كرة القدم تقدح نار الشعر.. كيف صور شعراء العربية نجوم الرياضة؟
إبداع ساحر؛ هكذا يصف محبو الرياضة ما يفعله أبطالهم.
ومِن الشعراء من ذهبت قصائدهم في هذا الاتجاه، وآخرون كانوا على الضفة الأخرى. وبين رأي وآخر كتبت القصائد التي كانت الرياضة مصدر إلهام لشعرائها، وإن اختلفت نظرتهم، وطريقة معالجتهم.
شوقي ونصير.. كلاي والجواهري
في صيف عام 1928 عاد المصري سيد محمد نصير من أولمبياد أمستردام متوجا بالميدالية الذهبية في رفع الأثقال ليكون أول بطل عربي لهذه الرياضة، فاحتفت مصر بهذا الحدث، وكتب أمير الشعراء أحمد شوقي قصيدة تمجد فوز البطل المصري. وكان احتفاء شوقي بالبطل العنوان العريض، لكن القصيدة حملت إشارات مجتمعية وسياسية، وفي خاتمة القصيدة يعرض شوقي أسئلة على رافع الأثقال:
" قل لي نصير وأنت بر صادق
أحملت إنسانا عليك ثقيلا
أحملت دينا في حياتك مرة
إلى أن يصل لمحصلة نهائية (تلك الحياة وهذه أثقالها/ وزن الحديد بها فعاد ضئيلا).
ويرى الناقد أبو عاقلة إدريس في إفادته للجزيرة نت "أن أحمد شوقي وظف فكرة الأثقال توظيفا شعريا. وربما قرأت في سياقات أخرى أنها تقليل من المنجز".
ولئن بدا شوقي محتفيا بهذا البطل بشكل هادئ؛ فإن بطلا آخر كان موضوعا لقصيدة لأحد كبار الشعر العربي الحديث، إذ كتب محمد مهدي الجواهري قصيدة في الملاكم محمد علي كلاي قدم لها بسطر "تلاكم وخصمه؛ فهزمه وأدماه، فحاز إعجاب العالم وملايينه!!"، والقصيدة رؤية للجواهري يلخصها العنوان "حيث تضيع المقاييس"، وتوضحها بعض الأبيات مثل قوله:
"شسع لنعلك كل موهبة
وفداء ((زندك)) كل موهوب
وصدى لهاثك كل مبتكر
من كل مسموع ومكتوب".
ويواصل إدريس إفادته "من الواضح أن الشاعر عقد في نفسه مقارنة بين ما تعانيه طائفة من الأدباء من خفوت صيت وضيق ذات اليد وبين ما ناله كلاي نظير نزال واحد".
وربما بدا الجواهري غير محب للرياضة بما حوت أبيات القصيدة، غير أن الشاعر والناقد "الواثق يونس" يرى أن الشاعر خصّ نوعا واحدا من الرياضة بالذكر، و"من المعروف أنها رياضة تقوم على لكم الخصم وتلك مدعاة للنفور عند الكثيرين خاصة عندما تسيل الدماء".
ويضيف يونس في إفادته للجزيرة نت "الملاكمة تجافي السياق الحضاري للجواهري، فالرياضات العنيفة تتسق مع سياقات غربية أما العرب ففي تاريخهم ميل لأشكال أخرى في الرياضة في اتساق وحركة كالرماية وركوب الخيل".
ميسي بين المتنبي وبورخيس
حتى الذين لا يحبون النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي لا يستطيعون التقليل من شأنه أو إنكار موهبته غير العادية، أما المحبون فيذهبون مذاهب شتى في حبه، وقد تسلل هذا الحب لقصائد الشعراء فكتب الشاعر السوداني أسامة تاج السر قصيدة منها:
"ليونيل تحفة كل العصور
وسلطان هذا الزمان
-كما المتنبي-
بأقدامه يكتب الشعر
في صورة ناصعة".
يصرح النص بتشبيه ميسي بالمتنبي، بل يذهب الشاعر إلى تشبيه ما يفعله ميسي بالشعر. وبعيدا عن الشعر ومجازاته يقول أسامة للجزيرة نت "الإبداع هو الإبداع، فإذا كان الأديب ينحت إبداعه بيديه، فللأقدام سحرها الذي يشد ملايين البشر إليه".
ذات اللاعب يحرك قلم شاعر آخر، فيكتب السعودي حيدر العبد الله قصيدة تحت عنوان "حفلة اعتزال مبكرة" يستهلها بالقول:
"في كوكب الأقدام يا ميسي
الرأس أنت، وفالق الروس".
ويصف العبد الله مهارات اللاعب ومراوغته للخصوم:
"كم لاعب أتلفت ركبته
بتحرك عدل فمعكوس
ومبارز رنحته بخطى
كالجن ترنيحات ممسوس".
والقصيدة تفعل فعل سابقتها من وصف ما يفعله اللاعب بالشعر، ويجعل قدمَي اللاعب راويتين لحكايتهما:
"قدماك راويتا حكايتها
والشاعران بلا قواميس".
ومن ثنايا النص تتكشف رؤية الشاعر وسبب وصفه لما يفعله الموهوبون من لاعبي الكرة عموما، وميسي على وجه التحديد بالفن والإبداع:
"لا غرو إن الفن مهنته
في الأرض تحريك الأحاسيس
كم نفس مشغوف وكم نفس
وقف على قدميك محبوس
ولعا بأرجنتين ميسي لا
ولعا بأرجنتين (بورخيس)".
ويواصل الناقد أبو عاقلة إدريس إفادته للجزيرة نت قائلا "المقارنة معقودة ها هنا بين ميسي اللاعب وخورخي بورخيس الأديب، لكنها ليست على الإبداع وإنما على ولع الناس والشهرة والسيرورة".
البطل.. الملهم
نجوم الرياضة وكرة القدم شخصيات محبوبة ومعجبوهم كثر، ويصل الإعجاب مرحلة التأسي والاقتداء. بعضهم استطاع أن يكون ملهما لأجيال لأن اسمه علا رغم البيئات البسيطة التي أتى منها فحاز النجومية رغم النشأة في أفقر الأحياء، تماما مثل بيليه ومارادونا، ومنهم من حرص على رد الجميل للبيئات التي نبت فيها.
زكريا مصطفى شاعر سوداني استوقفه سلوك اللاعب السنغالي ساديو مانيه وأخلاقه وتدينه مصورا لقطة عالقة بأذهان معجبي اللاعب (كلما سجل في خصم هدف/ رفع الكفين تلقاء السماء/ وابتسم)، ومخاطبا اللاعب في بعض أبيات القصيدة:
"علّم الصبية درس الكبرياء