دراسة حديثة: ألعاب الفيديو التفاعلية تُساعد على تحسين مهارة القراءة لدى الأطفال
جو 24 :
ألعاب الفيديو هي كابوسٌ لكلا الوالدين! فمَن منا لا يتشاجر مع أبنائه وبناته لإقناعهم بإطفاء شاشاتهم والالتفات إلى كتبهم وواجباتهم المدرسية؟ ولكن قد يكون الحلُّ كامنا في المشكلة ذاتها، وفق دراسة سويسرية حديثة.
أظهرت دراسة جديدة أجرتها جامعة جنيف بالتعاون مع جامعة ترينتو (إيطاليا)، ونَشرت نتائجَها مؤخرًا مجلة "نيتشر هيومن بِهيفيور" (Nature Human Behaviorرابط خارجي) ومعناها "السلوك البشري الطبيعي، أن ألعاب الفيديو التفاعلية (الحركية أو الأكشن) قادرة بشكل كبير على تعزيز مهارات القراءة والانتباه لدى الأبناء والبنات من ذوي المهارات العادية.
وكانت دراسات سابقةرابط خارجي قد أظهرت الآثار الإيجابية لألعاب الفيديو التفاعلية (أو الحركية)، المُتاحة في الأسواق، على الأطفال في سن الدراسة الذين يُعانون من عسر القراءة، خاصة فيما يتعلّق بالطلاقة القرائية وقلة التركيز. وبالاستناد إلى ما خلُصت إليه هذه الدراسات من أدلّة علمية، طوّر فريق البحث في جنيف لعبة فيديو تفاعلية تعليمية تسمى "سكايز أوف ماناواكرابط خارجي" أي "سماوات ماناواك"، تؤثّر، بأسلوب مُمتع ومحفّز، على الوظائف الإدراكية المطلوبة أثناء القراءة، مثل الانتباه والذاكرة والإدراك.
وقد صُمّمت هذه اللعبة التعليمية بهدف تحفيز جميع المهارات الأساسية لتعلّم القراءة: "بحيث لا يُنظر إليها على أنها نشاط إضافي للواجب المنزلي أو للمدرسة"، كما تقول أنجيلا باسكالوتّو، الباحثة في كلية علم النفس وعلوم التربية في جامعة جنيف.
في الوقت نفسه، يتم تعديل مسار اللعبة وفقًا لأداء اللاعب، مع مراعاة عدّة عوامل، فالحقيقة أن القراءة ليست مجرد تحفيز المهارات اللغوية، وإنّما تتطلب أيضًا تنشيط الوظائف المعرفية "العليا أو الرفيعة" القادرة على تنظيم سلوك الفرد، كما أوضحت باسكولوتّو.
درجاتٌ مدرسية أعلى وقدرة أكبر على التركيز
أجريت الدراسة لمدة ستة أسابيع في مدرسة إيطالية، على 150 تلميذًا تتراوح أعمارهم بين 8 و 12 عامًا، قُسّموا إلى مجموعتيْن: لعبت الأولى "سكايز أوف ماناواك"، بينما لعبت الثانية "سكراتشرابط خارجي"، وهي لعبة فيديو تُعلّم مبادئ البرمجة بطريقة إبداعية، وتم إنشاؤها بواسطة فريق بحثي في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بالولايات المتحدة.
وبالفعل، فور انتهاء التدريب الذي استمر 12 ساعة في المجموع، لاحظ الباحثون تحسّنًا في التحكم بالانتباه يصل إلى سبع مرات إضافية عند أولئك الذين لعبوا اللعبة التفاعلية مقارنة بالمجموعة الأخرى، ومهارات القراءة التي تحسّنت بشكل ملحوظ لدى المجموعة الأولى لا يُقصد بها السرعة فقط وإنما أيضًا الدقة.
بمرور الوقت، أظهر رصد نتائج الاختبارات أن الأداء المتفوّق للفتيان والفتيات الذين لعبوا "سكايز ماناواك" استمر طوال ستة أشهر، كما كانت له أيضًا انعكاسات إيجابية على الدرجات المدرسية للتلاميذ، وتقول باسكولوتّو: "بعد مرور 18 شهرًا على نهاية التدريب، حصل الذين لعبوا لعبتنا التفاعلية على درجات أعلى في اللغة الإيطالية من المجموعة الثانية".
ولكن ما الذي يجعل ألعاب الفيديو التفاعلية (أو الأكشن) فعّالة جدًا في تحفيز العمليات المعرفية المتعلقة بالقراءة؟ يتطلب هذا النوع من ألعاب الفيديو اتخاذ قرارات تحت ضغط الوقت والاحتفاظ أثناء ذلك بدرجة عالية من الانتباه مع "توزيعه" بكفاءة لكي تكون هناك سرعة استجابة تجاه المواقف المتعددة والمباغتة والمتتابعة على الشاشة.
وتوضح باسكولوتّو أن هذا التباين المستمر للأنشطة هو تمامًا ما يحفز الوظائف المعرفية باستمرار، ويمنع من التفاعل بطريقة آلية وتلقائية، وتضيف الباحثة: "وهذا له تأثير إيجابي على البالغين والأطفال بشأن مهارات التعلم واسعة النطاق التي تتطلب قدرًا كبيرًا من الانتباه، كالقراءة"، وبناء عليه تجري الآن الأبحاث لتطوير نسخة من اللعبة للبالغين.
ويشار إلى أن لعبة "سكايز ماناواك" متاحة حاليًا لأجهزة الكمبيوتر وباللغة الإيطالية وفقط، وسيتم تعديلها في المرحلة التالية بحيث تتاح باللغات الألمانية والإنجليزية والفرنسية مما يسمح باختبارها في المدارس السويسرية، ويعمل فريق من المطوّرين والمطوّرات على تكييفها لتتناسب أيضًا مع الأجهزة اللوحية ومع التدريب في البيت.
ألعاب الفيديو: نعم، ولكن باعتدال!
ولكن، ألا نخشى على أبنائنا وبناتنا من إفراط التعرّض للشاشات الالكترونية المُتاحة في كل مكان، والعزوف أكثر عن المطالعة وقراءة الكتب؟ تجيب سيلفيا بريم، التي ترأس مجموعة التصوير العصبي التنموي في قسم علم نفس الطفل بجامعة زيورخ: "حين يكون اللعب لفترة محدودة، فإن ألعاب الفيديو تُحقق الفائدة وتحفّز الأطفال على القراءة".
يُضاف إلى ذلك، أن الأطفال، من الأولاد والبنات، وفقًا لبريم ، إذا أحسّوا بتحسّن مهارات القراءة لديهم فقد ينجذبون إلى القراءة أكثر ، خاصة إذا كانوا يُعانون من صعوبة التعلم أو عسر القراءة.
لكن الدراسات المتاحة حتى الآن حول تأثيرات ألعاب الفيديو التفاعلية على الفتيان والفتيات الذين يُعانون من عجز، وإن كانت واعدة إلا أنّها "قليلة ، ولا تَأخذ في الاعتبار سوى المجموعات الصغيرة"، كما تقول بريم، ولهذا السبب، فمن الضروري - وفق الخبيرة - تكرار عرض النتائج التي تم الحصول عليها حتى الآن على مجموعات أكبر وبلغات متعددة، لتقييم التأثير الحقيقي لألعاب الفيديو التفاعلية على شريحة من السكان قد تستفيد منها أكثر.
المسألة المؤلمة الأخرى هي الإدمان: كيف يُمكن تجنّب ذلك دون التضحية بجاذبية ألعاب الفيديو؟ تقول سيرينا كانجانو، خبيرة التصميم التفاعلي والباحثة في جامعة العلوم التطبيقية والفنون في جنوب سويسرا: "في عصرنا الذي يُهيمن عليه مفهوم ‘مُصمَّم للإدمان‘، لا يمكن تجاهل آليات الإدمان، ولكن بالامكان تصميم ألعاب فيديو محدودة الوقت وتُقنِع".
وإن كنا نخشى الأسوأ، فعلينا بالمثل القائل: "كتاب في اليوم يغنيك عن الطبيب"، أو كما تقول العرب: "وخير جليسٍ في الأنامِ كتاب".