على بعض السلع ومدخلات الإنتاج، وتراجع مبيعات المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وبالتالي زيادة فرصة تعثرها المالي، وهذا يعني فقدان القدرة على دفع رواتب الموظفين، وربما تسريحهم، بالإضافة لعدم القدرة على سداد المستحقات المالية للموردين والمؤسسات المصرفية، مما زاد من نسبة البطالة.
وبينت أيضاً أن الجائحة كان لها تأثير على القطاع غير المنظم والعمل بالمياومة والعمل المهني، كونه يعتمد غالباً على المهارات اليدوية، حيث انه واثناء الاغلاق تم الاستغناء ومنع هذه المهن من العمل.
تداعيات كورونا على النساء
وعلى صعيد المرأة، بينت عماوي أن جائحة فيروس كورونا كانت لها تداعيات كبيرة على النساء، سواء من الناحية الصحية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، الامر الذي يساهم في التقليل من دورها الفاعل والمهم بالنهوض بالمجتمع، مبينة أن معدلات العنف الاسري ترتفع في حـالات الطوارئ بما فيها حالات تفشـي الأوبئة، ويزداد الوضع تعقيداً لدى اللاجئات والنازحات، وذلك بسبب التعايش المشترك القسري والعزل الكامل مع المعنف، ومحدودية خدمات الحماية من العنف، وصعوبة الوصول اليها وتلقيها بسبب القيود المفروضة على التنقل.
وأظهر الكتاب السنوي لإدارة وحماية الاسرة لعام 2020 أن عدد البلاغات عن العنف الاسري قد زادت من العام 2018 من 41221 حالة إلى 54743 حالة العام 2020، حيث إن 58,7 % من هذه الحالات تعرضت لعنف جسدي، و34 % عنف جنسي.
وبينت عماوي أن النساء يعتبرن أكثر عرضة للخسائر المالية بسبب جائحة فيروس كورونا، حيث تشكل النساء النسبة الأكبر من العاملين في القطاع غير المنظم والذي تأثر بشكل مباشر من الجائحة، مبينة أن النساء تستحوذ على ما نسبته حوالي 56,8 % من المؤسسات الفردية العاملة من المنزل، ومن المتوقع أن تكون هذه الفئة قد تضررت بشكل مباشر من الجائحة، كما أن حوالي 25,6 % من المشتغلات يعملن في المهن الأولية وهي مهن ذات دخل محدود ومن الصعب تنفيذها عن بعد مما يهدد استمرارية المشتغلات بها وخسارة مصدر دخلهن.
ولفتت عماوي أن دراسة "أثر جائحة كورونا في مجالات الصحة والعنف الاسري والاقتصاد في الأردن بحسب النوع الاجتماعي” والصادرة عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي العام 2020، بينت أن توقعات منظمة العمل الدولية تفيد أن أسواق العمل المنظمة على المستوى العالمي ستخسر ما يقارب 10,5 % من الوظائف المنظمة التي كانت موجودة قبل الجائحة، وبتطبيق هذه المعادلة على الأردن، فإنه يتوقع أن يخسر الاقتصاد الأردني ما يقارب 140 ألف وظيفة للعاملين في الاقتصاد المنظم، والذين يقدر عددهم بحوالي 1,35 مليون عامل وعاملة من مختلف الوظائف في القطاعين العام والخاص.
وأوضحت الدراسة أن المرأة في الأردن تحتل ثالث أقل مشاركة في القوى العاملة في العالم بنسبة 14 %، ويؤدي ذلك إلى فجوة في النوع الاجتماعي بنسبة 78 %، حيث يشارك 63,7 % من الرجال في القوى العاملة، وبينت الدراسة أن التأثير الإجمالي لتفشي جائحة كورونا، سيؤدي إلى تزايد واضح في البطالة، وستتأثر النساء والشباب في موقعهما الضعيف في القوى العاملة الأردنية بشكل غير متناسب بسبب التوقف عن العمل، مما يؤدي إلى زيادة عدم المساواة لكليهما، بالإضافة إلى آثار سلبية أخرى ستظهر لاحقاً مثل ازدياد العنف القائم على النوع الاجتماعي، وتناقص التماسك الاجتماعي، واهمال القضايا الصحية غير المرتبطة بجائحة كورونا ذات العلاقة بصحة المرأة أو الاسرة.
وبينت عماوي أن تداعيات جائحة كورونا تتفاقم على اللاجئات، والتي لا تقتصر على خطر تعرضهن للإصابة بالعدوى فحسب، بل أيضاً إلى ازدياد الاعباء الاقتصادية، اذ بينت دراسة لمنظمة العمل الدولية عن واقع حال العمالة السورية في الأردن أن 21 % من الإناث مقابل 29 % من الذكور العاملين قبل الأزمة تم فصلهم نهائياً من أماكن عملهم، وأن 60 % من الإناث مقابل 40 % من العمال الذكور لم يحصلوا أبداً على تصريح عمل.
أثر الجائحة في الفرصة السكانية
وبينت الامينة العامة للمجلس أنه عند الحديث عن تداعيات جائحة كورونا على السكان والآثار والعواقب الديموغرافية بتأثير الجائحة على الهيكل العمري للسكان وديناميات السكان المسؤولة عن التحول في الهيكل العمري للسكان (المواليد والوفيات والهجرة)، فقد أظهرت بيانات دائرة الأحوال المدنية للأعوام 2019 و2020، أن الجائحة لم تكن سبباً في ارتفاع أعداد المواليد، كما لم تكن سبباً وحيداً في انخفاض أعداد المواليد في الأردن، وانما لوحظ انخفاض فيها بنسبة 10,7 %، مبينة أن أهم تداعيات وعواقب الجائحة هي الخسائر البشرية المتمثلة في عدد الوفيات في كل دولة، وبالمقارنة بالدول الاوروبية واميركا، فإن عدد الوفيات في الأردن يعتبر قليلا نسبياً نظراً لانخفاض نسبة تفشي المرض وارتفاع نسب الشباب، ولكن تظهر سجلات الوفيات العام 2020 بالمقارنة مع العام 2019 ارتفاعاً بنسبة 14,4 % في الوفيات.
ولفتت عماوي إلى أن المؤشرات غير مبشرة في الاستثمار الامثل للتحول الديموغرافي الذي يمر به المجتمع الأردني، ومن المؤشرات على ذلك:
بلغ معدل البطالة العام لسنة 2020 (19,35 %)، وبين الذكور 18 % وبين الاناث 25 %، ويرتفع معدل البطالة بين حملة المؤهلات العلمية بكالوريوس فأكثر إلى 35 % بين الاناث مقابل 22,1 % لدى الذكور، كما يصل إلى 46 % بين شريحة الشباب الأردنيين (15-24 سنة).
نصف العاملين الأردنيين (48,8 %) في سوق العمل الأردني بمستوى اقل من الثانوي أو أمي.
بلغت درجة الأردن الكلية على مؤشر رأس المال البشري 0,56، وهذا يعني أن الأطفال الذين يولدون اليوم في الأردن ستشكل إنتاجيتهم ما نسبته 56 % مقارنة بما يمكن انتاجه في حال حصولهم على رعاية صحية وتعليمية متكاملة وعالية الجودة.
أن عدد سنوات التعليم الفعلي التي يحصل عليها الطالب الأردني على مقاعد الدراسة تعادل 7,6 سنوات مقابل 11,6 سنة يقضيها الطالب على مقاعد الدراسة، وهذا يشير إلى وجود فجوة تعليمية مقدارها 4 سنوات من التعلم.
وأكدت على ضرورة تهيئة البيئة الملائمة لاستثمار مراحل التحول التي يمر بها الأردن.
ووفقا لعماوي فإنّ جائحة فيروس كورونا أظهرت مجموعة من نقاط الضعف أثناء الاستجابة للأزمة، والتي يجب توجيه السياسات نحوها ومن أبرزها، اهمية البحث العلمي وميزانية المراكز العلمية والبحثية، اضافة الى ضرورة ايجاد اطار شامل للحماية الاجتماعية/ تغطية صحية شاملة/ضمان اجتماعي/ تعويض البطالة، والاستثمار بتكنولوجيا المعلومات واستخدام التطبيقات الرقمية لتقديم بعض الخدمات، مؤكة على أهمية وجود استراتيجيات لإدارة الازمات والطوارئ، واشراك وتفعيل دور منظمات المجتمع المدني وكفاءة التنسيق بين المؤسسات في مختلف القطاعات، كما من المهم زيادة التوعية لدور المرأة بصنع القرار أو تضمين احتياجاتها بخطط الاستجابة، والعمل على وضع مداخلات مؤسسية تعكس المداخلات الاستراتيجية والمخرجات والنتائج المرجوة في الاستراتيجية الوطنية للسكان 2021 – 2030 ضمن محاورها الرئيسة.
وبحسب عماوي فإنّه يمكن التركيز على عدة مداخل لحقيق ذلك، منها، مستوى السياسات والبيئة الممكنة، وذلك من خلال توسيع نطاق الحماية الاجتماعية ليشمل الجميع بوضع سياسات وبرامج عاجلة وغير نمطية تصل إلى كل مواطن محتاج. مع العمل على التشريعات الخاصة بالعمل.
وأضافت في هذا المجال أنّه من المهم أن تستمر البلدان المانحة في تقديم المساعدة الإنمائية الرسمية، أو على الاقل الحفاظ على مستوياتها الحالية، للحلول دون تدنّي الإنفاق الصحي عن المستويات اللازمة، كما لا بد من تعميم تجارب المنظمات غير الحكومية والحكومات في مكافحة العنف ضد النساء والأطفال وكبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة وسائر الفئات الضعيفة.
وأكدت على ضرورة تحسين وتطوير بيئة الأعمال والاستثمار وزيادة تنافسيتها، وتعظيم الفرص الاستثمارية وجعل القطاع الخاص شريك أساسي في الاستثمار وتنفيذ وادارة المشاريع الاستراتيجية، بالإضافة الى توفير البنية التحتية والبيئة الممكنة والجاذبة للاستثمار ورؤوس الأموال والاستغلال الأمثل للمنح المالية المقدمة للأردن، وتطوير البنية التحتية المتلائمة مع متطلبات الفرصة السكانية والتي تشكل أهم عناصر جذب الاستثمارات الوطنية والأجنبية. مع الاهتمام بمتابعة خطة الاستجابة للهجرات، والسعي لإيجاد سياسات للحد من البطالة.
أما المدخل الثاني، بحسب عماوي، فهو المستوى المؤسسي، ويكون ذلك من خلال عمل خطة لإدارة المخاطر والأزمات قبل وقوع الصدمات للاستعداد للتحرك الفوري، لتفادي الارتباك الذي حصل في العالم جراء هذه الجائحة، مع إضفاء الطابع المؤسسي على المسائلة المتعددة القطاعات في مجال الصحة الجنسية والصحة الإنجابية، وابتكار آليات لتنفيذ البرامج التي تساعد بشكل فعال الناس الذين في أشد الحاجة إليها، مع العمل مع الحكومات لإدماج البعد السكاني في الخطط الحكومية والمساهمة في صنع القرار للاستجابة للازمة الحالية والأزمات المقبلة.
وأضافت أنه لا بدّ من العمل على مستوى السياسات الاجتماعية والاقتصادية الكلية والقطاعية، وإدماج البعد السكاني وقضايا الفرصة السكانية في الاستراتيجيات والخطط والبرامج التنموية، وتخصيص الموارد المالية اللازمة، اضافة الى العمل مع الوزارات المعنية لإصدار وإتاحة البيانات الخاصة بالجائحة. وتحسين الآليات التي تعزز التعاون والتنسيق بين الجهات المانحة لضمان استمرارية واستدامة التمويل وتقديم الخدمات أثناء الأزمات وفي البيئات الهشة.
وعلى المستوى المجتمعي والفردي، أشارت عماوي الى ضرورة تعزيز برامج التوعية بالتدابير المتّخذة للحد من العنف المنزلي، فالحبس المنزلي قد يفضي إلى تزايد العنف الأسري، لا سيما ضد النساء والأطفال، ومراعاة مبادئ حقوق الانسان في جميع السياسات والبرامج المستقبلية.
كما أكدت على ضرورة التعاون مع المجتمع المحلي والمجتمع المدني والهيئات الاهلية في تنفيذ برامج للاستجابة للازمة. وضرورة أخذ البعد السكاني في توفير حماية اجتماعية شاملة لجميع الفئات السكانية وبخاصة الفئات المهمشة ومنها الفقراء وذوي الاحتياجات الخاصة واللاجئين والعاملات في القطاع غير المنظم والعمالة الوافدة والاسر التي ترأسها النساء.
وأشارت الى ضرورة مواكبة العصر والتقنيات الحديثة وابتكار آليات غير نمطية في التواصل ورفع مستوى الوعي لإدراك أكبر عدد ممكن من السكان وخاصة في المناطق النائية، وتوثيق الوضع الراهن عبر دراسات وتقنيات حديثة للاستفادة منها في المستقبل في وضع الدراسات والخطط السكانية بما يتماشى مع الازمات والأوضاع السكانية الطارئة، والعمل على توفير خدمات الصحة الإنجابية، حيث تم تجاهلها خلال الازمة مما قد يؤدي إلى تداعيات صحية وحمل غير رغوب به، وكذلك الاخذ بالاعتبار العنف الاسري والديناميات السكانية عند معالجة الآثار الناجمة عن الجائحة.
وبينت أنه لا بد من تعزيز مساهمة المرأة تساهم في تحقيق واستثمار سياسات الفرصة السكانية من خلال تعليمها وتسليحها بالمهارات المطلوبة لسوق العمل لزيادة مشاركتها الاقتصادية بالإضافة إلى مشاركتها في الحياة العامة ما يؤدي إلى الاستثمار في صحة وتعليم عدد أقل من الأبناء باعتبارهم مستقبل الفرصة السكانية والاستثمار بهم يؤدي الى زيادة الانتاجية والتي تعتبر من متطلبات الفرصة السكانية.
وأشارت عماوي إلى أهمية العمل على زيادة برامج الشباب لتمكينهم مهنياً واقتصادياً، وإعادة تثقيف المجتمع وصانع القرار بأهمية الفرصة السكانية.