لبنان الى اين..؟
شفيق عبيدات
جو 24 :
عدت قبل ايام قليلة من لبنان كنت زائرا وفي شوق للسنوت التي عشت فيها سواء سنوات الدراسة او سنوات العمل مسؤولا عن مكتب وكالة الانباء الاردنية في بيروت خلال الفترة ( 1977 – 1980 ) وشكلت هذه السنوات ذكرى جميلة في لبنان الجميل بشعبه وطبيعته الخلاقة واصالة الشعب اللبناني المضياف والكريم التي لا يزال يحملها حتى هذه الايام .
ولقد صدمت هذه المرة لما لمسته وشاهدته من ما لحق بلبنان وشعبه من صعوبات في العيش والحياة القاسية التي يعيشها هذا الشعب من غلاء فاحش للأسعار وفقدان العديد من المواد الغذائية و الادوية وانقطاع دائم للتيار الكهربائي , حتى ان منطقة الروشة وشارع الحمراء الذين كانا ينبضا بالحياة ليلا ونهارا لا تتوفر في شوارعهما الكهرباء في الليل وتغلق غالبية المحال بعد غياب الشمس .
و يمر لبنان الشقيق هذه الايام بأزمات كثيرة تهدد كيانه ومستقبله , على راسها الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تسببت بتدهور الليرة اللبنانية وعصفت بكل وسائل الانتاج الصناعي والزراعي , الى تزايد النبرة الطائفية وتغول بعض زعماء الطوائف والاحزاب على الحكومة ومحاولة عرقلة الاصلاحات التي قررت الحكومة تنفيذها لمعالجة الاختلالات الاقتصادية والمالية التي ادت الى تدهور كل وسائل الحياة في هذا البلد المنكوب .
لقد طالب ابناء الشعب اللبناني في بدايات الثورة التي انطلقت في نهايات عام 2019 بمحاسبة كل الذين اوصلوا هذا الشعب وهذا البلد الى ما هو عليه واسترداد المال المنهوب من الفاسدين , وكانت الثورة في بدايتها شعبية نظيفة طالبت بإلغاء الطائفية ايضا ورفعت شعارات تضامنية من كل ابناء الشعب اللبناني و بتشكيل حكومة محايدة تحقق تطلعات ومطالب الشعب اللبناني الا ان هذه الثورة تحولت اخيرا الى محاصصة طائفية استغلها زعماء الطوائف والاحزاب لمصالحهم الخاصة واخذت منحى خطيرا ترجم في صراع المتظاهرين في شوارع المدن اللبنانية وانقسمت الجماهير اللبنانية كل حسب طائفته او حزبه الذي ينتمي اليه ان التحريض الذي يمارسه زعماء بعض الطوائف او الاحزاب اكده رئيس الحكومة السابق حسان ذياب في تصريحاته الأخيرة (( بقوله ان بعض زعماء الاحزاب والطوائف يحرضون دولا عربية شقيقة وصديقة لمنع هذه الدول من مساعدة لبنان للتغلب على ازمته الاقتصادية والمالية التي تعصف به )) هذا ما قاله رئيس الحكومة اللبنانية الذي تأكد ان اتصالات بعض زعماء لبنان في دول لهم ارتباطات خارجية فيها يحرضون هذه الدول بعدم دعم لبنان لأهدافهم واغراضهم الخاصة , وغير عائبين بمصلحة وطنهم لبنان حتى ولو ادت هذه التصرفات الى تجويع الشعب اللبناني الذي اصبح 90 بالمئة منه تحت خط الفقر والعوز والمجاعة هذا ما نقلته عدد من محطات التلفزة اللبنانية في تقاريرها اليومية .
ان ما يجري في لبنان اسبابه مصالح محلية داخلية وهي مصالح ذاتية لعدد من قياداته السياسية وخارجية منها مواقف بعض الدول العربية التي ترفض دعم لبنان ومواقف بعض الدول الاجنبية التي تعاقب لبنان بحجة ان الحكومة اللبنانية لم تجري اصلاحات فكيف لحكومة محاصره من قبل بعض الاطراف والزعماء الذين يدفعون باتجاه زعزعة الامن وتحريض الشارع لعرقله الاجراءات التي تتخذها الحكومة .
ان من يستمع الى مطالب المتظاهرين في شوارع المدن اللبنانية اليوم اختلفت عن مطالبهم في بداية الثورة كما اسموها فكانت تلك المطالب تتلخص بإلغاء الطائفية ومحاسبة الفاسدين من زعماء لبنان وتشكيل حكومة مستقلة لا يشارك فيها اي زعيم و من يواليه في هذه الحكومة , واجراء الانتخابات برلمانية حرة نزيهة بعيدة عن المحاصصة الطائفية وتحسين الوضع المعيشي لا بناء الشعب اللبناني , الا ان بعض هذه المطالب اختفت و اصبحت شعارات الشارع اللبناني هي فقط الوضع المعيشي للبنانيين والاصلاح المالي والاقتصادي .
فلبنان لا يستحق ان يصل الى هذا الوضع المأساوي المتدهور وتخلي الدول العربية والعالم عنه , وعدم مساعدته للخروج من ازمته .../ لبنان الذي كنا نتغنى به ونسمي بيروت ( باريس العرب ) لبنان الذي كان وجهة للسياحة العربية والعالمية وكان دخله من السياحة يحقق العيش الكريم لا بناء شعبه .. لبنان الذي كان ملجأ للمعارضة العربية الهاربة من بلدانها ...لبنان ابو الديمقراطية والحريات الشخصية والاعلامية .. لبنان الذي كنا نتمتع بزيارته لان شعبه مضياف وكريم .. لماذا يترك يصارع ازماته الداخلية دون ان يقدم العرب له العون والمساعدة ليعود هذا البلد الى مكانته الجميلة , والى الماضي السعيد.