jo24_banner
jo24_banner

الأردن : الواقع والتحديات المستقبلية.. ندوة المنتدى العالمي للوسطية

الأردن : الواقع والتحديات المستقبلية.. ندوة المنتدى العالمي للوسطية
جو 24 :


استضاف المنتدى العالمي للوسطية  الدكتور مروان المعشر في ندوة فكرية بعنوان " الأردن: الواقع والتحديات المستقبلية "، وفي بداية الندوة رحب المهندس مروان الفاعوري بالمحاضر والحضور وقال إن محاضرنا الكريم له من التجربة السياسية ما تجعله قادرا على تقديم رؤية استشرافية للواقع الاردني وما ينتظره مستقبلا في الميادين كافة.

وقال الدكتور مروان المعشر بعدما شكر المنتدى أمينا واعضاء على تنظيمهم للندوة، إنن لا أبالي إذا قلت ان الناس ملت من الحديث عن الإصلاح السياسي، وقال إن النظام السياسي الأردني لم يحسم أمره بعد في مسألة الإصلاح وان الإصلاح ما زال يصطدم بالحائط ، وقال.. ما زالت الأحزاب ضعيفة والتمويل لها ضعيف أيضا .

وقال.. نحن اليوم على مفترق طرق، فالطرق القديمة وأدواتها لاتصلح الآن ولم تعد السلطة التنفيذية تملك تلك الأدوات القادرة على الاصلاح.. فارتفعت المديونية وزادت البطالة وزاد الفقر، فحجم البطالة وصلت إلى 50% وعلى السلطة التحرك لضمان السلم الأهلي والاستقرار.

وقال اعتقد إن اللجنة الملكية تشير إلى وعي لدى الحكومة لمواجهة التحديات، لكن هل الأفعال تنسجم مع الأقوال، وقال لقد انتقلنا من هندسة الانتخابات الى هندسة الأحزاب فالأدوات القديمة مثل تدخل الأجهزة الأمنية والأموال لايمكن أن تحقق إصلاحاً سياسياً، لذا نحن بحاجة إلى عقد اجتماعي جديد أو ما يسمى بالميثاق الوطني الذي لو قنن لكان عقداً اجتماعياً لأنه اتفاق بين جميع مكونات المجتمع الأردني .

وفي نهاية الندوة التي حضرها عدد من الوزراء والنواب السابقين وامناء بعض الاحزاب وقادة المجتمع أجاب المحاضر على عدد من التساؤلات التي تناولت مفاصل عدة تتعلق بالواقع الاردني

 

وتالياً نص كلمة معالي الدكتور مروان المعشر :

ندوة المنتدى العالمي للوسطية

حزيران ٢٠٢٢

مروان المعشر

 

الاردن الواقع و التحديات المستقبلية

 

الاخوات و الاخوة الكرام

الشكر للاستاذ مروان الفاعوري و للمنتدى على استضافتي

 

لا ابالغ ان قلت ان الناس سأمت الحديث عن الاصلاح السياسي و الاقتصادي، بعد ان تكرر وضع العدد الهائل من الخطط المفترض فيها تحقيق ذلك الاصلاح المنشود ليتم بعدها وضعها على الرف ثم وضع خطط اخرى بعد سنين تمر لا يختلف مضمونها كثيرا عن تلك التي سبقتها. واقع الحال اليوم ان النظام السياسي الاردني، بكافة اذرعه و بخاصة التنفيذية منها، لم يحسم امره باتجاه تنفيذ الخطط الممتازة التي تم وضعها بكفاءة من اردنيين و اردنيات على مدى العقود الماضية. و لا زال الرأي السائد في السلطة التنفيذية ان كلفة الاصلاح عالية درجة القبول بالوضع القائم على علاته. تبعا لذلك، اصطدمت كافة الخطط الماضية بحائط مقاومة تنفيذها بشتى الوسائل، و وضع اللوم على كل شيء عدا السلطة التنفيذية نفسها، فالاحزاب ضعيفة، و الاخطار الخارجية لا تتيح لنا التقدم في العملية الاصلاحية، و البلد امكاناته ضعيفة و بحاجة للمساعدات الخارجية، و عدا ذلك من الحجج التي تمنع اعتماد نظم سياسية و اقتصادية جديدة تتيح للاردن الوقوف على قدميه سياسيا و اقتصاديا، كما فعلت قبله العديد من الدول التي اعتمدت ليس فقط على خطط ناجعة، و لكن ايضا على ارادة سياسية للتغلب على العقبات التي تقف في طريق تنفيذ هذه الخطط.

 

نحن اليوم على مفترق طرق، فالادوات القديمة لم تعد تصلح لادامة الاستقرار و السلم الاهلي، اضافة الى تحقيق الازدهار المنشود. فقد تعرضت الادوات الامنية و المالية التي استخدمت في الماضي لادامة السلم الاهلي الى هزات كبيرة بعد الثورات العربية و الاحتجاجات الاردنية عام ٢٠١١ و بعد انهيار اسعار النفط عام ٢٠١٤، و لم تعد السلطة التنفيذية تملك نفس القدر من هذه الادوات كما في الماضي، فاقم من ذلك ازمات متكررة مثل جائحة كورونا و الحرب الروسية الاوكرانية ما رفع معدلات البطالة و الدين و التضخم الى مستويات غير مسبوقة. فاذا ما اضفنا الى ذلك حجم فجوة الثقة اليوم بين المواطن و مؤسساته، بات من الواضح ان الوضع القائم، مع حجم البطالة بين الشباب الذي يقارب الخمسين بالمائة، يعني ان الدولة الاردنية عليها التحرك و بسرعة، و على كافة المجالات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية، لضمان السلم الاهلي و الاستقرار.

 

هل تعي الدولة الاردنية خطورة الوضع؟ اعتقد ان اللجنة الملكية التي شكلت العام الماضي لتحديث المنظومة السياسية، اضافة الى الخطة الاقتصادية التي اطلقت مؤخرا، و الجهود المبذولة لاطلاق خطة لتطوير القطاع العام، كلها دليل ان الدولة بدأت ان تعي ان عليها التحرك لمواجهة كافة هذه الاوضاع الصعبة. لكن السؤال اليوم هل ما يتم فعله كاف؟ و هل الارادة اليوم عند كافة اذرع السلطة التنفيذية قد تغيرت بحيث تبلورت قناعة بضرورة الانتقال لحياة حزبية نيابية حقيقية و اقتصاد معتمد على الذات و الكفاءة لا المحسوبية، اقتصاد يتعدى مفهوم الجباية و يؤسس لزيادة الانتاجية و المعالجة الحقيقية لمشكلة البطالة؟

 

لا يبدو لي الجواب واضحا حتى اليوم، لان الجواب الواضح يعتمد على الافعال و ليس على الاقوال و اطلاق النوايا الحسنة. و بالتحديد:

 

في المجال السياسي: بغض النظر عن الملاحظات العديدة التي رافقت تشكيل لجنة تحديث المنظومة السياسية، و بعض مخرجاتها، فان ترجمة هذه المخرجات لقوانين جديدة للاحزاب و الانتخاب خطوة تقدمت على مخرجات اللجان التي سبقتها، بما في ذلك لجنة الميثاق الوطني و الاجندة الوطنية، و هذا بذاته تطور ايجابي، و يجب تثمينه. و لكن الانتقال السلس و المتدرج من الوضع القائم اليوم الى نظام حزبي برلماني يتطلب رفع يد الدولة عن تشكيل الاحزاب. فلا يعقل ان ننتقل من هندسة الانتخابات الى هندسة الاحزاب، لأن عملية تطوير الاحزاب ان لم تكن عضوية تنبع من المجتمع بصورة متدرجة و ليس عن طريق تدخلات هنا و هناك لن تنجح في نهاية المطاف بخلق احزاب تعتمد على قواعد جماهيرية لاستدامتها و ليس على شيء اخر. مرة اخرى، ما هو مطلوب هو الجدية و التدرجية و عدم التدخل في انشاء الاحزاب الجديدة ان اردنا تجسير هوة الثقة و شعور المواطن ان صوته ممثل و مسموع. عدا ذلك، فان استخدام الادوات القديمة للتدخل في اقامة الاحزاب لن ينجح في حل المشكلات التي تواجهنا بل سيفاقمها.

 

في المجال الاقتصادي: علينا ان ندرك ان عصر الاعتماد على المساعدات الخارجيه في طريقه الى الافول، و ان ما نحصل عليه من دخل خارجي عن طريق المساعدات المباشرة او حوالات العاملين ليس بديلا عن بناء اقتصاد ذاتي يعتمد على تعظيم الانتاجية و زيادة فرص الاستثمارات الخارجية و تطوير قطاع عام يعتمد على الكفاءة و ليس على المحسوبية، قطاع يعي تماما ان مسؤولية الدولة توفير التعليم و الصحة مجانا للمواطنين، و لكن مسؤولية خلق الوظائف و زيادة فرص العمل تقع على عاتق القطاع الخاص، و ان مسؤولية القطاع العام هي توفير البيئة التشريعية الملائمة لذلك و مراقبة النشاطات الاقتصادية، و عدم وضع العراقيل امام القطاع الخاص كما هو الحال حاليا. لا تستطيع السلطة التنفيذية الاستمرار في كونها المشغل الرئيس للعمالة، و ان تعتمد الواسطة و المحسوبية في الكثير من الاحيان لفعل ذلك، و في نفس الوقت، فانها ايضا لا تستطيع ان تهمل طبقة كبيرة من المواطنين لم تحصل على التأهيل اللازم كي تعمل في القطاع الخاص، و من واجبها القيام بذلك.

 

من هنا تبرز اهمية الانتقال لنظم تعليمية جديدة. فالتعليم النوعي اساس لمستقبل زاهر للاردن، كما ان في غيابه دمار لمستقبل البلاد. علينا ان ندرك ان إصلاح التعليم ضرورة للبقاء و ليس ترفا فكريًا أو نخبويا أو مؤامرة خارجية. التعليم النوعي المطلوب ليس موجها ضد الدين أو الثقافة العربية و لا يجب ان يكون، بل هو انتقال نحو اعتماد إطار فكري جديد عماده قبول التعددية الفكرية ، و الإدراك ان في الاختلاف قوة و منعة و دفع باتجاه التجديد المستمر، فالإبداع و الانتاجية و فرص العمل لن تاتي بعد اليوم الا من خلال اطلاق حرية الفكر باتجاه قبول التعددية في الفكر و نمط الحياة، و تعليم النشء التفكير الناقد و التمحيص و اسس الحوار و البحث عن المعلومة و حرية التعبير، اما الإصرار على احادية الفكر و التصرف و الأنظمة الأبوية فهو عنوان الخمول و التقوقع في عالم متغير باستمرار. حان الوقت لتضافر الجهود و من كافة القوى الفكرية المجتمعية لوضع نظم تربوية جديدة لا تؤهل الجيل الجديد للعمل في القطاع الخاص فحسب، و لكن للتعامل مع تحديات الحياة المستجدة في عالم اصبحت وتيرة التغيير فيه اسرع بكثير من قبل.

 

و في المجال المجتمعي، فلا فرصة لتقدم اي مجتمع ما لم تشعر كافة مكوناته بالمساواة امام القانون، فعلا و ليس قولا، و بغض النظر عن الاصل او الدين او الجنس او الفكر او الحالة الاجتماعية. لا نستطيع ان نبقى اسرى لهواجس الماضي، و لا ان نستخدم الدين ذريعة لعدم مساواة المرأة بالرجل تشريعيا، و لو خارج موضوع الميراث. فما من وطن بني بسواعد جزء من مكوناته دون الاجزاء الاخرى.

 

و بالطبع، لا يكتمل الحديث عن التحديات التي تواجه الاردن بغير الحديث عن مستقبل القضية الفلسطينية و ما نشهده اليوم من اطروحات تحاول حل القضية على حساب الشعبين الاردني و الفلسطيني.

 

اسرائيل تعيش اليوم مأزقا حقيقيا، فالفلسطينيون باتوا اغلبية داخل المناطق التي تسيطر عليها، و الوضع الحالي غير قابل للاستمرار، خاصة و قد بدأت العديد من المنظمات الدولية بنعت اسرائيل بتطبيق نظام الفصل العنصري او الابرتهايد. اليمين الاسرائيلي لا يرغب باقامة دولة فلسطينية على التراب الفلسطيني، و يفعل كل ما في وسعه لتهجير الفلسطينيين من ارضهم و الاستيلاء على كامل الارض الفلسطينية و منع وجود اغلبية فلسطينية عليها، و لكنه لم ينجح في ذلك، فالصمود الفلسطيني على الارض الفلسطينية ماثل للجميع. اما اليسار الاسرائيلي، او ما تبقى منه، فلا يرغب في انهاء الحلم الصهيوني بدولة يهودية على ما يتيسر من ارض فلسطين، و لكنه يصطدم هو الاخر بحقيقة الغالبية الفلسطينية اليوم، و لذا يحاول التخلص من هذه الاغلبية عن طريق اقتراح بان تضم الى الاردن و مصر، او الطلب منهما ادارة هذه المناطق بعد ان يتم ضم القدس و المستوطنات و غور الاردن.

 

في مقابلة مع صحيفة هاآرتس عام ٢٠١٩، قالها المؤرخ الاسرائيلي الشهير بني موريس، و هو من اوائل من فضح بالتوثيق وجود خطة اسرائيلية لتهجير الفلسطينيين عام ١٩٤٨، و بكل صراحة. "لا اعرف كيف سنخرج من هذا المأزق. هناك اليوم عدد اكبر من العرب مقارنة باليهود بين البحر الابيض المتوسط و نهر الاردن. نحن نسير نحو دولة واحدة ذات اغلبية عربية، و هو وضع نحكم بموجبه شعبا محتلا دون حقوق. هذا وضع لن يسود في القرن الحادي و العشرين".

 

و طالما بقي مأزق الغالبية الفلسطينية شوكة في حلق اسرائيل، سيحاول العديد من الاسرائيليين اقتراح حلول "خلاقة"، تصب جميعها في اطار ترحيل المشكلة الى الاردن بشكل خاص، حتى لا تضطر اسرائيل للتعامل معها ضمن الحدود التي تسيطر عليها، و حتى لا يموت الحلم الصهيوني بدولة يهودية خالصة لدى كافة مكونات المجتمع الاسرائيلي، المتشددة منها كما الليبرالية على حد سواء.

 

ضمن اطار هذه السردية، يمكن لنا فهم المحاولات الاسرائيلية المتكررة حل القضية الفلسطينية على حساب الفلسطينيين و الاردن على حد سواء، و ايهام الناس ان مثل هذه الحلول تحظى بقبول اردني او فلسطيني. و لكن ما هو ليس مفهوما ان تتبنى هذه الحلول جهات عربية، سواء كانت من افراد او مدعومة من دول بعينها.

 

لقد شهدنا في الاونة الاخيرة مقالات من شخوص عربية، ممن لم يعرف عنهما تاريخ فكري او سياسي، يتم فيها اقتراح حلول لا تلبي التطلعات الوطنية الفلسطينية على الارض الفلسطينية، بل تقترح اشكالا تكاد تكون الاقرب لدولة فلسطينية خارج التراب الفلسطيني، او تحديدا على الارض الاردنية، و هو ما لا يقبل به فلسطيني او اردني، و لن يقبل.

 

لا تكمن المشكلة في المقالات نفسها، اذ انها كتبت من هواة في السياسة و بطروحات غارقة في التبسيط، و لكن المشكلة تكمن فيما اذا كانت هذه المقالات بمثابة بالونات اختبار من جهات رسمية عربية. فاذا كان الحال كذلك، و آمل ان لا يكون، يصبح السؤال مشروعا لمصلحة من عدا اسرائيل يكمن طرح هكذا مشاريع؟

 

مع هذا كله، و بغض النظر عن الجهات التي قد تقف وراء مثل هذه المقالات او لا تقف، فان واقع الحال يشير بوضوح الى ان الشعب الفلسطيني صامد على ارضه، و ان الفلسطينيين داخل الخط الاخضر كما اولئك تحت الاحتلال يشكلان معا، و بشكل اكثر توحدا من اي فترة سابقة، راس حربة ضد المشاريع الاسرائيلية العنصرية، و ان ما عجز السلاح و الدبلوماسية عن تحقيقه سيتم عن طريق الغالبية العددية المتزايدة.

 

ان الجدية العربية المطلوبة لدعم الجانب الفلسطيني يجب ان تتمثل بدعم صموده على الارض الفلسطينية، و ليس عن طريق اقتراح حلول تتماهى مع المصلحة الاسرائيلية في الاستيلاء على الارض الفلسطينية ومحاولة منع الفلسطينيين من تحقيق تطلعاتهم على ترابهم الوطني. اسرائيل اليوم في مأزق حقيقي و تاريخي، فلمصلحة من يحاول البعض اخراجها من هذا المأزق؟

 

و في النهاية، فما من شك ان الاردن يتعرض لضغوط داخلية و خارجية جمة، و لكن ما من شك لدي ان باستطاعتنا التغلب على كل هذه التحديات ان وجدت ارادة سياسية تنظر الى كافة مكونات المجتمع كشركاء لا خصوم، و ان تضافرت جهود كافة هذه المكونات مجتمعة، كما النظر الى بعضها البعض ايضا كشركاء لا خصوم. فصلابة الجبهة الداخلية من شأنها وضع الحلول لكافة تحدياتنا و تنفيذها، كما ان تفكك هذه الجبهة من شأنه الاتيان بعواقب وخيمة على مستقبلنا جميعا.

 

 

 

 


تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير