الشهيد باكير.. رصاص الاحتلال استبق قهوة أُمّه
جو 24 :
تجاوز الوقت انتصاف ليلة الأربعاء/الخميس، لكنّ الابن الأصغر باكير حشاش، لم يعد إلى البيت، فغلب النعاس أمه المسنة "صابرة"، بعض الوقت، لكن سرعان ما أيقظتها حركته في المنزل بعد عودته مصطحبا وجبة طعام.
انتصاف الليل، في مخيم بلاطة للاجئين الفلسطينيين، شرقي مدينة نابلس (شمالي الضفة)، لم يكن بالنسبة للشاب باكير محمد حشاش (21 عاما) موعدا للنوم، بل طلب من أمه أن تعد له فنجانا من القهوة، وكأنه يبدأ يوما جديدا.
سارعت الأم لتلبية طلب "باكير" سيما أنه أصغر أبنائها ولا ترد له طلبا.
استعجل الشاب القهوة، لكنه غادر دون أن يشربها، على أن يعود بعد وقت قصير.
أخبرها باكير، أنه مشغول في التحضير لاستقبال أسير، يُتوقع الإفراج عنه الخميس.
لم تمض دقائق على مغادرة باكير، حتى سمعت الأم أصوات إطلاق الرصاص.
"هذا الطخ (إطلاق النار) من باكير"، تقول الأم لابنتها.
وتضيف متحدثة لوكالة الأناضول: "عرفت إنه استشهد، راح باكير".
وتقول صابرة: "قالوا (أبناؤها) بدنا نروح نتبرع بالدم، قلت (لهم) لا، تروحوش (لا تذهبوا) باكير استشهد، ريتها (صيغة تمنّي) مبروكة عليه (الشهادة)".
ووفق شهود عيان، من مخيم بلاطة، تحدثوا لوكالة الأناضول، فإن قوة عسكرية تابعة للاحتلال اقتحمت أطراف المخيم لاعتقال أحد الشبان، وخلال عملية الاعتقال اندلع اشتباك مسلح بين القوة، ومقاومين فلسطينيين، فأصيب الشاب حشاش، ثم استشهد.
وصية الشهيد
تتابع الأم بلسان يعتصره الألم، أن ابنها الشهيد، أخبرها منذ يومين، أنه في طريقه إلى الشهادة بل وأقسم لها: "والله يُمّا (يا أمي) بدي أَستشهد"، وطلب منها إذا استشهد أن تستمع إلى أغنية "يمّا إذا استشهدت زفّيني".
تُسلّم والدة الشهيد بالقدر، وتقول إن باكير ليس أحسن من شباب فلسطين الذين ضحوا بأنفسهم.
وتكمل: "هو فِدا فلسطين والأقصى (...) الله يرحمه ويباركه بالجنة".
وتضيف "صابرة" أن باكير كان يخطط لشراء منزل لهم، والانتقال إليه، وأن يتزوج، لكن رصاص الاحتلال باغته.
تحاول الأم التغلب على جرحها، ولا تتوقف عن مسامحة ابنها والدعاء بأن يرضى الله عنه، ويتقبله مع الشهداء.
لكنها تقر بالوجع: "قصمت ظهري، كسرتني يا باكير يمّا، حبيب قلبي".
وفجر الخميس، اقتحمت قوة من جيش االاحتلال مخيم بلاطة، وسرعان ما اندلع اشتباك مسلح أصيب خلاله باكير حشاش، ونقل مصابا إلى مستشفى رفيديا الحكومي، ليعلن عن استشهاده لاحقا.
وتناقل نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي مقطعا مصورا لوالدته تنعاه، وتقول: "باكير أحلى شهيد، الله يرحمك يمّا (يا ابني)، ويجعل مثواك الجنة".
كما تداول النشطاء منشورا للشهيد على حسابه بموقع فيسبوك مما جاء فيه: "نعيش بقدرنا ولا نركع إلا لوجه الله (...) فطريقنا طريق للحق والعدالة، نعيش بشرف ونموت بشرف".
تهديد بالاغتيال
من ناحيته، يقول شقيقه معتز حشاش، إن المخابرات الصهيونية هددت بتصفية باكير، وكان يتوقع استهدافه في أي لحظة وأي مكان، وهذا ما حصل خلال اشتباك مسلح في بلاطة البلد.
يضيف معتز: "باكير كان مُهددا، وكان يعرف بالموضوع، ومتوقع يغتالوه... كانوا المخابرات (الاحتلال) يهددوه، (وقالوا) بدنا نقلتك".
ويضيف أن عائلة حشاش، المُهجّرة من مدينة يافا (وسط فلسطين المحتلة) عام 1948، عائلة مناضلة حيث استشهد عمه وتعرض هو نفسه للأسر.
ووسط هتافات غاضبة، وإطلاق نار من مسلحين مقنعين، شيّع آلاف الفلسطينيين جثمان الشهيد بعد الصلاة عليه في مخيم بلاطة.
من جهتها، حذرت الرئاسة الفلسطينية "من استمرار عمليات القتل والاعتقالات اليومية وجرائم المستوطنين ومشاريع الاستيطان المدانة والمخالفة للشرعية الدولية"، والتي كان آخرها استشهاد حشاش، وفق وكالة الأنباء الرسمية، "وفا".
وطالبت الرئاسة الفلسطينية، الإدارة الأميركية "بتنفيذ ما التزمت به، والعمل الفوري بالضغط على الاحتلال لوقف جرائمها المستمرة بحق الشعب الفلسطيني".
وجددت الرئاسة الفلسطينية مطالبتها المجتمع الدولي "بالعمل على توفير الحماية لأبناء الشعب الفلسطيني"
وقتل الجيش الاحتلال الإسرائيلي ٣٢٤ فلسطينيا، وأصاب نحو 17 ألفا بجراح، في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة منذ مطلع 2021 وحتى 20 ديسمبر/كانون الثاني الماضي، وفق معطيات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة.الاناضول