الوحدة الشعبية وازنة للوحدة الوطنية وتؤكد حق العودة
عبد الناصر الزعبي - الأردنيون لايرغبون بالمساس بمشاعر الفلسطينيين، لاعتبارات كثيرة.. منها: طيبة الإنسان الأردني وطبعه الكريم. ثم إن شعورهم بالرابط الأخوي العربي والإسلامي فيما بينهم.. معززابخصوصية التوأمة الأردنية، وفطرتهم الوحدوية، مما جعلهم معنيون بالمشاعر الفلسطينية بقدر عنايتهم بسلامتهم كلهم.. عبر سني النضال الفلسطيني.
وعندما نجد تحذيرات الساسة من مخاطر المساس بما يسمى 'الوحدة الوطنية' بداعي 'السلم الاجتماعي' والترهيب من الحرب الأهلية، هو؛ دليل على عدم قدرة كل الأطراف تحديد مايريدون من مفردات سليمة، تشير ببراءة لمخاوفهم دون إلحاق أي ضرر بأمنهم القوميوالوجودي المصيري.. فتختلط علينا المصطلحات التي تمررها تيارات التوطين المتصهينة لدى الشعبين العظيمين.. لتجعل من ارض الحشد والرباط أرضا للتجارة والعمارة فقط.
الحديث الأردني الفلسطيني حول الهوية الشخصية والوحدة الوطنية التي لا تتعارض مع مصوغاتالسلم الاجتماعي هو حديث صحي بوجود إسرائيل التي تبحث عن تفعيل وسائل القضاء على الطرفين الذين اغفلا وحدة مصيرهما أمام المشاريع الصهيونية المرحلية التكتيكية أوعلى المدى البعيد.. الإستراتيجية منها.
ولثبوت إرادةالخلط ــ الخبيثة و الممنهجة ــ لمفاهيم ومصطلحات 'الوحدة الوطنية' و'الوحدةالشعبية' ولخطر سوقنا إلى مقصلة المشروع الصهيوني الاستراتيجي سوقا!! بإقصاء مفهوممصطلح 'وحدة المصير' عن المسار السياسي بين الشعبيين، وتأسيس المشاريع السياسيةالمتحركة.. بحيث يجب أن لا يخدعنا مشروع إسرائيل التكتيكي والمسمى 'الوطن البديل'على انه المشروع النهائي. لان إسرائيل لن تقف عند حدود منعتنا أو تراخينا.. حتىتحقق ـ بضنها ـ مشروعها الأكبر ودولتها الكبرى بين النهرين. ثم يجب أن نتذكر أن أراضي الأردن مقدسة لإسرائيل لن تفرط بها لصالح الوطن البديل المزعوم.
وهنا يجب أن نتذكر دائما أن إسرائيل لا تريد البديل للفلسطينيين، بل تريد أن تجتثهم وتوأدهم أحياء. وبمفهوم الوطن البديل الخادع، تريد إسرائيل تكتيكيا أن توهم الأردنيين بعداء الفلسطينيين وجحودهم لهم وتكالبهم على الأردن.. وتريد بضنها أن تسلب ما تبقىمن إرادة الصمود الفلسطيني وتجعلهم يتعلقون بمشروع الخلاص الوهمي. وضنا منها: تكونجعلت الشعبين التوأمين عدوين لدودين فيقتتلا.. وتقدم هي الحل لاحقا بان تضع يدهاعلى الأرض والعرض، فهذا الكيان اجتثاثي، استيطاني احتلالي توسعي.
ولان الشعبين التوأمين.. يوجد فيهم من عاش فترة لا تنسى، ويتذكر مشاهد التآخي، ويعرف وشاج اللحمة التاريخية، خصوصا عند حصول النكبة أو اللجوء أو عند النزوح الجماعي.. لهذا سأخبركمحكاية حصلت: فجدتي خبزت لشهرين متتاليين لعشرة اسر فلسطينية لاجئة استقرت في حاكورتها.. وحينها لم تتقبل جدتي مشاركة النازحات ليخبزن معها ويساعدنها.. حرصا منها على احترام ضيفاتها وكرما منها، وبقيت اللاجئات تشاركها النوم بالدار، التي أخلاها جدي، لينام مع اللاجئين الذكور في الحاكورة، حتى رحلوا إلى المخيم، ومنذأكثر من أربعين عاما لم تنقطع خلالها زياراتهم الودودة له حتى توفاه الله. ورغم ماجرى لجدي بحوادث أيلول في السبعين من القرن الماضي عندما قتل ابنه وطفلين لأخيه بحادث لغم زرع على درب مزرعته، وحينها منعت جدتي أبي ــ لوازعها الديني ــ من الانتقام لأخيه بقتل المارة من المنظمة بقولها له: 'والله لو كنت عالمة بأنك تعرف من هو قاتل أخيك، بشكل محدد، ولم تنتقم له، لقطعت الثدي الذي أرضعك، ولكنك لا تعرف من القاتل، فلا يجوز لك الانتقام من برئ'، ولاتزان جدي.. أدرك تماما أن حوادثالسبعين كانت صراع قيادات وليست صراع شعبي، وأدرك أنها فتنة خبيثة أقحموا فيهاالشعبين، فلا ناقة لهما فيها ولا جمل، ولم يكن المقصود القتال بين الشعبين بقدر ماكانت عبث بوحدة شعبين، وسلمهما الاجتماعي الذي غيب.. لمأرب تيارات، نازعت فيها الحسين ملكه. وللأسف لا زلنا مطية لمصطلحالوحدة الوطنية الذي يفت عضد السلم الاجتماعي، لمجانبته الصواب الكامن بالوحدةالشعبية، الوازنة للوحدة الوطنية، والتي تحفظ الحقوق، وتقيم الواجبات، وتؤكد حق العودة.. على الدوام، وتزيل الألغام من مسارنا النضالي النهضوي الوحدوي وتؤسس لمشروعنا التحريري.
لا يوجد مايعيب أن يكون هناك ميثاق وطني أردني يؤسس على مخرجات المؤتمرات الوطنية الأردنيةالتاريخية بالإضافة للميثاق الوطني الأردني لعام 1993م ليشتمل على بند يتكاتف معالبند الخامس في الميثاق الوطني الفلسطيني الذي صاغته القوى والشخصيات الوطنيةالفلسطينية قبل عقود لتعزيز صمودهم ووحدتهم الوطنية الضرورية في مواجهة أطماع العدوالصهيوني الغاشم.
فان الهويةالواضحة للشخصية الوطنية الفلسطينية تشكل عنصر الممانعة والمقاومة الطبيعيتين لأيمشروع توسعي احتلالي اجتثاثي، وهذا يتطلب من الأردنيين أنفسهم ــ لتعزيز الموقفالفلسطيني الكفاحي ــ أن يُعرفوا الهوية الشخصية الأردنية على أساس اللون العربي الأردنيوالتمايز القطري، كونه مطلب مصيري للأمن القومي الأردني، وللوجود الفلسطيني على ارض فلسطين التاريخية.
ولعمقناالقومي العربي نريد للفسيفسائية العربية المتشكلة من الأوطان العربية بألوانها وبنكهاتهاوتكامليتها أن تؤكد الوحدة الشعبية للأوطان العربية كلٍ بهوية شخصيته الوطنيةولونه العروبي لتشكيل فسيفسائية لا تقبل الجمال إلا مكتملة، بحيث تجمعها الوحدةالشعبية، وتمايز ألوانها الوحدة الوطنية.
مهم أن نتذكردائما الهوية العربية والإسلامية التي تتعرض لهجمة يهودية منذ تطهير المدينةالمنورة وخيبر منهم، فلا زالوا يعودون إلينا بمشاريعهم الصهيونية، التي يتضح فيهاالصراع الوجودي الراسخ في أذهان أتباع الحركات والديانات اليهودية، الذين كرسواوجدانهم لاجتثاث العروبة والإسلام، كما دأبت الصهاينة على تأكيدها ذلك غدرا تارة كمافي العراق، واحتلالا تارة أخرى، كما في الصورة الفلسطينية الموجعة.
وأصبحت مشاهدهتك وإجهاض المشاريع النهضوية العربية المتكررة منذ الحرب العالمية الأولى، سوىتأكيدا على أن الدم العربي والمسلم، له نفس الطعم والمذاق لدى العدو الأزليوالغاشم، فالصهيوني لا يفرق بين دمائنا ويريدها كلها بعدما أحلها لهم حبرهم.. ليحققواضنا منهم مشاريعهم الحاقدة، بعيدة المنال، والتي أبقت على دمنا منهمرا وعلى مشاريعنا النهضوية معطلة.
لهذا يتوجب أن نوزن مصطلح 'وحدة المصير' ونضعه للعيان شاهدا لوجهتنا السياسية. فالعطاء الذيقدمته كل المنظمات الفلسطينية.. وتزامنت معه التضحيات العربية في المجهود الحربي والعسكري والسياسي والاجتماعي، يحتاج إلى توجه أردني حقيقي لاستكمال الدور الذيبدء مشواره الشهيد كايد عبيدات، مرورا بمن بعده حتى اليوم.
فتعالوا إلى كلمة سواء.. ولنرفع ملف العلاقة الأردنية الفلسطينية فوق الطاولة فلا نبقيهتحتها.. لندفن أحقادنا المبثوثة ونعظم أواصر وحدتنا ولحمتنا.. ولنثق أن الوحدةالشعبية وازنة للوحدة الوطنية بالحقوق والواجبات.. ولنكون جنبا إلى جنب في مواجهة صهيون وليس وجها لوجه في يد صهيون وأعوانها.. ودعونا نؤسس لمسار العمل السياسي على إستراتيجية وحدة المصير.
ففي هذا ضمانة للسلم الاجتماعي، الذي ننشد تحققه بنزع لغم الأصول والمنابت والوحدة الوطنية..بعدما أرقتنا مخاوف الحرب الأهلية وأقلقتنا مخاوف أصحاب الفكر والنبوءة السياسية.