تصريحات الخصاونة.. وثبات في الفراغ و روح رافضة لسوداوية تخيم على الواقع
جو 24 :
كتب أحمد الحراسيس -
حالة من الريبة والشكّ تدخل نفوس الأردنيين كلّما اعتلى مسؤول حالم منبرا أو منصّة ووجّه خطابا عامّا للشعب؛ هل الحديث هنا عن الأردن الذي نعيش فيه؟ أم أن هناك أردن آخر لا نعرفه؟! كيف أصبح هذا مسؤولا عن حياة شعب لا يعرف عنه وعن معاناته شيئا؟! لماذا يظنّ المسؤول أن الشكوى من سوء الحال سوداوية تستهدف البلاد؟!
اليوم، خلال اطلاق رؤية التحديث الاقتصادي، أطلق رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة تصريحات صادمة جعلتنا نستشعر حجم انفصال الحكومة عن واقع معيشة الأردنيين، ولعلّ أبرزها قول الرئيس إن "لدينا بنية تحتية تقترب من مثيلاتها في الدول المتقدمة"، متجاهلا تدهور أوضاع البنية التحتية والقطاع الخدماتي بشكل عام في بلادنا.
صحيح أن لدينا شوارع وطرق، وشبكة كهرباء وصرف صحي ومياه، ولدينا مدارس وجامعات ومستشفيات، وهذه منجزات لسنا "سوداويين" لننكرها، لكنها متوفّرة في كلّ الدول، ومن المعيب أن لا تكون موجودة في دولة تحتفي بدخولها المئوية الثانية، أما السؤال الأهمّ اليوم فهو عن كفاءة هذه البنية، وهل فعلا تقترب من مثيلاتها في الدول المتقدمة؟!
يكفي الرئيس أن ينتقل بمركبته من عمان إلى المفرق، مثلا، أو إلى مناطق جنوب عمان، أو حتى شوارع عمان الداخلية ليلمس جودة الطرق، يكفي الرئيس أن يحاول استخدام المواصلات العامة لشهر حتى يكتشف سوء شبكة النقل العام لدينا، يكفيه أن يراجع مستشفيات القطاع العام ليلمس معاناة المواطنين فيها، يكفيه أن يزور المحافظات ومناطق شرق عمان ليرى أوضاع المدارس فيها ويعرف الحقيقة.
الأكيد أننا لا نحتاج لتذكير الرئيس بجودة شبكة الكهرباء، فالعاصفة الثلجية التي شهدتها البلاد في الربع الأول من العام الحالي كفيلة ببيان الحقيقة، الكهرباء انقطعت عن عدة مناطق في وسط المملكة -المنطقة الأكثر تنمية- لساعات طويلة بسبب عاصفة ثلجية اعتيادية!
كما لا نحتاج للحديث عن شبكة المياه أو حتى الصرف الصحي؛ شكاوى انقطاع المياه وعدم تزويد بعض المناطق بها تكاد لا تُحصى، ومازالت الكثير من المناطق دون صرف صحي..
لا نريد أن نكسر روح الرئيس السفسطائي كما يعتقد الرجل، لكننا نريد أن يكون واقعيا ليتغلّب على هذه المعيقات، ويعالج كلّ المشكلات.
الخصاونة، أكد خلال مداخلته أمام الملك على أن "أجمل أيام الأردنيين هي التي لم تأتِ بعد"، وأكد أيضا على مسؤولية القطاع الخاص في تحقيق آمال الأردنيين من خلال استيعاب أعداد المتعطلين عن العمل، لكن السؤال هنا؛ ماذا فعلت الحكومة للقطاع الخاص حتى يضطلع بمسؤولياته؟! الكلف ترتفع والحكومة تقاسم أصحاب العمل ليس في أرباحهم فقط، بل في رأس المال من خلال ضريبة المبيعات والرسوم الكثيرة التي تفرضها عليهم!
بدا لافتا، أيضا، إصرار الخصاونة على استخدام مصطلح "الوثب" لدى الحديث عن دخول الدولة مئويتها الثانية، ولا نعرف فيما إذا كان الرئيس يعتبر ما نشهده من غلاء مستمر وارتفاع في المديونية وتنامٍ في معدلات البطالة "وثبات" تستحق كلّ هذا الانفعال!
الرئيس اختتم كلمته بعبارة غريبة قال فيها "إن الحكومة ستخرج ببياض الوجه مع الملك، وستتخذ القرارات الصعبة المطلوبة لنتمكن من النهوض ويظلّ اقتصادنا منيعا ومستقبلنا مشرقا"، ليؤكد مرّة أخرى حجم انفصاله عن واقع الأردنيين الذين لم يعد أحدهم يحتمل أي قرار صعب، والحقيقة أننا لا نعرف كيف يكون النهوض بالاقتصاد بانهاك المواطن بدلا من تسهيل حياته.
كان الأصل بالخصاونة أن يقول إن الحكومة ستخرج ببياض الوجه مع الشعب، ليخرج الملك أيضا ببياض الوجه مع الأردنيين ويؤكد صوابية خياره، وهذا ما يريده الملك.
صحيح أن الرئيس الخصاونة بارع في الاستعراض ونسج العبارات، بغضّ النظر عن مضمونها وقيمتها، لكن براعته تلك لم تطفئ نار فضولنا لنعرف ما كان موجودا في النص المكتوب على الورق أمامه والذي فضّل الخروج عنه ليرتجل الكلمة ارتجالا.. فلعلّ المكتوب كان أفضل مما سمعناه..