المشهد السياسي السوري يؤجج الصراعات بين حزب الله والسلفية الجهادية
خاص- معاذ أبو الهيجاء - انشغلت الأوساط السياسية والإعلامية اللبنانية في الآونة الأخيرة بما سمي اكتشاف شبكة تكفيرية داخل الجيش اللبناني كانت تخطط لتفجيرات في ثكنات عسكرية، ومن ضمن أعضائها تلميذ ضابط ورقيب، اتهما باعتناق الفكر السلفي التكفيري وبالاتصال عبر الإنترنت مع كتائب عبد الله عزام، وهي جماعة سلفية تابعة لتنظيم القاعدة، ولها خلية ناشطة في مخيم عين الحلوة وقائدها يدعى توفيق طه الملقب بأبي محمد.
هذا المعطى الجديد مهد لضغوط كبيرة على التنظيمات الفلسطينية في المخيم لتسليم قائد المجموعة وإلا تعرض لسيناريو شبيه بما حدث في مخيم نهر البارد عام 2007، وتعهدت المنظمات المختلفة بضمان تسليم طه نفسه، واتجهت الأنظار إلى حركة فتح صاحبة القوة الأكبر في المخيم وإلى عصبة الأنصار الحركة السلفية الناشطة منذ سنوات عدة والمتهمة سابقاً بتدبير اغتيال زعيم جماعة الأحباش في لبنان نزار الحلبي عام 1996.
لكن هذا الاتهام وجه باعتراض قوي من نواب محسوبين على تيار المستقبل، وهم أساساً أعضاء سابقون في الجماعة الإسلامية (الإخوان المسلمون) كالنائب خالد ظاهر، كما شكك آخرون بصدقية الاتهامات مثل النائب الدرزي مروان حمادة.
فهل هذه الاتهامات حقيقية بالنظر إلى المواقف السابقة لكتائب عبد الله عزام وتصرفاتها في لبنان منذ ظهورها الميداني أواخر عام 2009؟
إن الكتائب المذكورة وبالنظر إلى بياناتها الصادرة منذ ذلك الوقت والتي تناولت فيه الشأنين اللبناني والسوري، تختلف في أسلوبها والمنهج عن جماعة فتح الإسلام مثلاً التي ظهرت عقب حرب تموز في لبنان، والتي شنت الحملة تلو الأخرى على تيار المستقبل، وتجنبت الصدام مع حزب الله، إذ إن خطاب كتائب عزام على العكس من ذلك تشن الحملات على إيران وحزب الله، وتتجنب الصدام مع تيار المستقبل، كما أعلنت عدم رغبتها الصدام مع أحد في الداخل وحصر معركتها مع اليهود، وقامت بإطلاق بضعة صواريخ نحو فلسطين المحتلة في أوقات مختلفة. وفي الشأن السوري، طالبت الجماعة المذكورة بوقف كل العمليات حتى ضد إسرائيل من أجل عدم التشويش على الثورة السورية، كي لا يستغلها بشار الأسد في حملته الدعائية ضد المعارضة.
من أجل ذلك، فإن اتهام هذه الجماعة تحديداً بتدبير عملية كبرى ضد الجيش اللبناني تناقض تماماً كل بيانات الجماعة وفلسفة العمل لديها، في حين أن عملية كهذه ستلفت الأنظار لما يجري في سوريا وستحرف المسار لتؤجج صراعاً بين الأنظمة في المنطقة وبين الإرهاب، ومن الدلائل الملموسة على شبهة التآمر، أن المحكمة العسكرية وبعد التحقيق مع العسكريين السلفيين، أطلقت سراحهما، فتدخل مفوض الحكومة لدى المحكمة وطلب استئناف الحكم والاستمرار في اعتقالهما، ريثما ينتهي التحقيق، علماً أن التهمة خطيرة جداً ولم يكن ينبغي التساهل في إطلاقهما على ذمة التحقيق!
اتهام كتائب عبد الله العزام باختراقه للجيش اللبناني، وتخطيطه لتنفيذ عمليات داخلية في لبنان جعل كتائب عبد الله العزام تدخل معركة تكسير العظم مع حزب الله، فأنزل بيانه الأول والذي يعد -الأول من نوعه- ليوضح موقفه من حزب الله، والثورة السورية، واستراتيجية العمل الذي تنتهجها الجماعة.
بدء المعركة:
أول من نشر الخبر هي صحيفة الاخبار المؤيدة لحزب الله، والتي تدور في فلكه، ويرى محللون أن توقيت نشر الخبر له علاقة بالوضع في سوريا و الداخل اللبناني و يريد حزب الله تحقيق مسائل عديدة أبرزها احتواء السنة في لبنان وتحييدهم عن دعم الثورة السورية، وقمع التنظيمات الجهادية التي بدأت بالعمل على دعم الثورة السورية بالسلاح والمشاركة الفعلية فيها.
تنظيم كتائب عبد الله العزام أنكر الخبر برمته وأصدر بيانا نشرته المواقع السلفية الجهادية في منتدياتها البيان يحمل اسم " رد افتراءات مديرية المخابرات ( الجزء الأول) و كشف البيان معلومات مهمة حول الوضع في اللبنان وصراع حزب الله مع القوى البنانية الأخرى.
وأنكرت كتائب عبد الله العزام في بيانها وجود هذه الخلية ودعت أهالي المعتقلين أن يرفعوا قضايا أمام القضاء اللبناني لإخراج أبنائهم من السجون متهمين أن حزب الله حرك بعض عناصر الجيش التابعة للحديث عن هذه الخلايا.
وحوى البيان" كالعادة" تصعيد طائفي شديد اللهجة، تجاه حزب الله وتصوير المعركة على انها بين أهل السنة وبين حزب الله الشيعي، في اشارة لأهل السنة للوقوف معهم وتأييدهم فقال " فواجب عل ى كل المنتسبين إلى أهل السنة في المؤسسات العسكرية؛ يوجبه الشرع الإلهي، ويوجبه الشرف، وتوجبه الإنسانية والفطرة؛ أن يعزموا ويبادروا إلى ترك المؤسسات العسكرية بكل أنواعها ما دامت مسخَّرة لقمع أهلهم، وتحقيق مصالح الشيعة القائمة على العلو على أهل السنة، وما دامت تضفي شكلا قانونيا زائفًا على هذه الحرب الإجرامية على أهل السنة".
ويتحدث البيان عن استراتيجية كتائب حزب الله حيث يقول " إنه من البيِّن لكل من لم يؤجِّر عقله لوسائل الإعلام التابعة للحزب وحلفائه؛ أننا في كتائب عبد الله عزام عندنا إستراتيجية عمل واضحة، تقوم على أننا ننأى بأنفسنا عن الصراعات السياسية الحزبية، وأن ولاءنا يخلص لله تعالى ثم لأهلنا أهل السنة، فضَبَط عملَنا أمران مجتمعان: أن يكون مأذونًا به شرعًا، وأن يكون محقِّقًا لمصالح أهل السنة، وأما ما وجد فيه أحد الأمرين دون الآخر أو انتفيا عنه جميعًا؛ فإننا لا نفكِّر فيه ولا نقدم عليه. وهذا ما جعلنا نحصر أعمالنا العسكرية في ضرب اليهود في فلسطين المحتلة، ونحن ما كنا لنعلِّق العمل على اليهود رعاية للثورة السورية المباركة، ثم نخطِّط لاستهداف الجيش اللبناني وثكناته، مخالفين إستراتيجيتنا العسكرية الواضحة التي نسير فيها، ومُقدِمِين على ما يصنع جوًّا ملائمًا لمن ساءهم الجهود المبذولة من قبل المشايخ وشباب أهل السنة لنصرة الثورة السورية؛ حتى يضيِّقوا عليهم، ويشغلوا اللبنانيين عن نصرة أهلهم في سورية.
وهدد البيان حزب الله إن لم يكف عن نشر الأكاذيب حوله ويقصد " الخلية الإرهابية في الجيش اللبناني" فإنه سوف يكشف العروض التي قدمها حزب الله له و قد ذكر البيان تلك العروض وهي: العمل على ضرب أهداف مباشرة في لبنان، مقابل المال والخدمات، كذلك عرض عليهم اغتيال زعيم الدروز في لبنان النائب وليد جنبلاط مقابل إطلاق بعض قيادات المجاهدين من سجون النظام السوري.
حزب الله يسعى بكل قوته الآن إلى احتواء لبنان وتحييدها تماما عن دعم الانتفاضة السورية ضد نظام الاسد الداعم الرئيسي له، فكان لابد من البدء بضرب القوى المختلفة المؤيدة للثورة السورية، والتي تعتبر عناصر القاعدة أبرزها وأكثرها حيوية بسبب عملها المباشر في دعم الجيش السوري الحر، وتهريب عناصرها للداخلي السوري للقيام بأعمال مسلحة تؤيدي إلى التسريع بإسقاط النظام.
بقي أن نقول أن هذا البيان الذي اصدرته كتائب عبد الله العزام حضي بتعتيم اعلامي كبير في الاوسط الاعلامية اللبنانية، وهو الجزء الأول، وفيه اشاره أو رسالة لحزب الله أن كتائب عبد الله سوف تكشف المزيد من المعلومات التي بحوزتها إن استمر حزب الله في الهجوم عليها وايهام المجتمع اللبناني ومنه "أهل السنة" أن هناك خطر ارهابي وهناك سلفييون، لذلك من المتوقع أن تصدر كتائب عبد الله العزام بيانها الثاني إن لم يهدئ حزب الله اللعبة مع السلفية الجهادية.