تجميد النائب بين احكام الدستور ونصوص النظام الداخلي
حمزة العكاليك
جو 24 :
نص الدستور الاردني في مادته الأولى على ان نظام الحكم في الاردن نيابي ملكي وراثي؛ وعليه فان هذا النص يعبر عن تشاركية في ممارسة الحكم بين الملك والامة، ولتفصل هذا المبدأ الدستوري جاءت المادة 24 لتبين ان الامة هي مصدر السلطات وتمارس الامة سلطاتها على الوجه المبين في هذا الدستور. والنيابة كطريقة إختطها المشرع الاردني كمنهج لنظام الحكم تاتي بمعنى ان هناك من ينوب عن الامة في ممارسة سلطاتها وهو ما يتفق ونص المادة 24 ؛ وكذلك أن أحد أعمدة النظام في الاردن هو مجلس الامة ؛ وعلى ذلك فصّل الدستور الاردني ان السلطة التشريعية تناط بمجلس الامة والملك ويتألف مجلس الامة من مجلسي الاعيان والنواب.
وجاءت المادة 83 من الدستور لتبين أن لكل من المجلسين أن يضع أنظمة داخلية لضبط وتنظيم اجراءاته وتعرض هذه الانظمة على الملك للتصديق عليها. وبما ان الشعب يمارس سلطاته من خلال إنتخاب نواب يمارسون بالنيابة عنه السلطات الدستورية التي نص عليها الدستور ويعبرون عن رغباته وطموحاته؛ فقد بيّن الدستور الاردني في نص آمر بموجب نص المادة 88 الحالات التي يشغر فيها المقعد النيابي حيث نصت على أنه " اذا شغر محل احد اعضاء مجلسي الاعيان والنواب بالوفاة او الاستقالة او غير ذلك من الاسباب بإستثناء من صدر بحقه قرار قضائي بإبطال صحة نيابته فعلى المجلس المعني إشعار الحكومة أو الهيئة المستقلة للانتخاب إذا كان نائبا بذلك خلال ثلاثين يوما من شغور محل العضو ويملأ محله بطريق التعيين اذا كان عينا او وفق احكام قانون الانتخاب اذا كان نائبا، وذلك في مدى شهرين من تاريخ إشعار المجلس بشغور المحل وتدوم عضوية العضو الجديد الى نهاية مدة المجلس".
وبالرجوع الى تفسير نص المادة التي أشارت إلى أن الامة تمارس سلطاتها على الوجة المبين في الدستور وتكون ممارسة هذه الصلاحيات بإنتخاب أعضاء أحد غرفتي مجلس الامة ؛ وعلية يتضح أن الهدف من إنتخاب نائب هو ممارسة الشراكة في السلطة كما هو منصوص عليه في الدستور الاردني والقيام بادوار النائب من خلال المشاركة في لجان المجلس المختلفة وجلسات مجلس النواب الرقابية والتشريعية لغايات تنفيذ المهام الدستورية التي أنتخب من أجلها والتعبير عن حاجات ورغبات وطموحات الشعب.
إلا أن النظام الداخلي نص على أن للمجلس تجميد عضوية النائب فنصت المادة 160 منه على " مع مراعاة أحكام المادة (90) من الدستور، يحق للمجلس تجميد عضوية كل من يسيء بالقول أو الفعل أو بحمل السلاح تحت القبة أو في أروقة المجلس بالمدة التي يراها مناسبة ، وبالنظر إلى جسامة كل فعل على حدة بعد الاستئناس برأي اللجنة القانونية".
فالتجميد لغةً واصطلاحاً حسب تعريف وتفسير معجم المعاني هو من الجذر اللغوي "جَمُدَ" وهو من ثَبُتَ في مكانه ولم يتحرك وجمّدت العضوية أي أوقفت نشاطات العضو ومنع من القيام بنشاطة المعهود؛ وهو ما يتنافى مع الغاية التي أنتخب من أجلها النائب ويتوافق مع معنى شغور المقعد بالفصل مثلاً حيث أن كلاهما يُمنع من مزاولة المهام التي يتوجب على النائب القيام بها.
ان القراءة المتأنية لنص الماده أعلاه من النظام الداخلي تشير الى أن للمجلس حسب نص المادة 160 منه؛ إما أن يجمد عضوية النائب مع ما يحمله ذلك من ان التجميد يمنع النائب من ممارسة السلطات التي نص عليها الدستور وهو ما يتساوى مع شغور المقعد النيابي بعدم وجود من يعبر عن رغبات الناخبين عن دائره معينه، أو الامة بمجملها اذا ما اعتبرنا ان النائب بمجرد وصوله الى المجلس يعتبر ممثلا لأرادة الاردنيين جميعا وليس منطقة بعينها؛ وهذا الشغور أو التجميد حسب نص النظام الداخلي ورد تحت بند الاسباب الاخرى بنص المادة 88 من الدستور.
كما أن السؤال الأهم هنا إن مدة التجميد لم يتم تحديد حدٌّ أقصى أو أدنى لها؛ وكذلك هي عبارة عن مصادره لحق الأمة بمجملها أو حق منطقة أو فئه بعينها بان يمنع من يمثلها أو من يمثل أرائها من ممارسة صلاحياته الدستورية التي أنتخب من أجلها ؛ فاذا افترضنا أن نائب قد أخل بأحكام النظام الداخلي ببداية عمر المجلس وقرر المجلس أن يجمد عضويته لنهاية المدة الدستورية لعمر مجلس النواب ؛ فكيف يتفق هذا مع الغاية من أنتخابة عضواً في مجلس النواب .
وعلية وبما للدستور من سمو على باقي القوانين والانظمة فإن نص المادة 160 من النظام الداخلي يتوافق ضمنياً مع نص المادة 88 من الدستور بإعتبار أن التجميد يعني شغوراً للمقعد النيابي، ويتعارض صراحتةً مع نص المادة 24 من الدستور التي أكدت أن الأمة مصدر السلطات وليس لجهه أو فئة ان تصادر هذا الحق. وعلية وبالأخذ بعين الإعتبار تراتيبية مواد الدستور وسمو موادة على باقي القوانين وألانظمة فأعتقد أن هناك شبة دستورية بمبدأ تجميد عضوية النائب؛ والاولى بمجلس النواب أن يتوافق بقراراته مع ما نص عليه الدستور فإما أن يتخذ إجراء لا يتعارض مع حقوق الامة (كالحرمان من حضور عدد معين من الجلسات أو إيقاف المخصصات المالية مثلاً) أو أن يَعتبر المقعد شاغراً ليتم ملؤه بالطرق التي نص عليها الدستور والقوانين السارية.