استغلال العمل الخيري... تربح عبر آلام المرضى ونصب على المتبرعين بالأردن
جو 24 :
يستغل محتالون شهر رمضان، لجمع تبرعات ومساعدات بشكل غير قانوني من داخل الأردن وخارجه، تنتهي إلى جيوبهم، عبر انتحال صفة عاملين بجمعيات خيرية، أو استغلالٍ تقارير طبية لمرضى ومحتاجين وأيتام يعانون أوضاعا معيشية صعبة.
- يحجم العشريني الأردني عبود المنصوري، المصاب بورم سرطاني في عينه عن منح تقاريره الطبية التي تثبت حاجته لعملية زراعة عين اصطناعية لأي جهة تزعم أنها ستقوم بمساعدته عبر تأمين تكاليف العملية بواسطة متبرعين، بعد ما خاض مواقف متكررة اكتشف من خلالها استغلال محتالين لتقارير المرضى، من أجل جمع التبرعات تحت ذريعة مساعدتهم، دون أن يتسلموا شيء، إذ تواصل معه هاتفيا في فبراير/شباط الماضي شخص عرف نفسه بأنه موظف في جمعية خيرية محلية زاعما أن مؤسسته ستتكفل بإيجاد متبرع بتكاليف عمليته مع ضرورة إرسال كافة تقاريره، وبالفعل، تعلق المنصوري بهذا الأمل للتخلص من آلامه، لكن ما حصل بعد 3 أيام كان "صادما" على حد تعبيره، إذ فوجئ بأن الرقم لم يعد يعمل، وقد تم حظره على تطبيق الواتساب، وما أكد نظرية الاحتيال أن ذلك المتصل طلب من المنصوري تزويده بأرقام مرضى آخرين زاعما أنه يريد مساعدتهم.
ولم يقف الأمر عند ذلك، إذ اقتحم شخص عرف على نفسه بأبو محمد، قسم أمراض الدم والأورام في مدينة الحسين الطبية (تابعة للخدمات الطبية الملكية) في 15 إبريل/نيسان 2022، مستغلا شهر رمضان، كما يقول المنصوري والذي كان يخضع لجلسة تلقي جرعة العلاج الكيميائي، وأشهر ورقة يدّعي أنها إثبات لوجود الجمعية الخيرية التي يعمل تحت مظلتها، وجال بين المرضى وعرض عليهم أخذ تقاريرهم الطبية، والتقاط صور لهم لعرضها على فاعلي الخير في الشهر المبارك من أجل جمع تبرعات لمساعدتهم في شراء الأدوية، وتأمين المواصلات، وتكاليف عمليات جراحية لمن يحتاج، إلا أن المنصوري كان حذرا هذه المرة ورفض تصويره ورفض منحه أي تقارير وواجهه بأنهم غير مخولين بجمع التبرعات، ليرد أبو محمد بقوله "نحاول طالما نحن في الشهر الفضيل"، وانسحب بعد أن هدده المنصوري باستدعاء أمن المشفى، خاصة أن دخوله إلى أقسام المرضى ممنوع.
استغلال المرضى والمحتاجين
ما تعرض له المنصوري من استغلال لحالته من قبل محتالين لجمع التبرعات، ظاهرة يؤكد وجودها الدكتور عاصم منصور، مدير مركز الحسين للسرطان في عمّان، والذي يرصد بدوره نشاطا لأشخاص يدّعون أنهم مرضى بالسرطان ويقصدون الجهات الخيرية لطلب تبرعات، ويعرضون تقارير مزورة، و"بعضهم يُقدم للجهات المتبرعة تقارير أصلية صادرة عن مركز الحسين كانت لمرضى أتم الله شفاءهم"، مشيرا إلى أنه واجه بشكل مباشر شخصا عند باب مسجد وبيده تقرير يحمل شعار المركز وتوقيعا مزورا له شخصيا، ولدى كشف أمره هرب من المكان.
ويؤكد المنصوري أنه يشهد وجود هؤلاء الأشخاص في المسجد كثيرا، وبعد أدائه الصلاة في أحد مساجد جرش بداية شهر رمضان الحالي، وقف بين المصلين رجل عرّف نفسه بأنه فاعل خير، وطلب تزويده بتقارير مرضى يعرفونهم، لجمع تبرعات لصالحهم "من أجل تأمين دوائهم ومواصلاتهم إلى جلسات غسل الكلى أو العلاج الكيميائي"، وفق قوله، لكنه لم يكن يتبع لأي جمعية قانونية ومرخص لها جمع التبرعات.
وسهلت وسائل التواصل الاجتماعي على المحتالين الوصول لأكبر عدد من المتبرعين، إذ يتم استغلالها بعرض صور ووثائق تبدو للشخص غير الخبير أو غير المعني بالتدقيق بأنها صحيحة، لذلك أصبح توظيف التقارير الطبية أمرا فعالا لجمع التبرعات، بحسب منصور الذي يرصد الأمر، مشيرا إلى حالة سيدة أردنية تمكنت بواسطة تقرير مزور من جمع تبرعات من داخل الأردن وخارجه، كما تكفلت إحدى الجهات بتغطية تكاليف أدائها للعمرة، ولدى اطلاع منصور على التقرير الذي كانت تراسل به الجهات الخيرية تبين أنه مزور وأنها لا تعاني من المرض، مشيرا إلى أن المركز اطلع أيضا على 3 حالات لمرضى سرطان يزعمون أنه لا يوجد لديهم تغطية مالية لنفقات علاجهم ومنعوا من دخول أي مشفى ويحتاجون التبرعات، علما أن جميع مرضى السرطان في الأردن تتم تغطية نفقات علاجهم من قبل الحكومة في أحد مشافي الصحة أو في مركز الحسين للسرطان.
وبذات الطريقة يُستغل أمر الأيتام، إذ استوقف شاب معدة التحقيق في العشرين من رمضان على باب أحد المتاجر المعروفة، ليعرض عليها التبرع لمجموعة من الأيتام، ولم يكن يرتدي أي لباس يشير إلى الجهة التي يتبع لها، ولدى سؤاله عن الجهة القائمة على جمع التبرعات تلك وكيف ستصل التبرعات للأيتام، قال بداية إنه "غير مصرح له الإجابة على هذه التساؤلات"، ثم انسحب من أمام المتجر وما لبث أن توارى عن الأنظار.
ويحذر الناطق الإعلامي باسم وزارة التنمية الاجتماعية أشرف خريس من التجاوب مع أي جهة تدّعي أنها تجمع التبرعات إلا بعد التأكد من وجود موافقة وزارة التنمية الاجتماعية على حملة التبرع لضمان إيصال التبرعات إلى المحتاجين، وعلى الجهة التي تجمع التبرعات إظهار رقم الموافقة وتاريخها، ومدة الحملة ونطاقها واسم الجمعية، ووسيلة الجمع ويشمل ذلك الحملات الإعلانية بأية وسيلة نشر، مشيرا إلى أن أي حملة تبرع قانونية يجب أن تحصل على تصريح لجمع التبرعات، ويحق للمتبرع الحصول على سند قبض بتبرعه مختوم بختم وتوقيع مديرية التنمية الاجتماعية المختصة، استنادا إلى نظام جمع التبرعات للوجوه الخيرية رقم 1 لعام 1957، مؤكدا أن الوزارة بدأت قبل شهر رمضان بتوعية المتبرعين لذلك نظرا لازدياد حالات جمع التبرعات بطرق غير قانونية في هذا الشهر.
وبالتوازي، تنتشر على فيسبوك وإنستغرام صفحات تحت مسمى جمع التبرعات، منها ما يستخدم اسم جهات خيرية معروفة تختص بمساعدة المحتاجين والفقراء، ومثال على ذلك صفحة مزورة باسم "تكية أم علي" على فيسبوك، والتكية هي منظمة غير حكومية لتوفير الإعانات الإنسانية للفقراء عبر التبرعات من الأردن وخارجها، تم استخدام اسمها لجمع التبرعات بشكل غير قانوني وفق ما جاء في تحذير صادر عنها بتاريخ 10 مارس/آذار الماضي مؤكدا وجود صفحات مزورة تجمع التبرعات بطريقة غير قانونية، ورصد "العربي الجديد" عبر المجموعات المغلقة على فيسبوك منشورات تستعطف الناس لجمع تبرعات من أجل تأمين وجبات طعام الإفطار أو ملابس لأسر محتاجة، بعضها يتضمن أرقام حسابات بنكية أو رقما هاتفيا للاتصال.
ما هو حجم الظاهرة؟
نظرت المحاكم الأردنية في 154 قضية جمع تبرعات بصورة غير قانونية أو استنادا إلى ادعاءات كاذبة بين عامي 2005 و2021 بحسب محرك البحث القانوني "قسطاس"، وتندرج جريمة جمع التبرعات بشكل غير قانوني ضمن فئة الجرائم التي تقع على الأموال والتي بلغ عددها 13.980 جريمة عام 2021، وكانت العام الماضي 14.649 جريمة، وكانت أعلى عام 2019 بعدد 18.459 جريمة، بينما كانت 16.661 عام 2018، وبلغ عددها 14.529 جريمة في 2017، بحسب التقرير الإحصائي الجنائي لعام 2021، الصادر عن مديرية الأمن العام.
انتحال أسماء الجمعيات والشخصيات المعروفة للنصب على المتبرعين
ويوضح المحامي رعد غصاب عويس، والذي يعمل في مكتبه الخاص، أنه على الرغم من وجود تشريعات ناظمة لهذه الأنشطة وعلى رأسها الحصول على التصريح اللازم لهذه الغاية، إلا أن الحسابات الوهمية أصبحت وسيلة للتحايل على الناس، ويعتبر ذلك احتيالا قائما على الإيهام بحيث يجب ضبط القائمين على هذه الحسابات من قبل وحدة مكافحة الجرائم الإلكترونية في إدارة البحث الجنائي وإحالتهم إلى الجهات المختصة لمحاكمتهم على جرم الاحتيال وفقا لنص المادة 417 من قانون العقوبات رقم 16 لعام 1960، ويُعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة مالية تتراوح بين 100 و200 دينار (أي ما بين 141 و282 دولارا)، وفي حال كان جمع التبرعات بشكل مباشر دون استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يدان الشخص بجرم جمع التبرعات الخيرية استنادا إلى ادعاء كاذب خلافا للمادة 389 من قانون العقوبات، وذلك بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر لأول مرة، وفي حال التكرار للمرة الثانية يعاقب بالحبس بين ثلاثة أشهر وسنة، ومن أربعة أشهر إلى سنة إذا كان التكرار للمرة الثالثة فأكثر.
وتُجمع مصادر التحقيق على أن الشكاوى التي تحال إلى المدعي العام قليلة جدا بسبب صمت المتضررين، كما يؤكد الدكتور موسى رياشات، رئيس جمعية أصدقاء مرضى السرطان قائلا أنه تلقى شكاوى من مرضى تتاجر الجمعيات الخيرية بحالتهم للحصول على تبرعات كما تقوم بانتهاك خصوصياتهم، دون أن يصل إليهم شيء من تلك التبرعات، لكنهم رفضوا التقدم بشكوى رسمية خوفا من حرمانهم من أي تبرعات مستقبلا، بخاصة أنهم في أمسّ الحاجة.
ويُفضح أمر المحتالين جامعي التبرعات بشكل غير قانوني، إما بتقديم الضحية لشكوى وتجري الملاحقة القانونية، أو من خلال تتبع الجهات الأمنية للقائمين على الصفحات المخالفة، ورصد الحوالات المالية أيضا، إذ يتم تتبع نشاط من يتلقون حوالات مالية بشكل متكرر وبمبالغ عالية من داخل وخارج الأردن دون وجود مبرر اقتصادي، ويعد ذلك أحد أسباب التعميم على شركات تحويل الأموال في الأردن بتطبيق شروط حازمة لدى إرسال واستقبال الحوالات منذ عامين، من خلال التركيز على اسم المرسل والمرسل إليه وصلة القرابة وعدد الحوالات المرسلة إليه والمبالغ المحولة، بسبب تصاعد حالات التحايل على المواطنين، وفقا لموظف في شركة صرافة وتحويل أموال رفض الإفصاح عن اسمه كونه غير مخول بالتصريح للإعلام.
نصب على المتبرعين
فوجئت إدارة جمعية التكافل الخيرية المسجلة لدى وزارة التنمية الاجتماعية وتختص بتقديم المساعدات النقدية والعينية، باتصال من شخص سعودي يدعى يوسف بن يعقوب، في يوليو/تموز عام 2017، يطالبهم بإيداع شيك بنكي صادر عن بنك الإسكان بقيمة 50 ألف دولار، مدعيا أنه محرر باسم الجمعية كمكافأة له على تبرعه لها كما وعده موظفان تواصلا معه، لتجد إدارة الجمعية بعد البحث أن شخصين انتحلا صفة عاملين بالجمعية وجمعا تبرعات لمشاريع إغاثية ولمساعدة المحتاجين، وتلقيا مبالغ مالية من داخل الأردن وخارجه عبر شركات التحويل، بعد أن أوهما الضحايا بأن الجمعية ستكافئ المتبرعين بمبالغ مالية من الأميرة سحاب بنت عبدالله آل سعود، وأرسلا شيكات مزورة باسم الجمعية، وبناء على ذلك قدمت الجمعية الشكوى التي أحيلت إلى القضاء وأدين المتورطان بالاحتيال بالاشتراك، والتزوير في أوراق خاصة، واستعمال مزور، بحسب ملف القضية البدائية الجزائية رقم 2017/370، الذي اطلعت عليه "العربي الجديد" عبر"قسطاس".
التكافل
ويؤكد مدير جمعية التكافل الخيرية، خالد موسى النواصرة، أن الأمر يتكرر، إذ تمّ انتحال اسم الجمعية وشعارها أكثر من مرة من قبل مواطنين في الأردن وخارجه لجمع التبرعات، عبر إنشاء صفحة على فيسبوك، ثم التواصل مع المتبرعين من خلال التطبيقات المختلفة، واتساب وماسنجر والرسائل النصية، ومن ضمن أساليبهم أيضا الطلب من المتبرعين إرسال معلوماتهم الخاصة، وأرقام حساباتهم البنكية والأرقام السرية للسطو على ما فيها بحجة أنهم سيقتطعون قيمة التبرع فقط، وفي حالات أخرى لجأ المنتحلون إلى الطلب من المتبرعين بإرسال حوالات إلى حسابات شخصية ولم يكن حسابا باسم الجمعية لكن جهل الناس مع استمالة عواطفهم يدفعهم إلى الاستجابة للمحتالين.
ومن خلال البحث في القضايا المنشورة على قسطاس، وجدت "العربي الجديد" أن المحاكم الأردنية نظرت في 1877 قضية بين عامي 2015 و2021 متعلقة بانتحال صفة أميرات خليجيات، وكان جمع التبرعات وتوزيع المعونات على المحتاجين واللاجئين في الأردن من الذرائع التي روج لها المحتالون عبر أسماء شيخات، مُوظِفين جميع الوسائل المتاحة للوصول إلى المتبرعين سواء عبر مكالمتهم هاتفيا أو التواصل بهم واتساب وعبر فيسبوك.
وتؤول المبالغ التي يجمعها المحتالون إلى جيوبهم، وفق النواصرة، وهو فعلا ما يؤكده ما جاء في ملف القضية السابقة بأن المحتالين أنشأوا صفحة على تويتر أيضا تحمل اسم الشيخة ذاتها وباتباع ذات الآلية وصل مجموع الحوالات التي استلموها عبر مكاتب التحويل إلى 2000 دينار (2821 دولارا) قبل أن يُفضح أمرهم.
(العربي الجديد - تالا أيوب)