المثقف العربي وجدلية العلاقة مع السلطة حياد أم التزام.. ندوة المنتدى العالمي للوسطية
جو 24 :
في إطار النشاط الثقافي والفكري الذي يقوم به المنتدى العالمي للوسطية دورياً نظم المنتدى ندوة فكرية بالتعاون هيئة شباب الوسطية حول: "المثقف العربي وجدلية العلاقة مع السلطة: حياد أم التزام" استضاف فيها الأستاذ موسى بريزات والأستاذ عدنان الروسان.
وفي بداية اللقاء رحب المهندس مروان الفاعوري الأمين العام للمنتدى بالحضور وبالمحاضرين، وقال: لقد آثرنا أن يكون العنوان لنشاطنا لهذا الشهر، هذا الموضوع لأهميته في حياتنا اليومية، فالمثقف يلعب دوراً كبيراً في تشكيل الرأي العام، وبناء حاضر الأمة وأبصار المستقبل واستشراف ملامحه، وكذلك في بث الروح المعنوية والنضالية والتحفيزية للأمة تجاه قضاياه المصيرية، وبعبارة مختصرة يساهم المثقف الوطني في تشكيل شخصية الأمة فكرياً إيجابياً يقيها من الضربات التي يستهدفها أعدائها، فالمثقف ومن خلال قلمه يشخص الواقع ويحاول التأشير على الحلول من خلال المفردات العلمية الثقافية والفكرية ومن خلال المقال والقصة والرواية والشعر والنص المسرحي تلبي طموحات الأمة لهذا فإن أعمال المثقفين تبقى خالدة مدى الدهر يتناقلها جيل بعد جيل، لهذا فإن الاهتمام بالمثقف الوطني من قبل الجهات الرسمية وتوفير سبل العيش الكريم هو استثمار في نهضة الأمة وحماية ميراثها الوطني والثقافي والفكري وأصالتها وهويتها الوطنية.
وبعد ذلك أعطي الحديث للأستاذ عدنان الروسان الذي قال أن:
الحديث عن موضوع الندوة ... وهو حديث ذو شجون والعلاقة بين المثقف و السياسي جدلية تتربع على قمة سلم الحوارات و الجدل القائم في كل المجتمعات الإنسانية الحديثة و ربما القديمة ايضا ، ففي الجاهلية كان سوق عكاظ الشهير و الذي كان منصة أدبية ثقافية في غاية الأهمية لكل الأدباء و الشعراء و الفلاسفة أكثر منه سوقا للبضائع و التبادل التجاري وفي القرن الأول الهجري كان هناك سوق المربد البصري الذي اشتهر في التاريخ بأنه المنصة التي يتعمد فيها الشعراء والأدباء و تدور فيها الحوارات و النقاشات و المثقفون العرب و المسلمون الذين مروا بذلك السوق و تلك المنصة من مشاهير العلماء و المثقفين كجرير و الفرزدق و ابن سيرين و الحسن البصري الذي كان دائم الإشتباك مع السلطة رغم كل محاذيرها و كان يدخل على الولاة و الحكام فيأمر و ينهي و منهم من يسمع و منهم من يغضب غير انه كان يقوم بدور المثقف المستقل المبتعد بفكره عن مزالق السلطة و السلطان و غيرهم الكثير ، كانت تلك الأسواق بعيدة كل البعد عن هيمنة السلطة الحاكمة و كانت بمثابة مهرجان أو جامعة يقدم فيها و على منابرها المثقفون أطروحاتهم لينالوا الإعتراف و الشهرة و عودة الى عصرنا الحديث ، فبينما لا تشكل هذه الجدلية بين السياسي و المثقف في الدول الديمقراطية تهديدا لأحد الطرفين و تكون محكومة عادة بالموروث الفكري و الثقافي للمجتمع و خاضعة للقوانين المدنية المرعية نجدها في الدول المحكومة بأنظمة شمولية او نصف استبدادية او تحبو نحو الديمقراطية ببطء نجدها مثار جدل كبير يبدا بالحوار العاصف و يمر بالجدل و السفسطة و ينتهی
باحتواء المثقف و تهميشه أو على استمالته لصفه بسجن السياسي للمثقف بعد أن يتأكد أنه غير قادر على استمالته لصفه.
و قد يختلف الناس في تعريف من هو المثقف و لا نريد ولوج هذا الباب لأنه متشعب و فلسفي و اختلف في الكثيرون غير أن الجميع اتفقوا أن يفرقوا بين المتعلم و المثقف أو بين العالم و المثقف وقد يكون المتعلم مثقفا او المثقف متعلما و لكن ذلك ليس شرطا واجب الحصول و يمكن القول إن قوة و سلطة المثقف هي ثقافته والثقافة هي مجموع المعارف و الخبرات التي يمتلكها المثقف ، وهو ما يطلق عليه الكاتب و الفيلسوف و المفكر الإنجليزي فرنسيس بيكون سلطة و هذه السلطة نابعة من المذهب التجريبي الذي يختلف عن مذاهب بعض الفلاسفة مثل ارسطو الذي اعتمد اسلوب القياس بدل الملاحظة و التجريب ، أما عناصر هذه السلطة فهي ما يمكن أن نحددها بالعلم والتجربة الذاتية للمثقف و للمبدع بما فيها من خيال فكري إضافة إلى الإرادة الحاسمة التي لا تتغير ولا تتبدد أمام السياسي والوجدان الذي يحكم ما يقدمه المثقف للمجتمع و السلطة السياسية معا. والسلطة التي ينسبها بعض المفكرين و الدارسين للثقافة و المثقف لا يمكن أن تنتج ثمارا سريعة في ظل بيئة سياسية تحكم و تتعامل بأساليب القمع أو بالمال اي بالإحتواء او الزجر، بل تتعزز وتتوطد و تؤثر في ظل وعي و بحث عن الحقيقة لدى المجتمعات و الأنظمة الحاكمة و في أجواء الحرية أو الحد الأدنى منها، بحيث تكون أرضية مناسبة لتطورها، خصوصا بتوفر ضمانة لحمايتها ولتعميق الوعي بأهمية الثقافة و في تعريف لمحمد بن عيسى، وزير الخارجية المغربي الأسبق، أمين عام مؤسسة منتدى أصيلة ، نقلته الجزيرة نت في تدوينة عنه أنه من المفروض أن لا يتبع أي من المثقف أو السياسي للآخر. وقال وهنا اقتبس «مهمة السياسي تتمثل في المساهمة في تدبير الشأن العام عبر القنوات والآليات المؤسساتية القائمة في كل بلد، بينما ينحصر دور المثقف في إنتاج الأفكار والتأمل في الواقع المجتمعي ومساءلة القيم والسياسات، لبلورة أفكار ونظریات يمكن أن يستفيد منها السياسي، وهذا يعني أنه قد يوجد تكامل أو تقاطع أحيانا في الأدوار، في إطار من استقلالية كل طرف، على اعتبار
أن الغايات والوسائل ليست هي ذاتها عند الاثنين، وأقصد هنا تحديدا، السياسي والمثقف، بالمعنى الحديث والنبيل للصفة، بعيدا عن تهريج الأول وسفسطائية
الثاني.
بينما قال الكاتب والمفكر وزير الثقافة المصري الأسبق الدكتور جابر عصفور إلى أن المثقف في وطننا العربي تابع للسياسي، لكن المثقف باعتباره عقلا متحركة لا يهتم بالمصالح العابرة ولا المكاسب السريعة، فهو الذي ينبغي أن يكون الإطار المرجعي لعمل السياسي. وقال فيما مرد على لسانه أن المثقف يظل مثقفة بالدرجة الأولى، وهذا لا يمنعه أن يشتغل بالسياسة، ولكن عليه أن يكون مخلصا لمبادئه الثقافية قبل أن يكون مخلصا لمناورات السياسة والسياسيين.
و الحديث يطول عن رؤية السياسيين و الوزراء و رؤساء الحكومات و الحكام للمثقفين لأن لرؤيتهم وجهان ، واحدو هم في المنصب و رؤيتهم بعد أن يتركوا العمل العام و هنا لا بد من الإستدراك مرة أخرى لنذكر أن التعميم غیر محمود و لكننا نتحدث عن الحالة و ليس عن شواذها و في الغالب في مجتمعاتنا تكون الحالة سيئة و الشذود حميدا و الإشارة حصرا عن الثقافة و المثقف السياسي فبعض من كانوا في السلطة و هم قلة أدركوا و لو متأخرين المعاني الحقيقية لدور الثقافة من خلال المعارضة السياسية و أبدعوا في أدوارهم، لقد استفادوا من تجربة الحكم ليصقلوا دورهم الحقيقي في التأثير في المجتمع المحلي و نذكر على سبيل المثال لا الحصر المرحوم الصادق المهدي و حسن الترابي في السودان
و عندما نتحدث عن دور المثقف في الأردن فسنجد أنفسنا في بحر لجي من التناقضات التي تجعلنا حياري في الحكم على التجربة الأردنية و العلاقة بين المثقف و السلطة فرغم أن الأردن كان من الدول العربية السباقة في نشر التعليم و بالتأكيد فإن التعليم أحد الوسائل التي توسع دائرة بزوغ مفكرین و مثقفين إلا أننا نلاحظ أن التعريفات التي تحدثنا عنها و المتوافق عليها في باقي دول العالم لن نجدها تتطابق مع الواقع الأردني خاصة اذا تحدثنا عن طبقة المثقفين الذي يقودون المشهد الإعلامي أو المثقفين الذي يحيطون بالسياسيين و بالحكم و الحاكم و الذين يقولون ما يوافق هوى الحاكم لا ما يجب يسمعه و التعميم مرة أخرى ليس فضيلة بالتأكيد الا اننا نتحدث عن المساحة الغالبة في المشهد الأردني ، لقد تمكن المستوى السياسي الأردني من سن قوانين غير مكتوبة و لكنها مفهومة تماما من قبل المثقفين الأردنيين و وضع سننا باتت قاموسا متعارفا عليه فالمثقف الأردني واحد من ثلاث شرائح لا رابع لها ، اما ان يكون مثقفا حقيقيا ممتلئا بالأفكار و الخبرات و يعي آن دوره لا يمكن أن يتساوق مع
السياسة لأن السياسة في الأردن حكر على طوائف مختلفة لكنها جميعا تصب في محفل واحد يقود مجمل السياسات الوطنية باتجاه محدد سلفا و بخطوات ثابتة دون الأخذ بعين الاعتبار لأي معارضة من أي نوع كما أمن مجلس النواب يندر فيه المثقفون و قد لا يزيدون على عشر المجلس في أحسن الأحوال أما البقية فهم من طبقة الجويم حسب النصوص اليهودية و كما وصفهم بالضبط ايدي كوهين و هو شئنا أم أبينا مثقف اسرائيلي يمتلك مالا يمتلكه المثقف الأردني من الحرية والتبسط في الحديث و بالتالي فإن المثقف الأردني في هذه الشريحة ينوى الإعتكاف مدى الحياة يدفن نفسه بين الكتب و يتنقل بين النشاطات الثقافية المحلية و يقبل من الغنيمة في المعركة الخاسرة أصلا بالإياب. أما الشريحة الثانية من المثقفين الأردنيين فهم الذين يمتلكون ناصية الثقافة او بعضا منها و يستخدمونها للوصول إلى كرسي او منصب ولو على أطراف عتبة النظام السياسي المهم أنه يؤمن وظيفة او موقعا يرضي طموحه او يغطي مصاريف حياة كريمة له و لعائلته و لو على حساب كرامته و شخصيته و هنا تكون الثقافة أداة من أدوات الوصول الى حواف السلطة او هدف مادي و ربما يمكن تسمية هذه المدرسة بالمدرسة الثقافية الوصولية و الأسماء في الأردن كثيرة و مشهورة و متداولة على منصات التواصل الإجتماعي .
الشريحة الثالثة هي التي تدعي الثقافة و ليس بين روادها مثقفين بل قراء العناوين الصحف اليومية و شاشات المحطات الفضائية و يقومون بما يظنون انه تحلیل سیاسي او مشاركة ثقافية و هؤلاء مستعدون دائما للتواجد حيث يريدهم السياسي و يسيطر فراغ ثقافي كبير على هذه الشريحة حيث لا يتعاملون بالقراءة كوسيلة أصيلة في البعد المعرفي الثقافي ، و من الأمور التي يجدر الإشارة لها أن عدد القراء للكتب في التاريخ و السياسية و الفلسفة و أصول الحكم و فقه الحياة و غير ذلك هو عدد قليل جدا في العالم العربي و أقل في الأردن فيسبقنا في ذلك لبنان و مصر و الكويت و بعض مناطق الخليج و قد يسبقنا العراقيون و اليمنيون رغم مأسيهم الكبيرة في السنوات الأخيرة، في المجمل نحن نتكلم عن نشر حوالي خمسين إلى ستين الف كتاب في العالم العربي كله سنويا أي في اثنين و عشرين دولة مقابل ثمانين الفا لليابان و مائة وخمسين الفا لبريطانيا و خمسة و ستون الفا في ايران مثلا.
الحديث يطول جدا عن الثقافة و السياسة و العلاقة بينهما و هو حديث ممتع و محزن في آن معا في أيامنا هذه و اوطاننا هذه ، و لكنني لا أريد أن أطيل عليكم حتى نترك وقتا للنقاش و الحوار أن اتسع الوقت و رغب الداعي ...
في النهاية مفارقة عجيبة
كان اللصوص و الصعاليك في جاهلية العرب مثقفين ، نعم حتى اللصوص كانوا شرفاء و مثقفين ، استمعوا إلى هذا النص للص من مشاهير لصوص العرب في الجاهلية ..
"أنا الموج الكبير، أنا القفل العسر ، أنا النار، لو كلمني الفيل لم يخرس، أو البحر لم ييبس أصدقائي أكثر من خوص البصرة، وخردل مصر، وعدس الشام، وحصى الجزيرة ، وحنطة الموصل، وزيتون فلسطين"؛ هكذا قدم أحد لصوص العرب نفسه في معرض إبراز قدراته، وفقا لما يرويه أبو سعد الرازي (ت 421ه/1031م) في كتابه 'نثر الدر في المحاضرات.) أما اليوم فأصبح كثير من المثقفين يحابون الحاكم و يبزونه بأشواط طويلة في محاكاة المدرسة البراغمانية الميكيافيلية الشهيرة ... بالأمس فقط كان اللصوص مثقفين و اليوم هلي صار المثقفون جلهم وصوليين في عالمنا العربي و في وطننا الحبيب ، نترك السؤال مفتوحا للنقاش و لكل الإجابات المفترضة.
بعد ذلك أعطي الحديث للمحاضر الأستاذ موسى بريزات، حيث عرف المثقف بأنه صاحب وجهه نظر في الحياه وفي ثقافه مجتمعه وصاحب موقف تجاه ما يحدث في مجتمعي ودولته والعالم مهتم ومنشغل بالشأن العام مهتم بواقع مجتمعه بوجوده وهويته ومستقبله وصاحب رؤيا لا يقبل انصاف الحلول او انصاف الحقائق غير مقلد منفتح على الثقافات لا يمكنه أن يتقبل او يتصالح مع حاله غير صحيحه غير سليمه او سويه غير مستقره او شاذه لا تنسجم مع نواميس العقل والفطرة السليمه لا يجامل في قناعته ولا يساوم في مسائل العداله والحريه والاستقلاليه والكرامه والسياده للامه ووحدة تراب الوطن ورفعته.
وأضاف بأن المثقفون اصناف ومدارس لكنه بشكل عام منقسم على ذاته او في حالة انفصام نصفه مع الدوله ونصفه الاخر لوحه فسيفسائية من الولاءات الاجتماعيه والثقافيه والايديولوجيا والحزبيه او الجهويه و قد اعطى الدوله صوته وقلمه واحيانا لسانه دون ان يتخلى عن عقله مفكرا عليها الولاء والانتماء لانه راى نفسه عربيا تسري في عروقه دماء قحطان وعدنان وصاحب عقيده سماويه من اتباع سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم مؤسس اعظم واقوى دوله وابلغ رساله انسانيه لكنه بالمقابل لم يغلق الطريق على وطنيته محدثه رغم انقسام ضميره وعقله ووجدانه عربي مسلم او مسلم عربي
هذه الولاءات المتقاطعه اخر ما يشغله بل ادى تكريس الدوله الوطنيه بنشيدها الوطني وعلمها في حياته اليوميه ودخولها الى المنهاج الدراسي وطبيعه الوظيفه ودخله الشهري حتى تحولت مسالتي العروبه والعقيده الى اشكاليه بدلا ان تكون مصدره قوه ماديه او معنويه باعتبار القومي معادل موضوعي للاسلامي لكنهما اصبحا ضدين واشتبكا مع العلماني واليساري والليبرالي والمدني واخيراً الابراهيمي.
وفي نهاية الندوة، أجاب المحاضرين على أسئلة الحضور ومداخلاتهم، وقد أشاد الحضور بالمنتدى وبالندوات التي يقدمها شهرياً وبشكل دوري للمجتمع الأردني من أجل خلق وعي فكري وثقافي يساهم في نهضة الحركة الثقافية والفكرية في الأردن.