القروض : استعمار الثالوث المدمر .. الاردن انموذجا
معاذ ابو الهيجاء - نشرت صحيفة "العرب اليوم" خبرا نقلا عمن اسمته مصدرا رفيع المستوى يفيد أن الاردن تقدم بطلب لصندوق النقد الدولي للحصول على قرض تصل قيمته الى 2 مليار دولار.
وقال المصدر ان صندوق النقد الدولي طالب الاردن بحزمة اصلاحات مالية وضريبية منها رفع الدعم عن عدد من السلع والخدمات وفرض ضرائب على اخرى كشرط لدراسة امكانية منح الاردن قرضاً بهذه القيمة.
لقد أوضح كثير من علماء الاقتصاد السياسي، وسياسيون مفكرون منذ أواسط القرن الماضي خطورة القروض الاجنبية على استقرار الدول السياسي والاقتصادي، وأن تلك القروض سوف ترهن الدولة للجهات المانحة.
وما سياسة البنك الدولي في اعطاء القروض إلا أحد اساليب السيطرة على الدول، حيث أنها تفتح الطريق أمام الأموال الأجنبية لتحل محل الجيوش والقوى العسكرية في فرض السيطرة والنفوذ على الشعوب الضعيفة لاستغلالها.
وأميركا كانت وما زالت تضطر الدول لأخذ القروض منها، وهي تضغط على كل بلد حتى تجبره على أخذ المساعدات، والبلد الذي يمتنع عن أخذ القروض تُثير فيه القلاقل، وتغلق له المتاعب حتى اغضاعه لارادتها ، وتضطره لأخذ القروض منها، لربطه بها بواسطة الأموال.
ولقد سبق وعانت بلدان العالم الإسلامي من القروض الخارجية أشد البلاء، فاحتلت تونس، واستعمرت مصر عن طريق الديون، إلا أن الدول القائمة في العالم الإسلامي ما زالت تقوم بتمويل معظم مشاريعها بقروض خارجية جلها من أميركا، إما مباشرة مـنها ، أو بطريق غير مباشر عن طريق البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
والإقراض يتم بعد إرسال الخبراء لمعرفة مقدرة البلاد المالية، والإحاطة بأسرارها الاقتصادية، وفرض شروط ومشاريع معينة هي في الغالب مشاريع استهلاكية وخدمات عامة، وليست مشاريع إنتاجية.
والقروض وسيلة لبسط النفوذ، وسلاح سياسي في يد الدولة المقرِضة تستخدمه لتفرض به سياستها ونظامها على البلد الذي يأخذ هذه القروض، وأي نكسة تصيب مشاريع التنمية في الدول المستدينة هي نكسة للنظام الذي يقوم بتنفيذها.
والقروض التي تعطي على نوعين: قصيرة الأجل، وطويلة الأجل، أما القروض قصيرة الأجل فإن القصد منها ضرب عملة البلاد لإيجاد اضطراب فيها، لأنه لا يُقبل السداد إلا بالعملات الصعبة، وقد تعجز البلاد عن التسديد بهذه العملات لندرتهـا لديها، أو لأنها في حاجة إليها، مما يضطرها لشراء هذه العملات بأسعار عالية، فتهبط قيمة عملتها وتلتجأ إلى صندوق النقد فيتحكم في عملتها حسب السياسة التي تراها أميركا لأنها هي التي تسيطر عليه وتملك أكثرية أسهمه.
أما القروض طويلة الأجل فإنها توضع لآجال طويلة، ويتغافل عن تسرب هذه الديون للأرصدة الشخصية ويتساهل عند استحقاقها حتى تتراكم وتصبح مبالغ ضخمة تعجز البلاد عن تسديدها، فيبدأ تدخل الدولة المقرِضَة إما مباشرة أو عن طريق المؤسسات المستخدمة في الإقراض، ويجري فرض برنامج للتصحيح الاقتصادي يتضمن شروطاً مهلكة مثل تخفيض سعر العملة، وتقليص الإنفاق الحكومي، وخصخصة المشاريع العامة، وتعويم أسعار العديد من السلع، ورفع الرسوم على بعض المواد والخدمات مثل المحروقات والمياه والكهرباء، وفرض ضرائب جديدة، وغيرها من الإجراءات التي تجعل اقتصاد البلد والسياسة المالية في قبضة الدول المقرِضة.
وما حصل ويحصل في الأردن منذ نهاية عقد الثمانينات أبلغ دليل على ما يجره هذا التدخل من تأخر اقتصادي، وإرهاق لكواهل الناس، فَمِن تخفيض سعر الدينار، إلى فرض ضريبة على المبيعات، ثم رفع الدعم عن الخبز وارتفاع أسعار معظم السلع الأساسية وغيرها، بالإضافة إلى زيادة الرسوم على جل الخدمات التي تقدمها الدول، كل هذا وغيره والبلاد تعاني من زيادة في الفقر وارتفاع في مستوى البطالة، وركود اقتصادي ينذر بعواقب مخيفة.
وهذا احد اسباب عجز الموازنة العامة الاردنية، وارتفاع مديونية الاردن فما قامت به حكومة الطراونة من رفع الاسعار لتعويض العجز في الموازنة نتيجة ضغوط سرية يمارسها البنك الدولي على الاردن، وهو ما كشفت عنه صحيفة "العرب اليوم" بطلب الاردن مزيدا من القروض، ويبدو أن البنك الدولي وافق بشرط رفع الاسعار وفرض ضرائب تصاعدية وإجراءات أخرى من شأنها ارهاق المواطن الاردني وجعل الاردن يعيش في تبعية اقتصادية وسياسية ويبقى يدور في دوامات إلى ما شاء الله .
فعلى الاردن أن يرفض أخذ القروض من البنك الدولي، وأن تعمل على الإنعتاق من قبضته ، والسير بالتقدم الاقتصادي، وذلك عن طريق إيجاد قاعدة تكنولوجيا متقدمة، وجعل الاردن بلدا صناعيا بإقامة المصانع التي تصنع الآلات، مهما كلف الامر من جهود وطاقات ومهما وجد الاردن من صعوبات -إن كان القائمون على الدولة فيهم الاخلاص- لهذه البلد كما فعلت باكستان حين قالت سنأكل الحشيش حتى نصع القنبلة النووية وقد فعلت ذلك لاحقا.
ويجب أن نعلم أن الدول الغربية تقوم بكل أنواع التضليل لمنع الدول الأخرى من الوصول إلى تكنولوجيا متقدمة، وما قوانين حماية الملكية الفكرية إلا من أجل احتكار التقدم التكنولوجي وجعله محصورا بشركات الدول الكبرى العملاقة.
وإن لم يقم الاردن فورا بإلغاء فكرة أخذ القروض، والسعي الحثيث لجعل الاردن بلدا صناعيا ضخما، عن طريق استخراج النفظ من الصخر الزيتي وتوسيع قاعدة بنائة العلمي فإنه سيقى يرزح تحت نير استعمار الثالوث المدمر: صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية، وهي مؤسسات أميركية تحت اسم دولي.