رفع أسعار الملابس يعصف بجيوب الأردنيين
منى شكري- وقع خبر رفع الرسوم الجمركية على الملابس المستوردة الى 20 % كالصاعقة على الأربعيني محمد موسى، الموظف في القطاع العام هو وزملاؤه في العمل، الذين تبادلوا الشكوى من "الغلاء المستفحل وضيق ذات اليد".
موسى الذي باع سيارته بعد رفع أسعار المحروقات لعدم قدرته على تعبئتها بالبنزين، ووجد التنقل بواسطة النقل العام حلا وسطيا، يقول بتهكم "السيارة بعتها أما الآن مع غلاء أسعار الملابس هل تنتظر مني الحكومة أن أبيع ملابسي وثياب أبنائي؟!".
"اليأس غلبني وأشعر بثقل على صدري"، هكذا يصف موسى حالته بعد سماعه الخبر، معلقا "من أين نصرف والمعاش الذي أتقاضاه لا يتجاوز 400 دينار وأنفق على عائلة وأسدد فواتير كهرباء وماء وأقساط المدارس في العلالي؟!".
قرار الحكومة رفع الرسوم الجمركية على الملابس المستوردة الى 20 % من سعر القطعة الإجمالي بعدما كانت 5 %، أثار غضب المواطنين والتجار على حد سواء.
رفع الدعم عن المحروقات.. ارتفاع تعرفة الكهرباء وما رافقهما من غلاء للسلع والاسعار، و"التمهيد" لرفع الدعم عن الخبز، والآن رفع اسعار الملابس تزامنا مع حلول الشتاء وعيد الأضحى.. "صدمات" متتالية تلقاها مواطنون بجيوب فرغت وما عاد في جعبتها ما تنفقه، وآمال بالفرح والدفء تبددت.
مختصون يرون أن قرار الحكومة الذي سينعكس بارتفاع اسعار الملابس "غير رشيد لا توقيتا ولا محتوى"، كما أن بقاء رهانها على أن المواطن "عاقل وصبور وحكيم رهان خاسر"، مؤكدين أن الاستمرار في سياسة "تجويع" و"تعرية" المواطن له "عواقب وخيمة".
وما أن قرأت الموظفة في القطاع الخاص، أميمة عماد، خبر ارتفاع الأسعار حتى تملكتها خيبة أمل، وباتت تضرب أخماسا بأسداس.
الثلاثينية أميمة، وهي أم لطفلين، كانت تخطط الشهر المقبل مع حلول موسم الشتاء أن تبتاع لطفليها ملابس شتوية يحتاجانها، فضلا عن شراء ملابس للعيد.
وبتنهّد تقول "كنت مع نهاية الشهر المقبل سأرصد من راتبي مبلغا بسيطا أنفقه على شراء مستلزمات لطفلي"، متابعة "غير أنني الآن في مأزق فكيف سأشتري لهما ما يحتاجان بعد أن ترتفع أسعار الملابس؟!".
وتكمل أميمة حديثها بنبرة حزينة "زوجي يعمل بوظيفتين، إلى جانب عملي، وبالكاد يكفي ما نحصله لأبسط متطلبات الحياة الأساسية".
وتتابع "لم نخرج بعد من عاصفة مصاريف رمضان وعيد الفطر وموسم المدارس وارتفاع اقساطها وغلاء الأسعار حتى تصفعنا الحكومة برفع اسعار الملابس".
القرار الصادر عن الحكومة والمنشور في الجريدة الرسمية والقاضي برفع الرسوم الجمركية على الملابس المستوردة سيؤدي الى "ارتفاع اسعار الملابس بما يعادل 4 أضعاف"، وفق ما صرح به لـ"الغد" أمس نائب نقيب تجار الألبسة والأقمشة، أسعد القواسمي.
وبين القواسمي أن رفع التعرفة الجمركية على الملابس، وإلغاء الرسوم السابقة وتغيير آلية احتساب الوزن سيعمل على "رفع أسعار الملابس بطريقة سريعة"، لاسيما إذا لم تتم دراسة الأمر بطريقة منطقية تنعكس على التاجر بحيث لا يكون هنالك ارتفاع جراء رفع الرسوم الجمركية على الملابس.
الأمر الذي أكده صاحب أحد محلات التصفية في منطقة تلاع العلي بعمان وليد، الذي يقول "إن ارتفاع الضريبة علينا كتجار سيضاعف سعر القطعة، وهو ما سينعكس على المواطن".
ويضيف "نعاني كتجار أصلا من ضعف القدرة الشرائية للمواطن الذي كان يبحث عن قطعة رخيصة او متوسطة الثمن"، متسائلا "ما الذي سيحصل بعد رفع الضريبة على الملابس الذي سيضاعف السعر الأصلي للقطعة اربعة أضعاف؟!".
يشار إلى أن إنفاق الأردنيين على الألبسة وتوابع الألبسة ارتفع إلى 44.8 مليون دينار في نهاية الثلث الأول من العام الحالي، مقارنة مع 39.5 مليون دينار في نهاية الفترة نفسها من العام الماضي. وحققت مستوردات المملكة من الألبسة وتوابع الألبسة ارتفاعا بنسبة
14 % في الثلث الأول من العام الحالي، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وعلى الصعيد الشهري؛ بلغت مستوردات المملكة من الألبسة وتوابع الألبسة من مصر في شهر نيسان (أبريل) 10.8 مليون دينار مقارنة مع 10.1 مليون دينار في الفترة نفسها من العام الماضي لتشير إلى ارتفاع بنسبة 7 %.
"تجويع المواطن وتعريته بأغلفة قانونية"
استاذ علم الاجتماع المشارك في جامعة مؤتة وجامعة العقبة الدكتور حسين محادين، يوضح أن الأردن منذ منتصف الثمانينيات يشهد تحولات باتجاه الخصخصة، منوها إلى أن النتائج المترتبة على "غياب" مفهوم الاقتصاد الاجتماعي الذي يؤمن بالتدرج وحماية الشرائح الفقيرة، "انكشاف" المواطن الاردني الفقير في امكاناته المادية ومهاراته التنافسية أمام سوق فتح دون ضوابط بشكل لافت بالاردن تحديدا، ما جعل المنافسة على العمل والحياة "متعذرة"، والحصول على فرص العيش "غير متكافئة على الاطلاق".
ويبين محادين أن إجراءات الحكومات المتعاقبة التي انتهجت الخصخصة المتسارعة وبيع القطاع العام، "أعادت انتاج تجويع المواطن وتعريته بأغلفة قانونية"، منوها إلى أن حزمة ارتفاع الاسعار الاخيرة "عمقت" من انكشاف المواطن الاردني نفسيا واقتصاديا امام "تغول" آلية السوق التي هي اصلا "بلا قلب بالمعنى الانساني".
ويتفق اختصاصي الطب النفسي الدكتور محمد الحباشنة مع ما ذهب إليه محادين في أن استمرار رفع الحكومة للأسعار سيؤدي الى "عواقب وخيمة".
ويرى حباشنة أنه "ليس من الحصافة والسياسة المنطقية أن تواصل الحكومة رفع الأسعار على المواطنين لتصل إلى ملابسهم"، مؤكدا أن احتياجات الإنسان الأساسية من مأكل وملبس ومسكن "في سلم الأولويات النفسية والمجتمعية". ويحذر حباشنة من ضغط الحكومة الزائد على المواطن والإثقال عليه ماديا من خلال رفع الأسعار، لأن ذلك "لن يولد الاحباط والاكتئاب والحزن والقلق فحسب بل سيقوده للرفض والعدائية".
ويستهجن حباشنة من استمرار رهان الحكومة على "صمت" المواطن "بنعمة" الأمن والأمان، لافتا الى أن الأمن ضمن المرتبة الثانية في سلم اولويات الإنسان فإن تم المساس بمأكله وملبسه ومسكنه فلن يكون هناك أمن أو أمان.
ويرى الحباشنة أن "لصبر المواطن حدودا وهناك طاقة لدى الناس بالاحتمال"، متابعا "غير أن هذه الطاقة بمثابة عتبة قد تكسر".
ويشدد حباشنة على أن "المواطنين في المرحلة الصعبة والظروف القاسية التي يعيشونها هم من يتعاملون بعقل وحكمة وصبر لا أصحاب القرار".
رفع الأسعار يهدد الأمن المجتمعي
"فكرة التعرية لا تشمل الملابس فقط"، وفق محادين وإنما "إضعاف بنية الانتماء للهوية وللوطن ومؤسساته"، وهو ما على الحكومة أن تتنبه له أمام قراراتها "المتخبطة".
محادين يرفض القرار الحكومي الذي سيفضي الى رفع الأسعار منبها إلى "أننا نعيش في اقليم ملتهب ولا نحتاج الى عوامل خلخلة اضافية تصاحب الترقب الكبير الذي يخشاه المواطن في ظل هكذا قرارات غير رشيدة لا توقيتا ولا محتوى".
وينوه محادين إلى أن الحكومة يمكن أن تلجأ لحلول أخرى "غير جيب المواطن"، محذرا من "الحديث في رفع الخبز والاتعاظ من هبة تشرين، والنأي بالنفس عن أسباب او تفاصيل قد تضاعف من المشكلة" أو "المس بالمأكل والملبس".
قرارات رفع الأسعار المتتالية والتي تمس قوت وملبس المواطن والتي وصفها محادين ب "المتخبطة" يرى انها ستعمل على "تشظية منظومة القيم وسيشكل تهديدا للأمن المجتمعي بأبسط معانيه"، وهو ما سيفرز امراضا مجتمعية حيث ستتزايد السرقات والفساد والجرائم".
ويثق محادين بأصالة معدن المواطن الأردني الذي يقول انه على استعداد أن ينتهج "سياسة التقشف" لكن لذلك شروطا ومحددات تتمثل في "ثقة الناس بالضرائب عندما تقوم الحكومة بإقناعهم بالتقشف وصدقية القرار الحكومي بضبط التفقات وتوفير فرص العدالة النسبية بين المحافظات في ظل غياب هذه المعايير".
الاختصاصي الأسري مفيد سرحان يؤكد أن الأسر وما تعانيه من أوضاع مالية صعبة "ما عادت قادرة على استيعاب الارتفاعات المتتالية في الاسعار".
ويرى سرحان أن رفع أسعار الملابس سيؤثر "سلبا على بيئة الأسر وتماسكها"، منوها إلى أن العائلات "مضطرة أن تتعامل مع الظروف العصيبة رغم أن الأمر ليس سهلا على الإطلاق".
ولمواجهة ارتفاع أسعار الملابس الذي ينضاف الى غلاء الاسعار عموما، ينصح سرحان الأسر ب"إعادة النظر في موازنتها على الرغم من شح هذه الموازنات"، وان تحرص على الاقتصار على الضروريات الملحة، إضافة إلى بحثها عن بنود للموازنة والتقليل من نفقاتها على الزيارات.
كما يشدد سرحان على ضرورة تفعيل برامج التكافل لدى المجتمع من جمعيات خيرية او صناديق العشائر والعائلات، مشيرا الى اضطلاع الأغنياء بدورهم تجاه الفقراء، مع تفعيل دور المؤسسات الاستهلاكية وانتشارها للتخفيف عن المواطنين من الاعباء المادية التي تثقل كاهلهم، وهذا لا يعفي الدولة من مسؤولياتها في اعادة النظر في قراراتها واولويات الانفاق.
(الغد)