سلامٌ على إبراهيم
جو 24 : كتب حسام الحياري - سلامٌ على إبراهيم الذي كان لقائي الأول به قبل 27 عاماً في عموده اليومي (أفق) في صحيفة الرأي، إلا أن لقائي الأول به شخصياً كان ذو طابع آخر؛ ولم أسأله يوماً عن أحواله إلا ويقول : "ماكل شارب.. قاري كاتب" .
وكأن ذلك الرد قد لخص به إبراهيم العجلوني -أبو سلطان- معنى الحياة التي غادرها، بعد أن كابد ما كابد فيما قُدّر له من عُمر.
لقد كان إبراهيم العجلوني كنخلة وسط الصحراء، تنمو و تُثمر رغم بيئتها التي تضيق بها وتشُح عليها. ولم يكن إبراهيم العجلوني إلا جندياً يقاتل على تخوم وعي الأمة وعلى ثغور ثقافتها وعقيدتها.
ولطالما اشتبك مع المفكرين من الغرب والشرق في فأظهر خطأهم وأنصف من كان الحق مطلبه ومقصده . فكشف ما يُبيت لهذه الأمة بليل، ودفع عنها الأفكار الخبيثة.
بقي إبراهيم العجلوني متمسكاً بمبادئه و أفكاره وقيمه، وكان ذلك منه دون ظهير ولا نصير، وهو ما كان له أثره البالغ في عزيمته وإصراره لكنه لم ينته به إلى الهزيمة أو الاستسلام. فكان ، رحمه الله، إن أُغلق دونه باب قصد باباً آخر .
يرى إبراهيم العجلوني نفسه تلميذا في مدرسة الرافعي والعقاد وطه حسين وأحمد آمين. كما أنه عاش مع الإمام أبي حامد الغزالي، والقاضي عبد الجبار المعتزلي، و مع الرازي و توليستوي و كانت وجوته. كان مفكراً موسوعياً، لم ينغلق على فكر دون آخر.
ترك العجلوني دراسة الماجستير في الفلسفة إحتجاجاً منه على أساليب تدريسها، وما لبث أن أهدى مكتبة الجامعة تلك كتابه في الفلسفة والخطاب القرآني بعد شهر ونصف من تركه الدراسة.
إبراهيم العجلوني المثقف رأى الثقافة أسلوب حياة في ظل عقيدة مفسرة للوجود. والمثقف هو صاحب الرؤية في الحياة.
كتب إبراهيم العجلوني في العديد من المجالات الدينية والفكرية والأدبية ؛ في الفلسفة والخطاب القرآني ونظرات في الواقع الثقافي الأردني دراسات في الفكر القومي. وقد أضاف العجلوني للمكتبة العربية 44 كتاباً. طبع العديد منها على نفقته الخاصة وأهداها للعديد من المكتبات العامة. وله كتاب لم ينجزه وكان يراه آخر كتبه، وهو ما كان، وسمّاه محمد رسول الله والنخب الأوروبية المستنيرة، والذي كان يعمل به على تقديم رؤى النخب الأوروبية في عصر الأنوار للنبي صلى الله عليه وسلم.
رحمك الله يا إبراهيم، وإن كنا فقدناك اليوم جسداً، إلا أننا لم نفقدك فكراً و ثقافة ، فكتبك باقيةٌ على قيد الحبر. ولعل من الواجب على وزارة الثقافة طباعة تراث إبراهيم العجلوني.
لقد بكيت نفسك يا إبراهيم قبل موتك فقلت:
سأبكي على نفسي وليس بكائيَ.. بشافٍ غليلي، لا، ولا الدمع راويا.
لعمري ضلالٌ ما أؤملُ في غدي.. إذا لم يكن عفو الإله ردائيا.
إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضى ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون. وأسأل الله عز وجل ان تكون عنده راضياً مرضياً، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.