الإعلام الرقمي وخاصرته الضعيفة
مهنا نافع
جو 24 :
كتب مهنا نافع - كثرت التعريفات الأكاديمية للإعلام الرقمي، وحتى اليوم لم يُعتمد على أي صيغة موحدة لتعريفه، فالبعض منها عرّفه من خلال الإسهاب بوصف الوسائل التي يتخذها والبعض الآخر خلط بين تعريف الإعلام ووسائله الجديدة والبعض اكتفى بتعريفه بالإعلام الذي يتخذ من الشبكة العنكبوتية والتطبيقات المتاحة بها وسيلة له.
وبالرغم من ان الإعلام الرقمي أصبح يدرس بالكثير من الجامعات كتخصص مستقل له العديد من المتطلبات المهمة لإنجازه، الا ان الوسائل المختلفة من الأجهزة الرقمية كالهاتف المحمول والحاسوب الشخصي والطرق المختلفة لعرض المحتوى وجميع الأدوات المتعلقة بالمرئي والمسموع والمكتوب والمقروء هم غالبا ما يحظون بجل الإهتمام والتركيز لدى طلابه، الذين ايضا سيتم اكتسابهم الكثير من المهارات الجديدة التي لم تكن مطلوبة سابقا، مثل تصميم المواقع الإلكترونية والتصوير الرقمي والتصميم الجرافيكي وطرق إنتاج الفيديو ومعالجة الصور الثابتة والمتحركة وغير ذلك من مهارات منوعة لا بد من أن يجتمع لدى متقنيها ثلاثة أمور هي العلم والموهبة والشغف.
فالإعلام الرقمي علم حديث جمع بين المتعة والمعرفة وقدم للمتابع محتوى اخباري متجدد فائق السرعة وقابل للإطلاع عليه والعودة له بأي وقت واتاح للجميع حرية التفاعل والمشاركة، كل ذلك والمزيد مقابل تكلفة لا تكاد تذكر مقارنة بتكلفة الإعلام التقليدي.
الا ان الاقبال المنقطع النظير على وسائل التواصل الاجتماعي اغرى القائمين على الإعلام الرقمي ان يتخذوا من تلك المنصات مراكز اخبارية لهم، لتكون رديفا مساعدا لمواقعهم الإخبارية الإلكترونية المتخصصة والتي تخضع بالكامل تحت ادارتهم من ناحية اختيار المحتوى الإخباري ومراجعة كامل التعليقات الواردة بخصوصه قبل نشرها، وهذا تماما بعكس وسائل التواصل الاجتماعي التي تتيح للجميع الحرية المطلقة للتواصل والمشاركة والتفاعل بالكم الغير محدود لتصبح التعليقات والرموز التفاعلية على أي محتوى هي من تحظى باهتمام الجميع، فاليوم هذه المنصات اصبحت جزءا اساسيا من وسائل الإعلام الرقمي وهي الان منصات تجمع بين النشر الإلكتروني والتواصل الاجتماعي، لذلك كان ضبط تفاعل ومشاركات روادها ليس بغاية البساطة والسهولة.
أكاد اجزم إن هذا الدمج بين المنصات الإخبارية والإجتماعية وباستثناء بعض الدول التي لا يتجاوز عددها أصابع اليد انه اصبح ظاهرة عالمية، وقد كان لشهرة هذه الوسائل وسهولة الانضمام إليها وانخفاض تكاليف الاشتراك بالشبكة العنكبوتية الأثر الواضح لانتشارها.
وكان من الملاحظ بمتابعة العديد من وسائل التواصل على المستوى المحلي او الدولي وخاصة الوسائل التي تتيح المجال بكل فاعلية للتعليقات على الخبر، ان العديد من تلك التعليقات كانت تبتعد عن المحتوى العام له وهي أن اقتربت منه تخرج عن سياق الاختلاف او النقد البناء الى سياق التنمر والاستهزاء وأحيانا تصل لمستوى اغتيال الشخصية وبث الشائعات، مما قد ينتج بالمحصلة عن كل ذلك بث الفرقة والخلافات بين أفراد المجتمع.
ومن الملاحظ ايضا ان تتابع زخم تلك التعليقات يزداد بعد احد التعليقات التي يمكن لعين الخبير ملاحظة استخدام قدرات احترافية واضحة للذكاء العاطفي واللعب على وتر المشاعر لحرف بوصلة المزاج العام للمعلقين نحو اتجاه معين، وللأسف قلة الوعي لدى البعض وحداثة سن البعض الآخر كان يساهم بنجاح مآرب هذه النوايا الخبيثة الخفية التي استغلت ضعف هذه الخاصرة في عالم الإعلام الرقمي.
لا أظن أن مكافحة هذه الآفة لا يحتاج اكثر من الدوام على نشر الوعي الذي سيكون له المزيد من الفاعلية لو كان بنفس أماكن انتشارها، فكما استُغلت هذه الخاصرة الضعيفة لتلك المآرب علينا استغلال سهولة الاطلاع عليها ومراقبة محتواها، إضافة لاستخدام العديد من الأساليب الحديثة والتي أجد اهمها إضافة ارساليات منوعة معدة من خبراء علم الاجتماع، تماما كفكره إشارات التحذير المنتشرة على الطرق لترسل بشكل متقطع بين تعليقات المتابعين فتقدم نوعا من التحذير السريع للحيلولة بأن لا ينجر احدا ليقع فريسة لتلك المآرب الخفية، واما العاتق الأكبر فاجدة يقع على القائمين على المواقع الإخبارية الإلكترونيه التي ادمجت عملها مع وسائل التواصل الاجتماعي وأصبحت بمنتهى القرب من كل متابعيها بان تستمر من حينٍ لآخر بنشر ثقافة الوعي والارشاد وبكل الاحتراف والمهارة والخبرات التي تمتلكها.