في الأردن.. يقودون دراجاتهم الهوائية نحو الاعتزال
جو 24 :
مرح يوسف ومعاذ الزريقي -
الساعة السادسة صباحا يتمرن حمزة عبوشي (18عاما)، برفقة 12 دراجا آخر على طول طريق السلط تحضيرا لبطولة الجزائر 2019 لسباق الدراجات الهوائية. ورغم التزامه بالمسرب اليمين ولبس الخوذة، صدمت به سيارة فأغمي عليه واستفاق في المستشفى، مع أربعة كسور في العمود الفقري، وتقطع لثمانية أوتار في اليد، وجروح عميقة في أنحاء جسده.
نقل الدفاع المدني حمزة إلى مستشفى السلط الحكومي. اتصلوا بوالده الذي حضر وشاهد ابنه "بحالة يرثى لها" بحسب وصفه، فأصر على نقله إلى مستشفى خاص.
مستشفى السلط الحكومي هو ذات المستشفى الذي توفي به 10 مصابين بفيروس كورونا لنقص الاوكسجين العام الماضي، وأدين في الحادثة خمسة من الموظفين بتهمة الإهمال.
عشرة أيام متتالية مكثها حمزة في المستشفى بعد إجراء عملية جراحية مستعجلة في الظهر بوضع "بلاتين" في الفقرات، كلفت 13 ألف دينار( 18.3 ألف دولار) دفعها المتسبب بالحادث. وبعدها بدأ العلاج في المنزل كبّد والده ألفي دينار (2800 دولار) ، وكلف الطفل توقفه عن الدراسة.
اكتفى الاتحاد الأردني للدراجات الهوائية بتقديم باقة ورد لحمزة وزيارات منزلية. يقول عبد الحفيظ عبوشي والد حمزة: "لم يتكلف الاتحاد بعلاج ابني، ولا بإصلاح دراجته".
تعرض حمزة للحادث كشف العديد من المعضلات التي يتعرض لها لاعبون في الاتحاد الأردني للدراجات الهوائية متعلقة بالتأمين الصحي والإصابات بعد الحوادث. لا يوجد قانون، وإنما توجد تعليمات فضفاضة تحرمهم من حق العلاج، ما يمنعهم من المشاركة في البطولات باسم المملكة، وانسحابهم من عضوية الاتحاد الذي يضم 21 دراجا ودراجة، تتراوح أعمارهم بين 12 و 25 عاما للسيدات، و30 عاما للرجال.
في ذلك اليوم لم يتوقع حمزة أنه سيذهب للمستشفى بدلا من المطار لتمثيل بلاده بعدما احترف رياضة ركوب الدراجات منذ عام 2015. كما كان والده من قبله ضمن صفوف اتحاد الدراجات الاردني عام 1988 وشقيقه محمد، واللذين وضعوا خطة لتمثيل الأردن بالبطولات المحلية والعالمية، حيث خصصوا مساحات واسعة من المنزل للدراجات الاحترافية واشتروها بأثمان تجاوزت 7000 دينار (9873 دولار).
بعد الحادثة قررت العائلة انسحاب محمد ايضا من الاتحاد وهو الحاصل على برونزية العرب في مصر عام 2017.
رشيد، حاصل على بطولة المملكة في إحدى السنوات، هو الآخر انسحب عام 2015 من الاتحاد بعد تعرضه لحادث سير أثناء التدريب، لحقته في الانسحاب شقيقته وصديقتهما.
تعرض رشيد لكسور في الأضلاع وجروح عميقة في أنحاء الجسد، والخطر الأكبر كان على شبكية العين، ويقول: "الخوذة اللي كنت لابسها انكسرت نصين، وضلوا يفحصوا عيني لانها حمرا حمرا حمرا حمرا". وبحسب قوله لم يتكفل الاتحاد بعلاجه، بل اكتفى بزيارته في المستشفى. وتثبت الوصول والكشوف الطبية أن المرأة المتسببة بالحادث هي من دفعت تكاليف العلاج في المستشفى، وتكفل رشيد - يتيم الأب- في الأدوية والفحوص بعد خروجه من المستشفى.
لا يوجد قانون يجبر الاتحادات على تأمين لاعبيها إلا أن المادة (7) من التعليمات الداخلية الخاصة باتحاد الأردني للدراجات الهوائية، تنص على أن يقوم الاتحاد بتأمين العلاجات والأدوية اللازمة للاعبين المصابين خلال "حوادث التدريبات"، وعند العودة للاتحاد تبين أنهم يقصد الحوادث الناجمة عن السقوط عن الدراجة أو الارتطام بالرصيف ولا تشمل حوادث السير.
يوفر التأمين الصحي الذي تقدمه اللجنة الأولمبية الأردنية لمعظم لاعبي المنتخبات الوطنية تأمينا ضد الحوادث، التي حددتها بـ "الإصابات الرياضية".
وتقول اللجنة "هناك تأمين للاعبي المنتخبات الوطنية الذين يتم ترشيحهم عن طريق الاتحادات الرياضية المختلفة لدى رابطة اللاعبين الدوليين -لمن تنطبق عليهم شروط العضوية- ويتم علاجهم في الخدمات الطبية الملكية أو مستشفى الجامعة الاردنية".
كيف يستثني الاتحاد واللجنة حوادث السير من التأمين والعلاجات، رغم أن اللاعبين يتدربون إلى جانب حركة السير في الشوارع الرئيسية كطريق السلط وطريق مأدبا، وطريق العدسية - البحر الميت، معظم أيام الأسبوع ويقطعون مسافات تتعدى 80 كيلومترا في اليوم الواحد.
رغم انعدام المحامين المختصين بقضايا اللاعبين الرياضيين وخصوصا الدراجين في الأردن، ينتقد محامون حقوقيون "النصوص الفضفاضة"، وتحديد كلمة "حوادث" بحوادث الوقوع. تقول الناشطة الحقوقية المحامية هالة عاهد: "كلمة حوادث واسعة وطالما حددت بموضوع التدريب، وعليه تشملها حوادث السير أثناء التدريب".
المحامي أحمد السواعي -على احتكاك مع قضايا الرياضيين- يؤكد على كلام عاهد: "بما أن التعليمات تركتها على إطلاقها فمن غير المنطقي تقيدها بحوادث الوقوع، وخصوصا أنهم ليسوا الجهة المخولة بالتفسير".
انسحابات بسبب الحوادث
انضم يوسف البارودي للاتحاد عام 2011 وانسحب بعد أربعة أعوام. كان يتدرب أربع ساعات في اليوم وثماني ساعات نهاية الأسبوع. قرر الانسحاب تجنبا للخطر على حياته أثناء التدريب، إذ كان يتدرب في الشوارع العامة بلا سيارات إشراف تسير إلى جانب الدراجين، وأحيانا يخرجون من دون مشرف.
حاله يوسف كحال سمر الخب التي انضمت للاتحاد عام 2007 وانسحبت عام 2012. كانت تقطع عشرات الكيلومترات بين الشاحنات في نزول العدسية وحول المدينة الرياضية، من دون وجود مسارب خاصة بالدراجات، مرورا بالحفر والمطبات والمناهل، وتقول: "بسهولة الشاحنة تطيرك لأن الدراجة خفيفة، ففي كل مرة أذهب للتمرين أفكر بالإصابات ومن يقوم بعلاجها، لأني تعرضت لإصابات والاتحاد ما عالجني وكنت اشوف حوادث لزملائي وأحس إني ممكن أفقد حياتي بأي لحظة".
تتبع الاتحادات للجنة الأولمبية الأردنية، ويقتصر دور وزارة الشباب على الأندية التابعة للاتحادات، لذا ليس من واجبات وزارة الشباب تشجيع الشباب على رياضات معينة، أو أن تتدخل في حالة الانسحابات، إنما يقتصر الدور على معالجة شكاوى أو مخالفات الأنظمة والتعليمات، خصوصا أن معظم الاتحادات تأخذ مقراتها وتمارس رياضتها داخل منشآت وملاعب وزارة الشباب، بحسب أمين عام وزارة الشباب حسين الجبور. وتخصص الوزارة 1.2 مليون دينار أردني (1.69 مليون دولار) مصاريف 400 نادٍ تشرف عليها مجالس المحافظات.
أما الإتحاد الأردني للعلاج الرياضي مهمته حماية اللاعبين من الإصابات، من خلال عمل تحليل طبي كامل للاعبي الأداء العالي، ولاعبي المنتخبات الوطنية قبل مشاركتهم في المنافسات. كما ينفذ تدريبات لتخريج المعالجين الرياضيين وتمكينهم من التعامل مع الإصابات.
اللجنة الأولمبية لا تملك أية صلاحية في التدخل بالشأن الفني للاتحادات الرياضية، وتقول -ردا على كتاب حق الحصول على المعلومة الموجه لها- إن "الاتحادات الرياضية تمتلك الصلاحية الكاملة في تشكيل الفرق ورصد لاعبي المنتخبات الوطنية ضمن خطة سنوية معتمدة من قبل اللجان الفنية".
في ظل كل هذه المعطيات ينكر الاتحاد الأردني للدراجات الهوائية على لسان رئيسه خلف العشوش -استلم منصبه بداية هذا العام خلفا لجمال الفاعوري الذي ترأس الاتحاد 25 عاما- وجود أي انسحابات من الاتحاد. ويقول حرفيا: "الأمور ماشية تمام، لا يوجد أي إجراءات لدينا لانسحابات اللاعبين".
دراجات قديمة "خطرة"
يتلقى الاتحاد 120 ألف دينار أردني سنويا (169 ألف دولار) من اللجنة الأولمبية الأردنية كباقي الاتحادات، تصرف على رواتب العاملين والمدربين وقسم الصيانة، ومنها مصاريف السفر للمشاركة في المباريات.
يضم الاتحاد ثلاثة موظفين فنيين، وثلاثة إداريين، ومدربين اثنين غير متفرغين.
يمتلك الاتحاد 30 دراجة هوائية، وآخر فاتورة شراء دراجات كانت قبل تسلم المدير الجديد مهامه هذا العام.
يصف يوسف البارودي دراجات الاتحاد بالقديمة، حتى أنه وزملاؤه كانوا يتندرون عليها ويلقبونها بـ "أم كلثوم"، لذا يستخدم اللاعبون دراجاتهم الخاصة أثناء التدريب وأحيانا في البطولات.
رشيد: "دراجة الاتحاد مستهلكة جدا، البريكات فيها صعوبة، والعجال مش مستقيمات مية بالمية".
في ظل قدم دراجات الاتحاد، يضطر اللاعبون لشراء الدراجات على حسابهم الخاص، إذ تبدأ أسعار الدراجات الهوائية الاحترافية في السوق الأردنية من 1200 دينار(1693 دولار)، بحسب سرّي الحسيني مالك محل لبيع الدراجات، ويقول إنها تحتاج صيانة دورية كل ثلاثة أشهر بتكلفة 10 إلى 25 دينار( 14-35 دولار)، أما الصيانة الموسمية، فتعتمد على القطع المستهلكة، في حال كانت الصيانة منتظمة لن تزيد تكلفتها عن 50 دينارا(70.5 دولار)، وفي حال إهمال الصيانة قد تصل إلى 400 دينار(564دولار).
محمد لصوي تعرض خلال ست سنوات من احترافه ركوب الدراجات الهوائية إلى ثلاثة حوادث سير، أحدها حطم الدراجة بالكامل، ويقول "أنا تعلمت من هذا الحادث انه انا بنحسب في الشارع كمشاة، مارست حقي واشتكيت تعاملوا معي كحالة دهس".
عرضَ المتسببون بالحادث تعويضا لـ "صوي" بدفع ثمن الدراجة، إلا أنهم تراجعوا عندما عرفوا أن سعرها زاد عن الألف دينار. لجأ بعدها إلى القضاء، لتعوضه شركة التأمين بثمنها، فأخذت القضية سنة كاملة للتأكد من السعر الفعلي للدراجة، وستة أشهر أخرى لإجراءات تثمين الوكيل وإصدار فاتورة ضريبية.
ورغم أن اللاعب يشتري الدراجة لحسابه الخاص، لا يمكنه تأمين دراجته ضد الحوادث بشكل فردي، وتتعامل شركات التأمين مع الدراجة معاملة تأمين الممتلكات، إذ يزود المشترك شركة التأمين بفواتير الشراء مع السجل التجاري لشركة مرخصة لإبرام عقد بمبلغ معين لتعويضه في حالة التلف، بحسب معتز قاقيش مدير علاقات عامة في شركة تأمين، وأيضا صاحب شركة تنظيم رحلات على الدراجات الهوائية. ويقول: "التأمين يعوض في حال التلف الكامل، بينما في حال الخراب أو الصيانة ليس لهم علاقة بالموضوع".
مناهل أمانة عمان
أوصى البنك الدولي في الدراسة التشخيصية والتوصيات الخاصة بالنقل العام في الأردن 2022، بوضع خطة للدراجات الهوائية تضمن تصورا لبنية تحتية آمنة لراكبي الدراجات الهوائية في المناطق الحضرية لتغذية أنظمة النقل العام. لم توضع خطة بعد للعمل على هذه التوصيات، والاتحاد الاردني للدراجات الهوائية لايعلم بها.
كتاب رسمي وجهه اتحاد الدراجات الهوائية لأمانة عمان الكبرى يوصي بتعديل "كودة" بناء مناهل العاصمة، على أن تصبح عرضية بدلا من طولية، وتقليل المسافة بين قضبان أغطية المناهل (مصارف مياه الأمطار) في الشوارع، نظرا لأن عرض عجل الدراجة لا يتجاوز 5 إلى 10 سنتيمترات.
يقول رئيس الاتحاد خلف العشوش: "وقع لاعب في المنهل وتكسرت الدراجة، رفع الاتحاد قضية على الأمانة، لأنها السبب في الحادث، بسبب إتجاه المناهل (..) بغض النظر الأمانة أخذت إجراءات أم لم تأخذ، لكن في المحصلة القانون هو الفيصل".
استنادا إلى قانون ضمان حق الحصول على المعلومات (رقم 47 لسنة 2007)، توجهنا لأمانة عمان للاستفسار عن "كودة" بناء المناهل، وما هي خطتهم لحل مشاكل الدراجين المرتبطة بكتاب المخاطبة من الاتحاد، وما هي خطتهم للاستجابة لتوصيات البنك الدولي. وخلال شهر دارت الأسئلة بين أقسام الأمانة حتى وصلت قسم العلاقات العامة والإعلام الذي رفض الرد.
غياب التأمين ضد الحوادث، والافتقار للعلاج الطبيعي بعد الإصابات، والشوارع غير المؤهلة، وعدم توفر نية لعلاج الواقع، كلها عوامل شكلت بيئة طاردة للدراجة الهوائية، سواء ركوبها أو احترافها كرياضة. دراجون انسحبوا حفاظا على حياتهم، وربما يلحق بهم آخرون في حال بقي الحال على صورته الراهنة.