شهود يحاربون الفساد فيعاقبون على نزاهتهم
جو 24 :
رداد القلاب - يتعرض "شهود" أو مبلِغين عن تجاوزات قانونية وقضايا فساد لإجراءات عقابية، وتهديدات معنوية ومادية تبدأ،أحيانا، بنبذهم من قبل زملائهم ورؤسائهم في العمل ونعتهم ب"الجواسيس "، لتصل في أحيان أخرى إلى حد تعرضهم للإعتداء الجسدي، والطرد من الوظيفة.
تعاملت وحدة حماية والشهود والمخبرين في عام 2019 مع 107 طلب حماية حسب التقرير السنوي لهيئة النزاهة ومكافحة الفساد.
(م.س)موظف في وزارة الداخلية، تم ترفيعه من رتبة متصرف إلى رتبة محافظ، لكنه على عكس زملائه الحاصلين على ترفيعات مشابهة، تم استثنائه من الحضور أمام جلالة الملك لأداء اليمين القانونية، بحجة أنه لم تحدد له بعد محافظة أو مديرية يتولى مسؤوليتها. لذلك يمضي (م. س) أيامه في الوزارة بلا عمل أو مهام ينجزها.
يقول: ما قمت به أنني قدمت شهادتي في قضية فساد لدى هيئة النزاهة ومكافحة الفساد، وهو ما اعتبره عملا وطنيا، لكن نتيجة لهذه الشهادة انفتحت أبواب الجحيم عليّ. لم تنجح محاولة المسؤولين إحالتي على التقاعد لأنني لم أصل بعد للسن القانونية لذلك، فتم تهميشي بالكامل.
أما الموظف (غ.ف) 45 عاما، الذي يعمل لدى شركة وطنية كبرى، فأكد لنا تعرضه للضرب ثم الفصل من العمل، بعد أن قدم شهادة ضد مسؤولين كبار في الشركة في قضية فساد تحقق فيها هيئة النزاهة ومكافحة الفساد .
يقول: "في 25 آب /أغسطس 2021 قام مسؤول كبير في الشركة وشقيقه، الذي يعمل أيضا في الشركة، بالاعتداء علي بالضرب بسبب شهادتي التي كشفت فيها عن مغادرة إحدى الحفارات التي أعفيت من الجمارك والضريبة والوقود، لأنها تقوم بالحفر للصالح العام، والعمل في القطاع الخاص بمعرفة المسؤولين. اثناء الاعتداء عليّ أقسم هذا المسؤول أنه سيفصلني من الشركة وهذا ما حصل".
(غ.ف) قدم شكوى للقضاء بخصوص هذه الواقعة، وتلقى وعدا من الهيئة بإعادته إلى عمله، وهو ما أكده لنا مسؤول في الهيئة.
يروي لنا المهندس عامر الشوبكي قصة شاهدة أخرى تعرضت "لظلم وتعسف" من رؤسائها في العمل بعدما علموا بفحوى شهادتها ضدهم في قضية فساد. يقول :" قريبتي فاطمة (اسم مستعار) تعمل في دائرة حكومية، قدمت لهيئة مكافحة الفساد إخباريات تفيد بوجود فساد، فعوملت بازدراء وجرى نقلها إلى مستودع للأرشيف في الدائرة التي تعمل فيها، رغم أنها تحمل وثيقة حماية صادرة عن هيئة النزاهة ومكافحة الفساد.
حماية غير فعالة
وفقا لآخر تقرير لهيئة النزاهة ومكافحة الفساد الصادر في العام 2019 بلغ "عدد الشكاوى و الإخبارات الواردة الى مديرية الشكاوى ثلاثة آلاف وخمسمائة واثنين وسبعين (3572 )شكوى وإخبارا ، تم الفصل في 2514 منها، وتعاملت مديرية التحقيق ووحدة العمليات مع 998 ملفا تحقيقيا شملت قطاعات متنوعة وأفعال فساد مختلفة ارتكبت فيها".
يقر مسؤول في هيئة النزاهة ومكافحة الفساد، بوجود مثل هذه الحالات ، لكنه أشار إلى أن "هذه الممارسات تتم على نطاق ضيق"، حيث "تقوم الهيئة بمتابعة الشهود بالاتصال بهم هاتفيا والاستفسار عن أية مضايقات قد يتعرضون لها، والتوضيح للمسؤلين بأن هؤلاء الشهود يتمتعون بالحماية". المسؤول في هيئة النزاهة فضل إخفاء هويته، وهو أمر مستغرب من شخص في مثل هذا الموقع يدلي بمعلومات بسيطة، ويمثل هيئة يفترض بها القدرة على توفير الحماية القانونية للآخرين.
في هذا السياق يرى المحامي محمد الصبيحي أنه كان بالإمكان جعل آلية حماية الشهود أكثر فعالية "لو تم قبول الإخباريات عن فساد من (فاعل خير) مجهول شرط أن يكون ذلك مدعما بوثائق خطية، وإيجاد طريقة آمنة لتلقي الوثائق والاخباريات في الهيئة دون مطالبة المخبر بالكشف عن هويته، كأن يتم ذلك عبر صندوق بريد معلن، ومن جانب آخر رصد مكافأة مالية لمن يبلغ عن فساد مؤكد".
ومن جهته يؤكد المحامي والنائب صالح العرموطي أن آلية الحماية تتم "بتفعيل مادتي (26، 27) من قانون هيئة النزاهة، حيث تعاقب المادة (26) بالحبس لمدة لا تقل عن 6 أشهر ولا تزيد عن سنة وبغرامة لا تتجاوز 10 آلاف دينار كل من أفشي معلومات متعلقة بهوية الشهود أو المبلغين والمخبرين أو الخبراء وبأماكن وجودهم. كما تعاقب المادة (27) بالحبس بمدة لا تقل عن سنة كل من اعتدى على احد الشهود أو المبلغين والمخبرين أو الخبراء بسبب ما قاموا به بالكشف عن الفساد أو أساء معاملتهم أو ميزّ في التعامل بينهم أو تعسّف في استعمال السلطة ضدهم أو منعهم من الإدلاء بشهادتهم أو من الإبلاغ عن الفساد، وفي حال استخدم التهديد بإشهار السلاح أو أي إكراه مادي آخر تكون العقوبة بالحبس لمدة لا تقل عن سنتين وبغرامة لا تزيد على 10 آلاف دينار.
المسؤول في هيئة النزاهة ومكافحة الفساد أكد على قدرة الهيئة على حماية شهودها ومبلغّيها ضد المؤسسات التي ترفض العمل بمذكرات الحماية الصادرة عنها، وقال: نقوم بتطبيق القانون ونحّول المسؤول أيا كان وزيرا أم موظفا صغيرا إلى المدعي العام وفقا للمادة (27) من قانون رقم (13) لسنة 2016 وتعديلاته من قانون النزاهة ومكافحة الفساد.
الصبيحي يشير إلى مشكلة ضعف الثقة بين المواطن من جهة و"الهيئة" من جهة أخرى ويقول:" مع أن قانون النزاهة ومكافحة الفساد وضع في المادة 24 قواعد وأسس جيدة لحماية الشهود والمبلغين والخبراء وعائلاتهم وأقاربهم، جسديا ونفسيا و وظيفيا، الا ان الثقة ليست متوفرة بدرجة مقبولة بين المواطن وبين هيئة النزاهة بحيث يكون الشاهد أو المبلغ عن فساد مطمئنا إلى سلامته الجسدية والوظيفية".
بدوره، بين المستشار القانوني في منظمة "محامون بلا حدود”، المحامي معاذ المومني، أنه لا قانون العقوبات ولا قانون أصول المحاكمات الجزائية تناولوا حماية الشهود في قضايا الفساد، مشيرا إلى أن النظام الذي تحدث عن حماية الشهود هو نظام صادر بموجب أحكام قانون هيئة النزاهة ومكافحة الفساد.
وقال المومني "إن قانون العقوبات تحدث عن جريمة التأثير على الشاهد وهذه ليس لها لا من قريب ولا من بعيد بحماية الشاهد، وإن هناك معايير دولية وأدبيات دولية مستقرة لحماية الشهود، فمكتب الأمم المتحدة المعني المخدرات والجريمة لديه دليل الممارسات الجيدة لحماية الشهود في الإجراءات الجنائية المتعلقة بالجرائم المنظمة، وتعريف الشاهد حسب القانون الدولي هو الشخص الذي يتعاون مع العدالة ما يعني لزوم توفير حمايته”.
وختم المومني بالتشديد على "أنه وفي ظل التطور الحاصل في بعض الجرائم، أصبح لزاما على الحكومة والسلطة التشريعية أن تعدل تشريعات وطنية مثل قانوني العقوبات، وأصول المحاكمات الجزائية، وتضمنهما بنودا تضمن حماية كاملة للشهود، لكي لا يتحولوا لضحية، أو ينكأوا بأنفسهم عن الشهادة ليسلموا وعائلاتهم من الأذى.
وبحسب التقرير فقد "أحال مجلس الهيئة مائتين وأربع وسبعين( 274 )ملفا تحقيقيا إلى دائرة الادعاء العام في هيئة النزاهة ومكافحة الفساد. وقد احتلت كل من وزارة الإدارة المحلية وأمانة عمان الترتيب الأول من حيث المؤسسات الأكثر توافرا على شبهات فساد، تلتها وزارة الأشغال العامة والإسكان ثم وزارات الصحة والعمل والنقل. وقامت الهيئة باسترداد مبالغ مالية مقدرة بحوالي مئة وخمسين مليونا وستمائة ألف دينار أردني (150.600.000)من عدة جهات".
حماية الشهود تعكس سيادة القانون
في السنوات القليلة الماضية اتخذ بالفعل ما يمكن اعتباره إجراءات "انتقامية" من قبل مسؤولين بحق شهود بلغوا عن شبهات فساد أو قدموا شهاداتهم في قضايا فساد لدى هيئة النزاهة ومكافحة الفساد، وذلك بإحالتهم على التقاعد، ولم تحمهم وثائق الحماية القانونية التي بحوزتهم. ومن هؤلاء المهندسة هدى الشيشاني، مدير دائرة العطاءات الحكومية في وزارة الاشغال العامة والاسكان- الحائزة على جائزة الملك عبدالله الثاني لتميز الأداء الحكومي والشفافية- حيث اكتشفت أثناء عملها في العام 2016 فسادا ماليا في أحد العطاءات الكبرى قدر ب 40 مليون دينار، فأبلغت هيئة النزاهة ومكافحة الفساد التي منحتها الحماية القانونية كمبلغ وشاهد بموجب المادة 24 من قانون النزاهة. وحين علمت الوزارة بالموضوع – نسب وزير الاشغال الى مجلس الوزراء بإحالة الشيشاني إلى التقاعد، فاعترض رئيس هيئة النزاهة باعتبارها مشمولة بالحماية القانونية. استجابت الحكومة لهذا الاعتراض وأعادت تعيين الشيشاني مديرة للعطاءات لكن بموجب عقد سنوي، أنهت معه عمل الشيشاني بانتهاء مدة العقد.بمعنى أنها لم تلغ قرار الاحالة إلى التقاعد.
مديرة إدارة التشريعات في المركز الوطني لحقوق الإنسان، الدكتورة نهلا المومني، أكدت في تصريحات إعلامية سابقة أن "شهادة الشهود تعد من البينات المهمة في إثبات الجرائم وعمليات التحقيق والملاحقة بشكل عام، وبالتالي فإن توفير حماية متكاملة للشهود من الأمور الأساسية في ما يتعلق بالعدالة الجزائية، لذلك فإن قدرة الدولة على توفير هذه الحماية تعكس ثبات سيادة القانون فيها".
وبينت المومني أنه من الضروري "أن تقوم الدول من خلال تشريعاتها الوطنية بتوفير مظلة قانونية متكاملة لحماية الشهود"، مشيرة إلى أن "قانون هيئة النزاهة ومكافحة الفساد نص في مادته الـ32 صراحة على توفير الحماية للشهود في قضايا الفساد وتطبيق إجراءات الحماية لهم"، لكنها مع ذلك ترى أن "المنظومة التشريعية الأردنية تفتقر لمظلة واسعة فيما يتعلق بحماية الشهود، وعليه فإن هناك ضرورة لوجود برنامج حماية للشهود مثل ما هو وارد في الممارسات الفضلى والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، بحيث تكون منظومة متكاملة تبدأ بإخفاء هوية الشاهد وتغيير مكان سكنه إذا اقتضى الأمر، وإعطائه هاتف خاص برقم خاص، وتكون مكالماته مراقبة بعد موافقته، فضلا عن وضع تقنيات مراقبة في منزله هو وكل أفراد عائلته، إضافة إلى توفير ضمانات بعدم تعرضه للإقصاء والتمييز في مكان عمله بسبب شهادته”.