خبراء: تآكل الطبقة الوسطة ينعكس سلبا على إيرادات خزينة الدولة
قال خبراء اقتصاديون وأكاديميون إن الطبقة الوسطى تعد الرافعة للاقتصاد الوطني، فمن خلالها يتحقق الاستقرار والازدهار الاقتصادي، وتحقيق التوزان المجتمعي الذي يمثل ضمانة للاستقرار السياسي والاجتماعي
.
وأكدوا ، أن دعم وتقوية الطبقة الوسطى يسرع من عملية الإصلاح السياسي، مشيرين إلى أن أي تآكل أو تلاش لهذه الطبقة سيلقي بظلاله على معدلات النمو والطلب والاستهلاك في الاقتصاد، ما سينعكس سلبا على إيرادات الخزينة.
وطالبوا بتبني مجموعة من السياسات تعيد الاقتصاد الوطني إلى مساره الصحيح، وتسهم في توسيع شريحة الطبقة الوسطى بحيث تشكل هذا السياسات استراتيجية تنموية ورؤية متكاملة ووفق إطار زمني ومؤشرات واضحة قابلة للقياس، إضافة إلى تحسين مداخيل المواطنين وتحسين مستوى الخدمات الأساسية المقدمة لهم.
وكان جلالة الملك عبد الله الثاني قد وجه برسالته التي وجهها للأردنيين "إلى وضع رؤية شاملة وخارطة طريق محكمة للسنوات المقبلة، تضمن إطلاق الإمكانيات، لتحقيق النمو الشامل المستدام، الذي يكفل مضاعفة فرص العمل المتاحة لأبنائنا وبناتنا، وتوسيع الطبقة الوسطى ورفع مستوى المعيشة لضمان نوعية حياة أفضل للمواطن”.
والطبقة الوسطى هي القلب النابض للاقتصاد، وهي القوة العاملة التي لا غنى عنها في البلاد، فارتفاع إنتاج اقتصاد الطبقة الوسطى يؤدي إلى تحسن الاقتصاد وتحوله إلى اقتصاد الابتكار.
وينظر علم الاجتماع إلى الطبقة الوسطى "بأنها الطبقة التي تتمتع بقسط مناسب من الدخل والتعليم وتتضمن الموظفين والعمال المهرة ورؤساء العمل ورجال الأعمال… الخ”.
وقال الخبير الاقتصادي الدكتور محمد أبو حمور، إن للطبقة الوسطى دورا أساسيا وحاسما في تنمية المجتمع وتعزيز تماسكه وقدرته على مواجهة الصعوبات والتحديات، كما تسهم في تحقيق التوازن المجتمعي فهي ضمانة للاستقرار السياسي والاجتماعي، إضافة إلى دورها المهم في الحفاظ على مؤسسات الدولة ومراقبة أدائها.
وأضاف أن الطبقة الوسطى تعد محفزاً أساسياً للنمو ومصدراً للازدهار الاقتصادي عبر توفير قاعدة واسعة من المنتجين والمستهلكين ومصدراً خصباً للمبادرات الريادية التي تشجع الابتكار عبر السعي الحثيث الذي تحرص عليه لتحسين أوضاعها المعيشية.
وتابع أبو حمور، أن الطبقة الوسطى أيضاً المصدر الرئيسي لتمويل نفقات الدولة، حيث تتحمل أعباء الضرائب والرسوم المختلفة وخاصة تلك المفروضة على المبيعات، وفي نفس الوقت فهي كثيرا ما تعتمد على مصادرها الذاتية للحصول على بعض الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم وبذلك تخفف الأعباء عن كاهل الدولة.
وأشار إلى أن هناك ترابطاً ديناميكياً وعلاقة طردية بين حجم الطبقة الوسطى ومستوى الازدهار الاقتصادي والذي بدوره يعزز من تنمية رأس المال البشري ويرسي قواعد تمكن المجتمع من تحقيق المزيد من الإنجازات الاقتصادية.
وأوضح أن نمو الطبقة الوسطى والحفاظ على مستوى معيشتها يؤشر بوضوح إلى مدى نجاح السياسات الحكومية في مختلف المجالات الاقتصادية والمالية، كما يشير أيضاً إلى مستوى العدالة في توزيع الدخل وتحقيق التنمية المتوازنة التي تنعكس على مختلف فئات المجتمع.
وأكد أبو حمور أن تآكل الطبقة الوسطى نتيجة للسياسات الاقتصادية غير الملائمة يلقي بظلال قاتمة على معدلات النمو والطلب والاستهلاك في الاقتصاد وينعكس أيضاً بشكل سلبي على إيرادات الخزينة العامة.
وبين أن بعض السياسات والقرارات الاقتصادية تحمل في طياتها أثراً مباشراً على مختلف فئات المجتمع، إلا أن تأثيرها على الطبقة الوسطى يكون أشد وأوضح لاعتبارات متعددة تتعلق بالتركيبة الاجتماعية للطبقة الوسطى ومصادر دخلها وطبيعة إنفاقها، إضافة إلى مستوى قدرتها على التعامل مع مؤشرات التضخم وارتفاع الأسعار وتراجع الدعم الحكومي للسلع والخدمات نتيجة للإجراءات التقشفية وسياسات الإصلاح المختلفة، بالإضافة إلى تراجع مستوى الخدمات الحكومية التي تقدم للمواطنين، كل ذلك يشكل مقدمة لتراجع مستوى معيشة المواطنين بمن فيهم الطبقة الوسطى التي يتضاءل حجمها بفعل هذه الإجراءات.
ولفت أبو حمور إلى أن معدلات النمو الاقتصادي خلال العقد الأخير كانت تقل عن معدل النمو السكاني ما يعني تراجع مستوى المعيشة بشكل واضح، وتزايد نسب البطالة، مبينا أن هذه الظاهرة تعمقت نتيجة لتفشي وباء كورونا الذي تسبب بإغلاقات طالت العديد من القطاعات الاقتصادية وتسببت بفقدان الكثير من الوظائف ومصادر الرزق لفئات واسعة من المواطنين.
وأشار إلى أن بعض السياسات الضريبية التي تم اتباعها خلال فترات ماضية أدت إلى تراجع القدرة الشرائية لكثير من أفراد الطبقة الوسطى، وتسببت بمزيد من الضغوط على الخدمات الأساسية التي تقدمها الحكومة للمواطنين، مؤكدا ضرورة أن تتراف السياسات الإصلاحية التي يتم اتخاذها مع إجراءات وبرامج تساهم في التخفيف من آثارها السلبية على مختلف فئات المجتمع.
وذكر أنه رغم عدم توفر بيانات وإحصاءات تبين ما تعرضت له الطبقة الوسطى خلال العقد الأخير، إلا أن الظواهر المختلفة المتمثلة في ارتفاع نسب البطالة وتراجع نسب النمو الاقتصادي لمستويات متواضعة والآثار المترتبة على جائحة كورونا تؤكد أن هناك تراجعا في حجم هذه الطبقة، مبينا أن هذا لا يعني أنها اختفت وإنما تضاءل حجمها. ودعا أبو حمور إلى العمل على تبني مجموعة من السياسات التي تعيد الاقتصاد الوطني إلى مساره الصحيح وتساهم في توسيع شريحة الطبقة الوسطى وتحسين الظروف المعيشية لمختلف الشرائح الاجتماعية، ومن الضروري أن تشكل هذه السياسات استراتيجية تنموية وحزمة متكاملة مؤطرة زمنياً ووفق مؤشرات واضحة وقابلة للقياس.
كما دعا إلى العمل على تعزيز وتحفيز القطاعات الإنتاجية في إطار سياسة جاذبة ومحفزة للاستثمارات، وبما يساهم في توليد فرص العمل اللائقة، وتوفير الظروف الملائمة لنمو وتعزيز المشاريع الصغيرة والمتوسطة، والعمل على تخفيض كلف الإنتاج.
وطالب أبو حمور بالعمل على هيكلة العبء الضريبي بما يؤدي لتنشيط الأسواق وتخفيف الأعباء عن المواطنين، وتحسين مستوى الخدمات الأساسية بما في ذلك التعليم والصحة والنقل وتمكين المواطنين من الحصول عليها بكلفة معقولة وبجودة ملائمة.