"البحث عن علا"... الحياة تبدأ بعد الطلاق
جو 24 :
بعيداً من التعقيدات والافتعال، جاء مسلسل "البحث عن علا"، الذي عرضته أخيراً منصّة "نتفليكس" خفيفاً، مرحاً ومسليّاً. وفي الوقت نفسه، يطرح مشكلات نسائيّة "نسوية"، ويُعالج ما تواجهه النساء بعد الطلاق، وفي سنّ الأربعين، أو ما يُعرف بـ"أزمة منتصف العمر".
تولّى إخراج المسلسل هادي الباجوري، واعتبر جزءاً ثانياً لمسلسل "عايزة اتجوّز"، الذي عُرض منذ 12 عاماً في رمضان، وحقق حينها شعبيّة واسعة ونجاحاً كبيراً لتناوله قضيّة عدم الزواج، أو كما يُطلق عليها في المجتمعات العربية "العنوسة"، عبر شخصيّة الصيدلانيّة علا عبد الصبور، ابنة الطبقة المتوسّطة، التي ظلّت لمدّة ثلاثين حلقة تبحث عن عريس في قالب كوميديّ اجتماعيّ.
أتى مسلسل "البحث عن علا" مواكباً لـ "ثورة الإنترنت"، التي حصلت في العالم خلال تلك السنوات، فانتقلت علا من الطبقة المتوسطة إلى طبقة الميسورين أو الأثرياء، وأصبحت "السوشيال ميديا" جزءاً رئيسيّاً وأساسيّاً في الحياة، فجاء المسلسل سريعاً في أحداثه تماماً كخاصيّة الـ"ستوريز" في "إنستغرام" و"سناب شات"، وبعيداً عن المطّ والتطويل؛ فخلال ستّ حلقات فقط، وجدت علا عبد الصبور ذاتها.
علا التي استماتت قبل 12 عاماً في بحثها عن عريس، تقبّلت طلب زوجها الطلاق بأسلوب عصريّ، لا يتناسب مع عقليّتها السّابقة في شغفها وبحثها عن عريس، بالرّغم من محاولتها الإبقاء على زواجها، وإقناع زوجها بالعدول عن الطلاق، إلا أنّها تتقبّل الطلاق كواقع تعيشه عائلات كثير تحت عنوان "الانفصال بوعي"، كما قالت لها ابنتها، لتنطلق بعد ذلك مجدّداً في رحلة البحث عن زوج أو عريس جديد، وتبدأ بالتمرّد على وصايا والدتها، وبالتعبير عن رغبتها التي كانت تكبتّها أو تؤجّلها أو تخجل من التصريح بها كعمل "وشم" على كتفها وركوب الدراجة الهوائيّة وتعلّم الرقص الشرقي. ولعلّ من أجمل مشاهد المسلسل ظهور الراقصة دينا ووصلة الرقص التي أدّتها علا أو #هند صبري برفقتها، وكأنّ العمل أراد تكريم الرقص الشرقيّ الذي لا يزال حتى اليوم يفتقد الاحترام.
يأتي تطوّر ونضج شخصيّة علا تدريجيّاً، حين تُنشئ عملها الخاصّ مستفيدة من دراستها للصيدلة، التي لم تعمل في مجالها بعد زواجها، وتطلق على منتجاتها اسم "فرصة ثانية"، وتجرؤ على مواجهة والدتها، التي كانت تقول لها دائماً: "حاضر"، باعتبار أنّها كلمة مريحة، كما قالت لابنتها: "كلمة حاضر بتريّح". لكنّها بعد طلاقها تواجه والدتها، وتقول لها إنّها لا تريد أن تشبهها، بل تقول لها: "مش محتاجة أم خاف منها، أنا محتاجة أمّ أصاحبها".
تنسف علا في رحلتها كلّ مورثات الماضي، وتصبح أكثر تصالحاً مع ذاتها، التي وجدتها بعد الطلاق، تزامناً مع بلوغها سن الأربعين، في رسالة واضحة المضمون مفادها أنّ الطلاق وسنّ الأربعين ليسا نهاية الحياة، بل هما بداية جديدة خالية من الاكتئاب.
علا التي عانت الاكتئاب في بداية المسلسل، وتناولت أدوية مضادّة له، تتخلّص منه ومن مضاداته بعد طلاقها واستقلالها ماديّا وإطلاق رغباتها، بل تُصبح أكثر ثقة بنفسها، إذ لم يعد وجود رجل في حياتها هاجساً، ويظهر ذلك في نهاية المسلسل حيث تقف في مركب وسط النيل، وتقول إنّها ستكمل رحلتها في القارب بعد نزول الدكتور مروان منه.
قدمت هند صبري جرياً على عادتها "السهل الممتنع" بأدائها العفويّ، إلا أنّها في بعض الأحيان كانت تفتعل العفويّة، التي قدّمتها في "عايزة اتجوّز". أما الطفلة ايسل رمزي، التي أدّت دور نادية (ابنة علا) فاستطاعت أن تجذب الأنظار إلى موهبتها، وأن تبشّر بمشروع ممثلة موهوبة مستقبلاً.
وسجّل المسلسل تميّزاً للممثلة ندى موسى، التي أدّت دور نسرين (صديقة علا)، وكذلك الممثل محمود الليثي الذي أبدع بشخصيّة معتصم.