jo24_banner
jo24_banner

تبرئة حدثين من تهمة القتل بعد عامين من التوقيف

تبرئة حدثين من تهمة القتل بعد عامين من التوقيف
جو 24 :

لم يكن قرار المحكمة ب "البراءة المطلقة" كافيا ليشفي غليل "طلال" و"أسماء" اللذين قضيا عامين من عمرهما في مراكز الأحداث، نتيجة لاتهام كيدي ضدهما بقتل والدهما، سبقها عام ونصف العام من سوء المعاملة والتعنيف من قبل أعمامهما.

"طلال واسماء" اسمان مستعاران لشقيقين يبلغان من العمر اليوم (18 و16 عاما على التوالي) نشرت قصتهما في غالبية وسائل الاعلام قبل نحو عامين، بوصفهما "الحدثين اللذين أقدما على قتل والدهما بدس السم له بعد تحريض من والدتهما بدم بارد بدون شفقة أو رحمة".. تلك الرواية ذات الطرف الواحد تسببت بجرح عميق في وجدان الطفلين، يضاف إلى ذلك أعوام التعذيب والحرمان والظلم التي عاشاها.


وتعكس قصة "طلال وأسماء" الفجوات الموجودة في قانوني الحماية من العنف الاسري والأحداث الحاليين، إلى جانب انعدام توفر بيئة تقاضي صديقة للطفل، وضعف الخدمات المتعلقة بالأحداث، خصوصا توفير الحق في التعليم، فضلا عن انعدام برامج الرعاية اللاحقة والحماية للأطفال ضحايا العنف.


"الغد" ومنذ دخول "طلال واسماء" الى دور الاحداث تابعت قضيتهما، خلال فترة التوقيف وبعد صدور الحكم، حيث تشكل القضية واحدة من الحالات الفريدة كونها "جريمة قتل بلا قتيل"، كما يوضح محامو الحدثين والمشرفون عليهما في دور الرعاية.


ويروي "طلال" حكايته وشقيقته ل "الغد"، والتي بدأت في العام 2000 عندما قرر والداهما الانفصال وايداع طفليهما في قرى الاطفال، حيث امضيا هناك نحو ثمانية أعوام من حياتهما، بعدها عاد الاب وطالب بابنيه وعاشا في كنفه حوالي عامين الى ان توفى مصابا بسكتة دماغية العام 2010.


بعدها انتقل الطفلان للعيش في منزل عمهما، وهناك تعرضا لاصناف من الضرب والتعذيب والمعاملة القاسية والتقييد بالجنازير الحديدية، وتغطية رأس "طلال" بأكياس بلاستيكية سوداء ووضع رأسه في الماء، بهدف دفعهما للاعتراف بأنهما أقدما على قتل والدهما بتحريض من والدتهما المطلقة.


يقول طلال "تم ربطي على مدار أيام في غرفة معتمة، بعدها نقلوني الى إحدى المقابر المهجورة وتم تقييدي هناك، وتعرضت للسعات من حشرات وقوارض، وبعد يومين اعادوني الى المنزل".


اما "اسماء" فتبين صنوف التعذيب التي تعرضت لها من قبل عمتها، إذ كان يتم "اطفاء أعقاب السجائر في جسدها النحيل وصعقها بلسعات كهربائية، وضربها بالجنازير، وحبسها على مدار اكثر من عام في غرفة معتمة".


وخلال اقامتها في منزل عمها حرمت من الذهاب الى المدرسة، رغم انها كانت من المتفوقات في صفها، واستمر سوء المعاملة حتى تشرين الأول (اكتوبر) 2011 عندما اتفق الشقيقان على الاعتراف بجريمة لم يرتكباها للتخلص من التعذيب والضرب اليومي.


توجه الطفلان مع اعمامهما الى مركز الشرطة، وهناك اعترفا بقتلهما والدهما بدون حضور محام أو مراقب سلوك، في حين تم اعتبار العم وهو المشتكي، ولي أمر الحدثين، وعلى الرغم من ان تقرير الطب الشرعي اكد ان الوفاة "طبيعية"، لكن وبما ان "الاعتراف سيد الادلة" تم توقيف الشقيقين بتهمة قتل والدهما.


ويصف "طلال" الليلة التي نام بها في نظارة الشرطة، حيث اعترف بأنها الليلة الوحيدة التي تمكن فيها من النوم بسلام بدون خوف من ضرب أو إساءة، وكان يسيطر عليه شعور بالسعادة البالغة، متناسيا انه اعترف بارتكاب جريمة قتل مع سبق الإصرار، قد تصل عقوبتها وفقا لقانون الاحداث الى السجن 12 عاما في حالة الإدانة.


وبعد ذلك تم تحويل "طلال" الى مركز أسامة بن زيد لتربية ورعاية الاحداث، في حين تم ايداع "أسماء" في دار تربية وتأهيل فتيات عمان "أم أذينة".
وتقول مديرة مركز فتيات عمان رغدة العزة لـ"الغد": "دخلت اسماء المركز وهي تبلغ من العمر 13 عاما ونصف العام، وكان وجهها شاحبا وبنيتها ضعيفة مع وجود آثار واضحة للعنف والضرب على جسدها، فضلا عن نفسيتها المحطمة؛ إذ كانت ترفض التواصل مع أحد وغير قادرة على الدفاع عن نفسها".


وتضيف العزة: "بعد قراءتي لملف اسماء راودتني العديد من الشكوك، عززها رفض اسماء مقابلة عمها وعمتها وخوفها الشديد منهما، وشعرت ان تلك الطفلة مظلومة وغير قادرة على الشكوى".


وبعد أيام من دخول "اسماء" الى مركز الاحداث، بادرت العزة الى الاتصال بمجموعة القانون لحقوق الانسان "ميزان"، والتي تقدم خدمات التقاضي المجانية لغير القادرين، ومن ضمنهم الاحداث، وذلك ضمن اتفاقية مبرمة مع وزارة التنمية الاجتماعية.


من جهتها، كلفت "ميزان" محاميا للدفاع عن الطفلين، وخلال الجلسات اقر كل من "طلال وأسماء" بانهما لم يرتكبا أي جريمة، وبأن اعترافاتهما جاءت بعد تعذيب استمر على مدار عام ونصف العام من قبل الأعمام.


بدورها، تبين مديرة "ميزان" المحامية إيفا أبو حلاوة لـ"الغد" أن "قضية طلال وأسماء نموذج من القضايا الكيدية التي يذهب ضحيتها ابرياء الى ان يبت القضاء ببراءتهم".


وتقول أبو حلاوة "للمدعي العام الحق في رفض القضية لعدم وجود الادلة، لكن المدعين العامين يلجأون في بعض الاحيان الى قرار محكمة التمييز القاضي بأنه لا صلاحية للمدعي العام في وزن البينة، ومن هنا يتم تحويل العديد من القضايا الكيدية الى القضاء، كما الحال في قضية طلال وأسماء، ما يتسبب بضرر كبير على المدعى عليهم".


وتشير أبو حلاوة الى "مجموعة من الثغرات عند التحقيق مع الطفلين، أبرزها عدم وجود محام عند الادلاء بالاعتراف، وقبول ولاية أمر العم رغم انه المشتكي، وبالتالي التغاضي عن جزئية تضارب المصلحة".


وتوضح: "في قانون الاحداث الحالي لا يوجد ما يحمي الحدث في حال كان المشتكي هو ذاته ولي الامر، وبالتالي فإن الإجراءات تصب ضد مصلحة الحدث".
وتشدد أبو حلاوة على أهمية اشتراط تعيين محام للحدث في المراحل الاولى من التحقيق، لضمان مصلحة الطفل الفضلى، وعدم استغلاله من قبل اي اطراف أخرى لإلصاق جريمة به.

وتبين انه "بعد ان تولد قناعة تامةلدى فريق المحامين ببراءة الطفلين، عملت "ميزان" على مستويين، الاول الدفاع عن الحدثين في جريمة القتل، والثاني رفع قضية عنف اسري ضد الاعمام".

غير أن قضية العنف الاسري التي حركتها "ميزان" سقطت بالعفو الملكي، وبالتالي لم يتمكن "طلال واسماء" من مقاضاة اعمامهما عن أعوام التعنيف والاساءة، أما حكم القاضي ببراءة الحدثين فجاء في الحادي والثلاثين من تموز(يوليو) 2013، ليكون "طلال وأسماء" قد قضيا عاما وثمانية شهور من حياتهما موقوفين بتهمة قتل لم تتم اساسا.

أما قرار محكمة الجنايات الكبرى الذي حصلت "الغد" على نسخة منه فنص على "اعلان براءة المتهمين من جميع التهم المسندة اليهما قرارا وجاهيا"، وجاءت البراءة لكون "أقوال المتهمين غير مقنعة ومتناقضة للواقع وغير متجانسة مع الادلة، ومشوبة بالغموض والاكراه، اضافة الى أنها جاءت في سياق ظروف مشبوهة يعتريها مظنة الإكراه، اضافة الى عدم قانونيتها امام الشرطة".
وأشار قرار المحكمة كذلك، الى تقارير الطب الشرعي التي اكدت "أن سبب وفاة الاب مرضي، ولا يمكن الجزم ان الوفاة ناتجة عن تجرع أدوية، خصوصا مع وضوح السيرة المرضية للأب".


واعتبر القرار ان "افادات المتهمين امام الشرطة باطلة ومخالفة للقانون، إذ انه تم تدوين الاعترافات بدون وجود ولي الامر أو مراقب السلوك".
الى ذلك، تسعى "ميزان" حاليا الى تحريك قضية جديدة ضد الأعمام، وهي قضية "تعويض عن العنف"، مستفيدة بذلك من قانون الحماية من العنف الاسري، حيث ترى ابو حلاوة، انه "رغم سقوط دعوة العنف الاسري، لكن كلا من طلال واسماء لهما الحق في الحصول على تعويض عن الاذى الذي تعرضا له على مدار سنوات من قبل أعمامهما، وكذلك حرمانهما من الحرية لفترة من الزمن لذنب لم يقترفاه، ترتب عليه انقطاعهما عن التعليم وفقدان فرصتهما في استكمال دراستهما ودخول الجامعة".


ويوضح طلال انه وبعد تسربه عن المدرسة لاكثر من ثلاثة أعوام لم يعد قادرا على الالتحاق بالتعليم النظامي في المسار الاكاديمي، وأن الخيار الوحيد امامه استكمال التعليم غير النظامي في المسارات المهنية، وهو امر لا يرغب به، كذلك الحال لشقيقته.


ومع غياب برامج الرعاية اللاحقة للاطفال ضحايا العنف الاسري، وعدم وجود الية تضمن توفير حق التعليم للأحداث في دور الرعاية، يبقى المستقبل امام طلال وأسماء مجهولا.

ويقطن طلال وأسماء اليوم في منزل جدهما لجهة والدتهما، حيث يسعى الجدان لتعويض حفيديهما عن سنوات الظلم والحرمان، فيما التحق "طلال" بسوق العمل، حيث يعمل في احد مطاعم الوجبات الشعبية لمدة تتجاوز 12 ساعة يوميا، مقابل يوم اجازة اسبوعيا، اما أسماء التي تقضي أيامها في مؤانسة جديها الطاعنين في السن، فتأمل بأن تجد وسيلة لتحقيق حلمها بالالتحاق بالتعليم الاكاديمي النظامي.

(الغد)

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير