jo24_banner
jo24_banner

زمان الولدنة

د. ماجد الخواجا
جو 24 :


لا أدري هل أصبحت ثقافة سائدة أم معيارا ومتطلبا كي يتبوأ الشخص منصبا، بأن يكون قابلا للصفع والركل والإهانة. أتوجع حقا حين أقرأ خبرا بأن الوزير الفلاني استقبل موظفا أو مستشارا في احدى الوزارات لإحدى الدول العربية أو الأجنبية، حيث يظهر الموظف بصورة مكتملة الحضور الرسمي، فيما شاهدنا وزراء وربما رؤساء وزارات يتم التعامل معهم في الخارج وكأنهم بمستوى موظفين في بدايات وظيفتهم.

طبعا من المتوقع أن تكون صورة المسؤولين بهذا الشكل لأننا وحتى كتابة هذه الكلمات لا توجد لدينا أية معايير واضحة ومحددة من أجل تكليف شخص بموقع وزاري. وزراء استجلبوا على عجل من الخارج وهم لم يمروا في العمل العام ليوم واحد ويتم تكليفهم بوزارات خدمية حساسة، فيتلاعبوا في مصير ومقدرات البلد نتيجة الارتجالات والعشوائية والمزاج الشخصي في اتخاذ القرارات. ووزراء جاءوا بعد ظهورهم لمرة أو مرتين على شاشة تلفزيونية، ليجدوا أنفسهم في المواقع الأول للمسؤولية. وزراء جاءوا نتيجة التنظير اليوتيوبي والسهرات المسائية الليلية التي يتحفنا بها وأنه في حال استلم منصبا فسيغير وجه البلد والتاريخ، لكنه مع أول مواجهة فعلية عند تسلمه الموقع، تبدأ التبريرات وأنه يواجه حربا شرسة وإعاقة للعمل، فينسحب مع حصوله على لقب معالي وراتب وزير متقاعد لم يمضي عليه سنة واحدة في الوزارة.

وزراء جاءوا لغايات تلبية متطلبات ما تدعى بالمكونات المجتمعية، حتى أنه قيل ذات تشكيل حكومي اضطر فيها الرئيس المكلف للبحث عن أي شخص من عشيرة معينة من أجل إلحاقه في كتيبة الوزراء قبل حلف اليمين بلحظات، فكان النصيب لشخص وجد مصادفة في ممرات رئاسة الحكومة، وتم استدعاؤه على وجه السرعة وإدخاله في التشكيلة الحكومية.

نحن يا سادة ومنذ سنين نعيد إنتاج ما لا ينفع للاستهلاك الرسمي والشعبي، لقد تم ترويض المجتمع بقبول الشكل والمخرج النهائي لما يدعى بمجلس النواب، حتى تفتت المفتت وتجزأ المجزأ للدرجة التي طحنت العائلات فيما بينها وفي داخل العائلة نفسها.

وأصبحنا نتبنى فكرة أن الفساد يسود البلاد لكنه لا ينساق على أفراد عائلتي أو عشيرتي.. وشاهدنا كيف كان الرفض لمجرد المساءلة لهذا الفاسد أو ذاك بسبب الضغوط والاعتبارات الاجتماعية فقط.

أن يصل الحال إلى الاشتباك بالأيدي والركلات مع سيل الشتائم والمسبات بين المسؤولين أو بين من يسمون بممثلي الشعب، والمؤكد أن الخلفية لتلك المشاجرات الصبيانية ليست دفاعا عن شؤون وطنية عامة، بقدر ما هي شؤون واعتبارات شخصية وجهوية.

أن يصل الحال إلى أن يصبح رئيس الوزراء يتعامل مع الشعب بصفته الشخصية كأي مواطن، دون الانتباه إلى أنه يمثل شخصية اعتبارية لها قيمة ومكانة أسمى من أن تهبط إلى مستويات رفع قضايا أو ملاحقة مواطن على خلفية تعليق أو رأي أو نقد أو حتى تهكم وسخرية من أداء الحكومة. أو يشكو لمن يدعى برئيس مجلس النواب أن أحد النواب احتل مقعده، فهي حالة لم تصل إليها حكومات دول هشة متواضعة.

إن صحت الأقوال عن اشتباك بالمكتات والأيدي بين الرئيس وأحد وزراء حكومته، فهذا يدلل على أن يتحسس كل منا رقبته ووجهه وبقية من وعيه ..

ما يجري ليس بالمستغرب لأن ثمة مقولة وهي صحيحة بأنه عندما تكون المدخلات رديئة، فإن المخرجات بالتأكيد ستكون رديئة أيضا ..

إن الأردن يستحق رجالا وهم موجودون يضعون الهم والمصلحة العامة قبل أي شيء.. رجال يترفعون عن صغائر الأفعال وعن حوشية الأقوال وعن تصريحات تتسم بكمية لا بأس بها من الغباء..

يبدو أننا في عهد أبناء المسؤولين الذين يتكئون على إرث هو أيضا هش لأبائهم حيث الحديث الموجع عن توريث المناصب.. أقول يبدو أننا سنترحم على أيام آبائهم أو لننتظر حين يستلم الأحفاد المواقع ..

إنه زمان الولدنة بأبهى أشكاله وأصدق محتواه ..

والله في الفم ماء وأكتفي بذلك ...

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير