لماذا يعيش الجنيه الإسترليني أسوأ تراجع في قيمته بالتاريخ؟
جو 24 :
يعيش الجنيه الإسترليني حالة سقوط حر بعد أن وصل لأدنى مستوى له في التاريخ أمام الدولار، وذلك بسبب رد الأسواق على الخطة الاقتصادية للحكومة البريطانية الجديدة بقيادة ليز تراس.
وأثارت الحكومة الجديدة جدلا واسعا في بريطانيا بعد إقرار "ميزانية مصغرة" تقوم على فكرة منح إعفاءات ضريبية تبلغ قيمتها حوالي حوالي 45 مليار جنيه إسترليني (50 مليار دولار) بغرض تحفيز الاقتصاد.
وتعيش الأسواق الاقتصادية البريطانية أسوأ فترة لها منذ سنوات، في ظل استمرار انخفاض قيمة الجنيه الإسترليني مقابل ارتفاع الدولار، مما دفع البنك المركزي (Bank of England) للتدخل بشكل مباشر لبث نوع من الطمأنة في صفوف المستثمرين.
لماذا تراجعت قيمة الجنيه الإسترليني؟
يرفض البروفيسور جون فان رنين رئيس كرسي "رونالد كوس" في جامعة لندن للاقتصاد "إل إس إي" (LSE)، في حديثه للجزيرة نت، فكرة أن ارتفاع قيمة الدولار هي السبب الرئيسي في تراجع قيمة الجنيه الإسترليني.
وأكد البروفيسور البريطاني أن السبب الرئيسي هو تخطيط الحكومة البريطانية لزيادة هائلة في العجز في الميزانية من خلال الاستدانة، "دون أن تضع خطة واضحة للطريقة التي سوف تسدد بها هذه الأموال، وهو ما تسبب في حالة من الذعر في الأسواق المالية".
ويعتقد الاقتصادي البريطاني أن التخفيضات الضريبية الكبيرة "لن تؤدي إلى تحقيق نسبة نمو مرتفع"، مضيفا أن "الإنفاق الحكومي الكبير وتقليص المداخيل الضريبية سيؤديان للتضخم وبالتالي فإن قيمة الجنيه الإسترليني تساوي أقل بالنسبة للمستثمرين الأجانب الذين باتوا يطالبون بعائد أعلى بكثير مقابل شراء سندات الحكومة البريطانية".
كما أن رد السوق العالمي على خطة الحكومة البريطانية بمنح إعفاءات ضريبية ضخمة أدى لتراجع قيمة الجنيه الإسترليني، مما خلّف حالة من الخوف لدى المستثمرين الذين باتوا يتخلصون من الجنيه الإسترليني ولا يريدون شراءه، إذ فقد قيمته بشكل متزايد ليقترب مع فتح الأسواق المالية يوم الاثنين الماضي من 1.03 دولار، وهو أقل قيمة للجنيه في التاريخ.
تشغيل الفيديو
مدة الفيديو 02 minutes 09 seconds
02:09
لماذا حدث كل هذا؟
تقوم فكرة "الميزانية المصغرة" التي أعلنت عنها حكومة ليز تراس على منح إعفاءات ضريبية وامتيازات ضريبية أكبر للأغنياء من أجل تشجعيهم على الاستثمار والاستهلاك، ولهذا أقرت حزمة من الإعفاءات بقيمة 45 مليار جنيه إسترليني (50 مليار دولار).
وتقوم هذه الخطة أيضا على تعويض النقص الحاصل في المداخيل الضريبية باقتراض حوالي 100 مليار جنيه إسترليني (114 مليار دولار)، علما أن الحكومة سبق أن أعلنت أن مستوى مديونية الدولة عال ويجب السعي لتقليصه، مما وضع ليز تراس وحكومتها في تناقض غير مفهوم.
وستؤدي خطة الحكومة البريطانية إلى تحفيز الناس للاستهلاك أكثر، وهو ما يعني ارتفاعا في الطلب على السلع والخدمات، وأمام أزمة سلاسل الشحن والتوصيل العالمية، فإن الأسعار سوف ترتفع من جديد، ومعها يزيد معدل التضخم المرتفع أصلا ووصل إلى نسبة 10%.
وهذا ما دفع البنك المركزي للتدخل بشكل عاجل لتنبيه الحكومة من خلال إصدار مذكرة، يحذر فيها من أنه سوف يستمر في رفع سعر الفائدة مهما كلف الثمن بغرض عودة نسبة التضخم إلى ما بين 2% و3%.
وأمام عدم استجابة الحكومة البريطانية لتحذيرات البنك المركزي، فقد تدخل الأخير هذه المرة بشكل أكثر حدة، وأعلن شراءه سندات حكومية طويلة الأمد بقيمة 5 مليارات دولار لطمأنة المستثمرين.
ويظهر أن المستثمرين فقدوا الثقة تماما في خطط الحكومة البريطانية، مما جعل السوق المالية البريطانية تخسر حوالي 500 مليار جنيه إسترليني (570 مليار دولار) خلال أسبوع فقط، منذ إعلان الحكومة الميزانية الجديدة.
ويرفض المستثمرون الاقتناع بأن الاقتراض الحكومي سيكون هو الحل، كما يخشون أن ارتفاع نسب التضخم سوف تؤدي لمعدلات فائدة أعلى، مما سيؤثر على أسواق العقار وسوق القروض بشكل كبير.
كيف سيتأثر المواطن البريطاني؟
مع تراجع قيمة الجنيه الإسترليني سوف ترتفع أسعار المواد والسلع التي تأتي من الخارج، خصوصا الواردات النفطية وكل المواد التي يتم استيرادها بالدولار.
وهذا يعني أن أسعار المحروقات سوف تعود للارتفاع من جديد في بريطانيا، ومعها معدلات التضخم، وهو كابوس بالنسبة للبنك المركزي الذي يتخذ كل الإجراءات لخفض معدلات التضخم.
وتستورد بريطانيا حوالي 50% من حاجياتها الغذائية من الخارج، وهو ما يعني أن الزيادة في أسعار المواد الغذائية قادمة لا محالة.
هل من مخرج من هذه الأزمة؟
ليس هناك حلول كثيرة للخروج من هذه الأزمة سوى الحلول التقليدية، أولها أن يستمر البنك المركزي في زيادة سعر الفائدة من أجل تحفيز الناس على وضع الأموال التي يتوفرون عليها في الأبناك وادخارها، مما سيرفع من قيمة العملة ويخفض معدلات التضخم.
أما الحل الثاني فهو أن تتراجع الحكومة ووزارة الخزانة عن خطتهما الاقتصادية الجديدة، ولحد الآن فالأمر مستبعد، وحسب تسريبات صحفية فإن ليز تراس مصرة على خطتها ولن تتراجع عنها.
والخيار الثالث هو أن تطلب الحكومة من البنك المركزي التدخل في السوق المالي وشراء الجنيه الإسترليني مقابل احتياطي الدولة من العملة الصعبة، ليرتفع الطلب على الجنيه من جديد وتعود له قيمته الطبيعية.
المصدر : الجزيرة