كيف تطبق روسيا في أوكرانيا ما جربته في سوريا؟
جو 24 :
يتابع السوري أحمد راكان من خيمة بالجيب الذي تسيطر عليه المعارضة في بلاده، أنباء الحملة العسكرية الروسية في أوكرانيا، وذلك بعد عامين على تدمير منزله بغارة جوية روسية في هجوم شنه الجيش السوري بدعم عسكري من موسكو، مما أجبره وآلاف السوريين على مغادرة الديار.
وفي رسالة وجهها إلى المدنيين الأوكرانيين الذين يتعرضون حاليا للقصف الروسي، قال راكان: "نحن نشعر أكثر من أي شخص آخر بألمكم".
فعلى مدار 7 سنوات، عايش سوريون مثل راكان قوة روسيا العسكرية مباشرة، عندما كانت تضرب معاقل المعارضة، وتتوسط في صفقات استسلام جماعية، وتنشر الشرطة العسكرية في أنحاء سوريا.
الحرب النفسية .. الذراع الخفية للصراعات
ويقول مراقبون إن التدخل العسكري الروسي في سوريا، شجع الرئيس الروسي فلاديمير بوتن ومنحه موطئ قدم في الشرق الأوسط، مكنه من تأكيد القوة العسكرية الروسية، ومهد الطريق لغزو أوكرانيا.
ويقول إبراهيم حميدي، الصحفي السوري والمحرر الدبلوماسي للشؤون السورية بصحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية: "مما لا شك فيه أن تدخل روسيا في أوكرانيا جاء نتيجة تراكم سلسلة من التدخلات العسكرية لموسكو في جورجيا عام 2008، وشبه جزيرة القرم عام 2014 وسوريا في 2015. بوتن يعتقد أن دور أميركا يتراجع ودور الصين يتزايد، وأن أوروبا منقسمة ومنشغلة بمخاوفها الداخلية، لذلك قرر التدخل".
عندما قررت روسيا عام 2015 الانضمام إلى الحرب في سوريا، كان ذلك أول عمل عسكري لها خارج الاتحاد السوفيتي السابق منذ انهياره، وهي العملية التي حولت دفة الحرب لصالح الرئيس السوري بشار الأسد، مما مكنه من إعادة فرض سيطرته على مناطق كثيرة من البلاد.
المنهج الروسي
وتقول آنا بورشيفسكايا الزميلة بمعهد واشنطن، إن روسيا استخدمت منهجا "متعدد النطاقات" في سوريا، يشمل أسلحة دقيقة بعيدة المدى وحملات قصف واسعة، إلى جانب الحرب الإلكترونية والإعلامية، ونشر قوات شبه عسكرية.
وتضيف أن استخدام القوة الجوية "بات محددا لأسلوب روسيا المتطور في الحروب، وتعد سوريا مثالا خاصا على هذا التطور".
وأظهرت موسكو أيضا حصافة دبلوماسية في سوريا، حيث وضعت ترتيبات مع الغرب فرضت قبولا ضمنيا لتدخلها. فشكلت دوريات مشتركة مع تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو) التي كانت من داعمي المعارضة السورية، بهدف ضمان استمرار الهدنة في بعض المناطق.
كما أبرمت اتفاقات مع إسرائيل سمحت بتنفيذ ضربات جوية ضد أهداف على صلة بإيران في سوريا، وحددت "خط عدم التضارب مع أميركا"، لمنع وقوع صدامات بين الطائرات الأميركية والروسية في الأجواء السورية.
القوة الناعمة
وفي الداخل السوري، أطلقت روسيا حملة "القوة الناعمة"، فأقامت مهرجانات لنشر الثقافة الروسية، وبثت الأناشيد الوطنية الروسية على شاشات التلفزيون السوري، وقدمت وجبات ساخنة للمواطنين.
ويشير "ماكس"، وهو سوري أوكراني مزدوج الجنسية ينحدر من محافظة اللاذقية، إلى أنه عمل لمدة أسبوع على وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الحقيقة حول إجراءات "القوة الناعمة" الروسية في سوريا، مع غيره من السوريين الناطقين بالروسية من مكتب في إحدى الجامعات.
وقال إنه شعر بالامتنان مع آخرين في مسقط رأسه عندما تدخلت روسيا عسكريا عام 2015، خاصة مع اقتراب المتطرفين من منطقته.
وقال لوكالة "أسوشيتد برس" في مكالمة هاتفية من أوكرانيا، حيث هو عالق الآن في كييف: "ثم جاء الروس ودفعت الخطوط الأمامية إلى الوراء".
ويعمل ماكس حاليا في منظمة دولية في لبنان، وقد سافر إلى أوكرانيا لتحديث وثائقه الشخصية فعلق هناك بسبب الغزو الروسي، وتحدث شريطة عدم استخدام اسمه الكامل خوفا على سلامته.
والآن لم يعد ماكس يؤمن بالرواية الروسية أو يصدقها، إلا أن الكثيرين في مسقط رأسه بسوريا يدعمون روسيا في حربها ضد أوكرانيا.
وتثير الصور القادمة من أوكرانيا، ومنها صور الفرار الجماعي للمدنيين المروعين، مشاعر متضاربة بين السوريين، إذ يتصاعد الاستياء في إدلب شمال غربي سوريا، وهو آخر معقل تسيطر عليه المعارضة، حيث تستمر الضربات الجوية الروسية حتى الآن.
وفي بيان صدر يوم الاثنين، دان الدفاع المدني المعارض المعروف باسم "الخوذ البيضاء"، الغزو الروسي لأوكرانيا، قائلا: "من المؤلم للغاية أن نعلم أن الأسلحة التي تم اختبارها على السوريين ستستخدم الآن ضد المدنيين الأوكرانيين"، كما عبر عن أسفه لنقص دعم المجتمع الدولي لمحاسبة روسيا على تصرفاتها، سواء في سوريا أو غيرها من الدول.
وقالت بورشيفسكايا إن الدرس الذي خرج به بوتن من سوريا هو أن "الغرب لن يعارض تدخلاته العسكرية".
ونقلت "أسوشيتد برس" عن بورشيفسكايا قولها: "الشهية تأتي مع الأكل، ومع كل تدخل يصبح بوتن أكثر جرأة، وبلغت جرأته ذروتها في المأساة التي نشهدها الآن في أوكرانيا. وكما أن ما حدث في سوريا لم ينته في سوريا، فإن ما يحدث في أوكرانيا لن ينتهي في أوكرانيا".
سكاي نيوز