لماذا يستهدف الاحتلال الشخصيات التربوية بالداخل؟
أن تخرج جيبات من قوات الاحتلال مدججة بالسلاح ومرتدية الزي العسكري، متجهة نحو حرم دراسي، لتحاصره قبل أن تقتاد معلمًا قامةً وقدوة لمئات الطلاب، فهذا ليس من باب اعتقال متهم؛ وإنما فصلًا من فصول الممارسة الإسرائيلية الانتقامية والسياسية تجاه فلسطينيي الداخل المحتل.
وقبل أيام اقتحمت واعتقلت أجهزة أمن الاحتلال مدرسة الأمل الابتدائية بمدينة عكا، واعتدت على المعلم ونائب المدير الشيخ محمد ماضي، واقتادته بشكل مهين أمام أعين الطلاب والمعلمين.
هذا المشهد سبقه مشاهد أخرى قريبة شهدتها اللد حينما تم اعتقال الشيخ يوسف الباز، ومن قبله اقتحام حرم جامعتي بئر السبع و"تل أبيب"، ومدارس في الداخل، حين تم فيها اعتقال شخصيات وازنة مؤثرة.
فمدارس بعكا لا تزال تشهد إضرابات تنديدًا بالجريمة التي تعرض لها المعلم ماضي، والذي لم توجه له سلطات الاحتلال حتى الآن أي تهمة، وحوّلته للحبس المنزلي.
هذه الممارسات لن تتوقف، وربما تشهد مدارس أخرى اقتحامات بالشكل المخيف والمنتهك لحرمة الحرم المدرسي والجامعي، لأن المؤسسة الإسرائيلية لديها مسعىً في استهداف هذا النوع من الشخصيات والقيادات، كما يؤكد مختص بالتعليم بالداخل.
رسائل "تشويه وردع"
ويقول عضو لجنة المتابعة العليا لشئون التعليم في الداخل محمد فرحان لوكالة "صفا": "إن اقتحام مدرسة الأمل واعتقال الشيخ ماضي بهذه الطريقة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة".
ويضيف: "لو كان الهدف الاعتقال أو وجود تهمة تجاه أي شخص، لكان بإمكان هذه السلطات أن ترسل استدعاء له، خاصة أنه تم الإفراج عن الشيخ".
واستدرك بالقول: "لكن يبدو أن المؤسسة الإسرائيلية لا تحترم حرمة أي مكان تربوي تعليمي ولا ديني وتريد إرسال رسالة رعب للجميع".
يكمل فرحان "الرسالة للمعلمين والطلاب والمجتمع الفلسطيني بالداخل، بأنها هي صاحبة القرار والهيمنة والسيطرة في هذه الأرض، فهي تعتقد بأنها ترسل رسالة ردع قوية لهذا المجتمع".
والأهم -كما يؤكد فرحان-، هو أن هذه المنظومة تعمل ضمن مخطط "لتشويه الشخصيات الوازنة والقيادات المؤثرة في الداخل الفلسطيني، خاصة في المدن الساحلية".
وشهدت اللد ويافا وحيفا قبل عكا اعتقالات لقيادات ومشايخ خلال الأشهر القليلة الماضية، من بينهم أئمة مساجد ومعلمين ونشطاء بارزين بالإضافة لطلاب جامعات.
وأعلنت لجنتا أولياء أمور الطلاب في مدرستي "الأمل" و"أورط حلمي الشافعي" في عكا، الإضراب الثلاثاء، احتجاجًا على اقتحام شرطة الاحتلال لمدرسة الأمل.
مخطط واضح
ومن وجهة نظر فرحان، فإن المؤسسة الإسرائيلية لديها مخطط أصبح واضحًا من خلاله، أنها تعي تمامًا الدور الفاعل لهذه الشخصيات في الحفاظ على النسيج الاجتماعي لفلسطينيي الداخل، والدور التربوي لها، وهذا ما تريد رؤيته.
ويقول: "هذه المنظومة تعمل بدقة، فهي تريد نزع المصداقية عن هذه الشخصيات وإظهارها بأنها متهمة أمام أبناء المجتمع الفلسطيني بالداخل، بعد أن كانت قامة من قاماته".
وينوه إلى أن الاستهداف لا يتعلق بمربي المدارس والجامعات، وإنما بالقيادات التي لها تأثير على الجماهير في القضايا الوطنية وتلك المتعلقة بالحفاظ على القضية الفلسطينية والهوية، وقضايا الصراع، خاصة القدس والأقصى والأرض.
الالتفاف والمطلوب
لكن "هذا الوهم الإسرائيلي بعيد المنال، لأن أبناء المجتمع الفلسطيني بالداخل لديهم التفاف مسبق حول هذه الشخصيات، وإلا لما تم استهدافها"، بحسب فرحان.
وأضاف: "هذه الحملات تزيد من هذا الالتفاف ومن تعنت الجماهير وتمسكها بالمبادئ التي تحملها، خاصة على المستوى الوطني والتربوي".
واختتم بالقول: "لكن هذا الالتفاف غير كاف"، مشددًا على ضرورة أن يتم مع سياج جماهيري رسمي قيادي حامٍ لهذه الشخصيات للحفاظ عليها أمام محاولات ومخططات المنظومة الإسرائيلية، "لأن استهدافها استهداف لثوابت المجتمع ككل".