بعد 11 عامًا.. صدمة "وفاء الأحرار" تدفع "إسرائيل" للتعنت بصفقة جديدة
ما زالت الصدمة الإسرائيلية من "الثمن الباهظ" الذي دفعته "تل أبيب" مقابل الإفراج عن جنديها جلعاد شاليط من قبضة كتائب القسام قبل 11 عامًا، تؤثر على قادة الاحتلال السياسيين والعسكريين والأمنيين، وتدفعهم للتعنت، حتى اليوم، في إنجاز صفقة جديدة.
وتعيد وكالة "صفا" نشر ما صدر على الصحافة العبرية من استياء وانتقادات شديدة إزاء فشل الاحتلال الأمني والاستخباري في الوصول لـ"شاليط"، مقابل الدهشة من نجاح المقاومة في إبرام الصفقة بعد 5 سنوات من احتفاظها بالجندي في منطقة جغرافية صغيرة ومليئة بالسكان.
وأسرت المقاومة شاليط في 25 يونيو/ حزيران 2006 من داخل دبابته شرق محافظة رفح جنوبي قطاع غزة، في عملية أطلقت عليها اسم "الوهم المتبدد".
مفاوضات معقدة
وكشف تحقيق نشرته القناة العبرية العاشرة عن صعوبة المفاوضات في حينها وإصرار حركة حماس على مواقفها، والإفراج في النهاية عن 450 أسيرًا من أصحاب المؤبدات، بالإضافة إلى نحو 600 أسير من أصحاب الأحكام المتوسطة والخفيفة.
وأجرت القناة لقاءات مع قادة أمن سابقين تواجدوا في عين الحدث حينها، بينهم رئيس شعبة الاستخبارات "عاموس يدلين".
ورأى يدلين أنه "ما كان يتوجب دفع كل هذا الثمن على جندي واحد، وأنه كان بالإمكان ممارسة ضغوط هائلة على حماس لتليين مواقفها".
وأجرت القناة لقاءً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها إيهود أولمرت، الذي قال إنه لم يكن مستعدًا للمصادقة على صفقة بكل هذا الثمن، والتي صادق عليها خلفه بنيامين نتنياهو، مؤكدًا أن حماس حصلت على غالبية مطالبها.
ضربة استخبارية كبيرة
من جهته، قال المنسق السابق لشئون الأسرى والمفقودين الإسرائيليين دافيد ميدان إن صفقة شاليط "وفاء الأحرار" شكلت ضربة استخباراتية كبيرة لأجهزة الأمن الإسرائيلية.
وجاء على لسان ميدان الذي شغل هذا المنصب إبان توقيع صفقة استعادة شاليط، إن حقيقة عدم مقدرة الأمن الإسرائيلي على تحديد مكان تواجد شاليط، والقدرة على استعادته بطرق عسكرية شكل ضربة استخباراتية، ما أجبر "إسرائيل" في النهاية على التوقيع على الاتفاقية بأبهظ الأثمان.
وكشف عن عدم تعرض شاليط لأي تعذيب خلال فترة احتجازه بالقطاع.
وذكر أن شاليط كان كنزًا ثمينًا لمقاتلي حماس، وأنهم حافظوا عليه خلال حرب "الرصاص المصبوب" عام 2008، وسمحوا له بمشاهدة المباريات الرياضية وسماع الراديو، وإخراجه مرة واحدة إلى سطح أحد المباني للشواء.
وتحدث عن تعقيدات الصفقة والثمن الذي دفعته "إسرائيل"، إلا أنه استطرد قائلًا إن "ثمن حياة الإسرائيلي يساوي هذه المجازفة، والصفقة تمت فقط بعد التأكد من بقاء شاليط على قيد الحياة".
وحول فرص نجاح صفقة مستقبلية مع حماس على غرار صفقة شاليط لاستعادة الجنود الإسرائيليين الأسرى بغزة، قال ميدان إنه خارج الصورة حاليًا، لكن في حال وجود رغبة إسرائيلية واستجابة من حماس فليس من الصعب الدخول في وساطة من هذا النوع.
وفيما يتعلق بهوية مفرجي صفقة شاليط، ومن بينهم قائد حماس بغزة يحيى السنوار، أكد أن الرجل يعرف تفاصيل المجتمع الإسرائيلي ويتعامل مع الأمور بواقعية، لكنه لا يتردد في المواجهة العسكرية طالما بقيت الخيار الأخير.
إنجاز عظيم لـ"حماس"
أما محلل الشؤون الفلسطينية في الصحيفة "اليؤور ليفي" فرأى أن حماس كانت تخشى على مصير شاليط في الأسر، لافتًا إلى أن الحركة تعلم أن الجندي الحي يعني الإفراج عن كثير من الأسرى.
وأضاف أن مصر حاولت التخفيف من المواقف المتصلبة لقائد أركان كتائب القسام الأسبق الشهيد أحمد الجعبري، وأوصلت له رسالة بأن الاحتلال لا يمكنه تحمل هكذا مطالب لحماس، وبعدها أبلغ الجعبري مصر قائلا: "هيا بنا نتقدم في هذا الملف حتى لو احتجنا لدفع الثمن".
ووصف "ليفي" نجاح حماس في إخفاء الجندي على مدار أكثر من 5 سنوات بالإنجاز العظيم للحركة، لافتًا إلى أن الطاقم المسئول عن حراسته لم يكن يستخدم أيا من وسائل التكنولوجيا أو الهواتف.
وفي 11 أكتوبر 2011 خضع الاحتلال أخيرًا لإرادة المقاومة، وأجبر على القبول بأغلب مطالب المقاومة، وتم التوقيع على صفقة تبادل الأسرى برعاية مصرية، أطلق عليها "وفاء الأحرار"، وأفُرج عن 1050 أسيرًا وأسيرة مقابل شاليط الذي أسر من داخل دبابته العسكرية التي كانت رابضة على الحدود تنتظر فريسة فلسطينية لاقتناصها.
وأسرت القسام أربعة ضباط وجنود إسرائيليين منذ عام 2014، فيما يرفض الاحتلال حتى اليوم دفع استحقاقات صفقة تبادل جديدة، وسط إصرار من المقاومة على الوصول لمطالب تلبي رغباتها.