هل يمكن أن تُسحب الجنسية التركية من حامليها؟
جو 24 :
انتشرت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي أخبار وشائعات مختلفة على وسائل التواصل الاجتماعي، من الواضح أنها قد تخيف العديد من المستثمرين العقاريين العرب في تركيا، وخاصة المستثمرين السوريين.
في هذه المقالة، سأتناول تلك الأخبار والشائعات المقلقة من خلال مشاركة بعض التحديثات بخصوصها.
كانت هناك 3 قضايا رئيسية أثارت مخاوف المستثمرين العرب:
إجراء جديد وأمر إداري بخصوص المستثمرين العقاريين السوريين.
مشكلة حديثة وشائعة حول تقارير التقييم العقاري التي تظهر أسعارا أقل بكثير من أسعار السوق المنصفة.
فيديو لأحد السياسيين يزعم أن جنسية المستثمرين العرب ستسحب في حال تغير الحكومة في تركيا عام 2023.
لنبدأ بالنقطة الأولى، ونقول إنه لا يمكن للسوريين قانونا تملك العقارات في تركيا، ولهذا السبب إما أن يتقدم المستثمرون السوريون للحصول على الجنسية التركية من خلال أنواع مختلفة من الاستثمارات غير الاستثمار العقاري (مثل إيداع 500 ألف دولار أميركي في أحد البنوك التركية)؛ أو استخدام أي جواز سفر آخر لشراء عقارات في تركيا، إن كان بحوزة المستثمر، وتلك الجوازات معظمها جوازات سفر دول أميركا اللاتينية أو دول الكاريبي.
ومع ذلك، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بدأ المستثمرون السوريون الأصل -لكنهم يستخدمون جواز سفر بلد آخر- في التقدم للحصول على الجنسية التركية من خلال الاستثمار العقاري، إلا أنهم في هذه الحالة مضطرون للتوقيع على وثيقة رسمية تنص على أنهم "على دراية بالمخاطر التي تهدد عقاراتهم" وأنه قد يتم مصادرتها من قبل السلطات التركية إذا تم اكتشاف أصولهم السورية".
لا شك أن هذا الإجراء الجديد تسبب في ارتباك كبير، وبعد فترة وجيزة من إدخال هذا الإجراء، نُشرت صور أمر إداري جديد تم تسليمه إلى مكتب تسجيل سند الملكية على وسائل التواصل الاجتماعي كمصدر لهذا الإجراء الجديد. وكانت وثيقة حقيقية وغير مزيفة. وهذا هو ما جعل ارتباك المستثمرين من أصول سورية يتحول فجأة إلى ذعر وخوف كبيرين.
والحقيقة أن ذعرهم وخوفهم له ما يبرره، إذ عندما اطلعنا -بوصفنا محامين- على الأمر الإداري الجديد، كان الأمر محيرا ومقلقا للغاية بالنسبة لنا بسبب غموض لغته.
كما أن محتواه لم يكن واضحا بشكل كاف. ولذلك، اتصلنا مباشرة بمسؤولين كبار لفهم ما يجري بالفعل، إذ إنه إذا تفاقم الذعر والخوف أكثر، فسيكون لذلك تأثير مدمر على مصداقية الجنسية التركية وسياسات الاستثمار.
وكانت نقطة الانطلاق في هذه القضية الجديدة هي قانون يعود تاريخه إلى عام 1966، عندما قامت جمهورية سوريا العربية بمصادرة ممتلكات المواطنين الأتراك في سوريا عام 1962، وهو ما ردت عليه الحكومة التركية بمصادرة ممتلكات السوريين في تركيا في عام 1966، وهذا هو ما يسمى "مبدأ المعاملة بالمثل" في القانون الدولي.
كان قرار الحكومة التركية ساري المفعول فقط على السوريين في تركيا الذين ليس لديهم جوازات سفر تركية، وانطلاقا من هذا القانون، أصبح -بشكل تلقائي في السنوات التالية- تملّك العقارات في تركيا محظورا على السوريين. وكنتيجة أخرى لهذا القانون، عندما يكون شخص غير سوري (على سبيل المثال، شخص يحمل الجنسيتين التركية والسورية) ولديه ورثة سوريون وعقارات في تركيا، فلن يتمكن هؤلاء الورثة من الحصول على تلك العقارات في حالة وفاة المالك الأصلي غير السوري. في هذا السيناريو، سيتم مصادرة الميراث من قبل السلطات العامة، وبيعه قسرا، وسيتم تسليم الأموال فقط للورثة السوريين، وهذا الإجراء ظل مستمرا حتى يومنا هذا.
ومع ذلك، لم يكن هناك حظر واضح على السوريين الذين يحملون جنسية تركية أو أي جنسية أخرى لشراء وامتلاك عقارات في تركيا. وهذا هو السبب في أن الإجراء المذكور أعلاه لم يكن يشمل هؤلاء الأشخاص وحتى عندما بدأ قانون الجنسية الاستثنائي من خلال برنامج التملك العقاري في عام 2017، لم يتم إعفاء هؤلاء السوريين من البرنامج وفتح ذلك الباب أمام آلاف السوريين للحصول على الجنسية التركية من خلال جوازات سفر مختلفة (غير سورية).
لكن المثير للدهشة أن الأمر الإداري الجديد كان ينص على وجود بعض "الآراء القانونية" للسلطات العامة المختلفة في الماضي مثل وزارة الخارجية التركية التي تقول إنه يجب مصادرة عقارات الأشخاص من أصل سوري حال اكتشاف أصولهم الحقيقية بغض النظر عن حقيقة كونهم اشتروا عقاراتهم من خلال جواز سفر آخر غير جواز السفر السوري الذي لديهم.
صحيح أنه كان هناك مثل هذا الرأي القانوني الذي تم تداوله بين السلطات العامة منذ عقود، لكن وثائق الرأي -مثل الوثيقة الآنفة الذكر- ليست ملزمة قانونا، ولا يتعين على السلطات العامة تنفيذها اليوم. وثمة قاعدة مؤكدة فقط وهي أن السوريين لا يستطيعون تملك العقارات، وهذا هو كل شيء. ومع ذلك، فإن "المديرية العامة للعقارات الوطنية" ("Milli Emlak" باللغة التركية) وجدت فجأة هذا الرأي الهامشي من الصفحات المتربة من التاريخ فقامت بحثِّ دائرة تسجيل الطابو على إخطارها في حال اكتشاف أي مستثمر عقاري سوري الأصل.
هذا هو السبب في أن مديرية تسجيل صك الملكية بدأت الإجراء الجديد فقط لإبلاغ المستثمرين السوريين مسبقا، وفي الواقع، هذا الشكل ليس له أهمية قانونية كبيرة. ويجب أن تكون القواعد إما موجودة أو غير موجودة، بغض النظر عن وجود هذا النموذج، والحقيقة أنه لا توجد قاعدة واضحة تمنح المديرية العامة الوطنية للعقارات الحق في مصادرة العقارات المملوكة للأجانب الذين لم يشتروا عقاراتهم بجوازات سفرهم السورية. وهذا بشكل حاسم وقاطع.
علاوة على ذلك، فإن الحق في الملكية هو حق مقدس وفقا للدستور التركي. ولا يمكن تقييد هذا الحق إلا بقواعد واضحة للغاية يمكن للجميع توقعها. وهذا هو السبب في أن الأمر الإداري الجديد -في حال تنفيذه- لن يكون متماشيا مع الدستور التركي كما أن مثل هذا التنفيذ الجائر يتعارض أيضا مع المبدأ القانوني الرئيسي لقوانين الجنسية التركية التي تعتبر المواطنين المجنسين مساوين لجميع أنواع المواطنين من حيث التمتع بالحقوق.
وانطلاقا من الأسباب المذكورة أعلاه، وصلنا إلى كبار المسؤولين وتحدينا هذا النظام الإداري الجديد الذي يمكن أن يؤدي إلى عواقب غير دستورية، وقد أخذوا رسائلنا على محمل الجد وبعد بعض المراسلات المطولة بين السلطات العامة، أكدت السلطات العليا نفسها أخيرا أن مثل هذا الأمر لن يشمل الأشخاص من أصول سورية الذين اشتروا عقارات في تركيا بجواز سفر آخر وينتظر أن تعرقل هذه الإجراءات الإدارية الجديدة في الوقت الحالي.
وهذه بشرى لمن هم في حالة ذعر وخوف. والجزء الوحيد المفقود هو أن السلطات لم تستطع إصدار أمر كتابي جديد يثبت هذا التأكيد على الرغم من أننا طلبنا منهم ذلك بإلحاح، ومن دون مثل هذا الأمر الكتابي، سيكون هناك دائما بعض الشك بين المستثمرين السوريين، لكن النقطة الجيدة هي أن السلطات العليا على الأقل تؤكد الآن أنه لا يوجد خطر عليهم! فالأمر الجديد لن يكون ساري المفعول إلا بالنسبة لورثة المستثمرين في العقار من السوريين الذين ليس لديهم أي جنسية أخرى، وهذه على أي حال ليست قاعدة جديدة.
وأخيرا وليس آخرا، لا يزال بإمكاني تقديم اقتراح متواضع للمستثمرين السوريين الأصل الذين يخططون للاستثمار في تركيا والتقدم بطلب للحصول على الجنسية التركية، وهو أنه عند تقديم أوراقك أثناء تقديم الطلب، يرجى تقديم شهادات الميلاد التي حصلت عليها من دولة جواز السفر بدلا من شهادات الميلاد السورية، إن أمكن. حتى تتمكن من تخفيف المخاطر تماما.
في هذا المقال، كنت سأتطرق إلى قضايا أخرى ذكرتها في بداية المقال بخصوص تقارير التقييم وبعض مقاطع الفيديو التي تدعي إلغاء الجنسية إذا تغيرت الحكومة في عام 2023. لكن مقالتي أصبحت طويلة جدا. إن شاء الله سأفعل ذلك في المقالات القادمة.
(الجزيرة نت - دينيز باران)