2024-05-28 - الثلاثاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

الكسب غير المشروع تأجيل منذ 1984 .. ولا حماية للمبلغين

الكسب غير المشروع تأجيل منذ 1984 .. ولا حماية للمبلغين
جو 24 :

لقد جرى أول حديث عن قانون (من أين لك هذا) في عهد حكومة أحمد عبيدات سنة 1984، حين تعهد أمام مجلس النواب بإقرار قانون من أين لك هذا، إلا أن الرجل لم يستطع تحقيق حلمه حينها فرحل الرئيس إذ لم يكمل سنة في رئاسة الحكومة، ثم جاء مجلس النواب الحادي عشر سنة 1989 وجرى فيه حديث مطول عن القانون إلا أنه لم يتم إقراراه، ولم يخلو مجلس نيابي حتى اليوم من مطالب نيابية تدعو وتطالب بإقرار مثل هذا القانون، وتحت ذات العنوان.

وإذا كانت غالبية الأنظمة النيابية الديمقراطية الحديثة أفرغت واجب إشهار الذمة المالية أو الإفصاح المالي لأعضائها من أي نص تشريعي، وتركته إلى الرقابة الذاتية الشخصية لكل نائب، على اعتبار أن نواب الأمة هم أولئك الأشخاص الأكثر أمانة ونزاهة وقدرة على تحمل مسؤولية القيام بالخدمة العامة كما يشير أستاذ الفقه الدستوري ليث نصراوين، فإن الوضع يختلف كثيراً هنا في الأردن، فكثيرا ما كنا نسمع عن نواب ووزراء تخلفوا عن إقرار ذمتهم المالية.

النائب البريطاني مثلا يقوم بالإفصاح عن أمواله وممتلكاته الخاصة التي تقرر فقط بموجب قرار صادر عن مجلس العموم بموافقة أغلبية أعضائه من دون الحاجة لأي نص تشريعي، وأن مراقبة مدى التزامه بإشهار ذمته المالية أمر متروك للرقابة الشعبية وذلك من خلال جعل الإشعارات والبيانات المقدمة منه علنية وفي متناول الجميع من دون الحاجة لأية عقوبات جزائية.


وفي عهد المجلس النيابي السابع عشر قدمت حكومة د.عبد الله النسور مشروع قانون معدل لقانون الكسب غير المشروع، تم ترحيله مرتين بسبب خلاف مع الأعيان، فلم يتمكن المجلسين من إقراره لا في الدورة غير العادية الأولى التي بدأت في العاشر من شباط (2013) والتي انتهت في (10/8/2013)، ولا في الدورة الاستثنائية التي بدأت في الأول من أيلول الماضي وتم فضها في الخامس والعشرين من أيلول ذاته.

لكن مشروع القانون الذي قدمته الحكومة لم يحمل فروقات كبيرة عن قانون إشهار الذمة المالية فتعريف الكسب غير المشروع في مشروع القانون هو التعريف ذاته الوارد في المادة (6) من قانون إشهار الذمة المالية بأنه: "كل مال منقول أو غير منقول يحصل عليه أي شخص تسري عليه أحكام هذا القانون لنفسه أو لغيره بسبب استغلال منصبه أو وظيفته أو المركز الذي يشغله أو بحكم صفة أي منها، وكل زيادة تطرأ على المال المنقول أو غير المنقول وفق إقرار الذمة المالية المقدم منه له أو لزوجه أو أولاده القصر وذلك أثناء اشغاله للمنصب أو الوظيفة أو المركز أو بسبب صفة أي منها اذا كانت هذه الزيادة لا تتناسب مع مواردهم المالية وعجز عن اثبات مصدر مشروع لتلك الزيادة".

لكن الإيجابية التي يمكن أن تكون منجزاً للجنة القانونية النيابية التي يترأسها المحامي مصطفى ياغي تتمثل بالموافقة على زيادة نطاق المشمولين بأحكام القانون ليضاف إلى المشمولين السابقين رؤساء ومدراء الاجهزة الأمينة (الجيش، المخابرات، الدفاع المدني، الدرك، الأمن العام، الأمن العسكري)، فقد كانت قائمة المشمولين بالقانون تضم رئيس الوزراء والوزراء، ورئيسي مجلسي الاعيان والنواب وأعضاء المجلسين، والقضاة، وأمين عمان وأعضاء مجلس الأمانة ورؤساء المجالس البلدية، وغيرهم من الموظفين الحكوميين.

اما الجهة التي تراقب تنفيذ مشروع قانون الكسب غير المشروع، فقد أنشأ مشروع القانون دائرة جديدة في وزارة العدل تسمى دائرة منع الكسب غير المشروع التي ترتبط إداريا بوزير العدل ويرأسها قاضي تمييز يسميه المجلس القضائية، لكن مجلس النواب أقر إلغاء هذه الدائرة ووافقوا على قرارهم السابق الذي يقول "تنشأ لدى المجلس القضائي هيئة قضائية او اكثر برئاسة قاضي تمييز وعضوية قاضيين اثنين لا تقل درجتهما عن الدرجة الخاصة بقرار من المجلس القضائي لمدة سنتين يعاونهما في ذلك العدد اللازم من الموظفين تتولى المهام التالية: تلقي الاقارات الخاصة بالاشخاص المشمولين باحكام هذا القانون واي بيانات وايضاحات واخبارت وشكاوى متعلقة بها، ومخاطبة الجهات ذات العلاقة لتزويد الهيئة باسماء الاضخاص التابعين لها الذين تسري عليهم احكام هذا القانون واي معلومات او بيانات تتعلق بهم، وفحص الاقرار المقدم الى الهيئة وتدقيقه ودراسته عند تقديم اي شكوى ترد اليها بحق اي شخص تنطبق عليه احكام هذا القانون وتتعلق بكسب غير مشروع تحقق ذلك، وطلب ايضاحات او بيانات معلومات من مقدم الاقرار او من اي جهة اخرى ذات علاقة بهذا الشان، وتزويد هيئة مكافحة الفساد بصورة طبق الاصل عن الاقرارت واي بيانات او معلومات تطلبها عن الاشخاص الخاضعين لاحكام هذا القانون بشان اي قضية فساد منظورة امامها".

وأصر المجلس أيضا على إضافة عبارة "من أين لك هذا" إلى جانب مسمى "الكسب غير المشروع" المعاد من مجلس الأعيان ويصبح مسمى القانون "الكسب غير المشروع-من أين لك هذا"، ما يشكل مخالفة لتعديلات الأعيان وتوصية اللجنة القانونية في المجلس بالموافق على قرار الأعيان، حيث رأى رئيس اللجنة القانونية أن (الكسب غير المشروع) اسم كافٍ، وفي عبارة (من أين لك هذا) لغة اتهامية). ودعا ياغي في آخر جلسة للنواب في دورتهم الاستثنائية للتصويت على شطب العبارة على اعتبارها تخالف الدستور من خلال مناقضتها لقرينة البراءة، بقوله " لا يجوز أن يكون أسم القانون أو مشروع القانون على شكل سؤال أو استفسار"، وأن، الكسب غير المشروع يؤدي إلى الكلمة المحكية التي تتناقل في الشارع وهي "من أين لك هذا"، لكن عضو اللجنة القانوينة وفاء بني مصطفى حينها أصرت الإبقاء على عبارة " من أين لك هذا" على اعتبار أن التسمية تبعث على الطمأنينة في الشارع والحراك الأردني والحراك الأردني، حيث كان القانون مطلباً شعبياً، كذلك قال النائب موسى أبو سويلم، إن القرآن الكريم أورد سؤوال النبي زكريا للسيدة مريم، بقوله "أنى لك هذا"، وهذا لا يعد اتهاماً. وتجدر الإشارة أن مجلس الأعيان أعاد مشروع القانون بعد أن أجرى تعديلات طفيفة عليه، رافضاً إضافة النواب من "أين لك هذا" على اسم المشروع، كما أضاف في قائمة المشمولين بأحكامه نقباء النقابات المهنية والعمالية ورؤساء وأعضاء مجالس الاتحادات الرياضية والعمالية والخيرية التعاونية ورؤساء الأحزاب وأمنائها العامين" ورفض الأعيان إقرار مشروع القانون بأثر رجعي، كون ذلك يتناقض مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ويخالف حقوق المواطن المنصوص عليها في متن الدستور والقوانين ذات العلاقة، إضافة إلى احترام مبدأ استقرار المراكز القانونية.

ولقصة الأثر الرجعي هذه حكاية، حيث أن مسألة ربط سريان قانون منع الكسب غير المشروع بأثر رجعي من لحظة العمل بقانون إشهار الذمة المالية رقم 54 لسنة 2006، لاتزال غير واضحة في القانون، فحين مناقشة النواب لللمادة المتعلقة بالمدد الزمنية لتطبيق القانون تبنى مذكرة قدمها النائب زكريا الشيخ تطالب باعادة فتح المادة 4 من مشروع قانون الكسب غير المشروع"من اين لك هذا" لأن النص الذي تم اقراره يحدد المشمولين بالملاحقة والمحاسبة منذ اقرار قانون اشهار الذمة المالية لسنة 2006، وذلك استنادا الى ان كل من ارتكب جرم الاعتداء على المال العام قبل سنة 2006 يفلت من العقوبه ولذلك تطالب المذكرة بان يكون القانون باثر رجعي وان لا يسقط بالتقادم، ما يعني أن كل شخص حصل على كسب غير مشروع قبل ذلك العام يعد حراً طليقاً، وتلك الفترة تحديداً وما سبقها بأعوام قليلة كانت مؤسسة الدولة تصفى وتباع واحدة تلو الأخرى ضمن سلسلة مشاريع الخصخصة. كما أن هناك مسألة لم يوضحها لا الحكومة ولا النواب أثناء مناقشة القانون، الذي اعاده النواب للأعيان ولم يقر بعد فض الدورة، والذي سيكون على أدراج النواب في دورتهم القادمة، وتتمثل المسألة، بأن تبعات تخلف النواب عن إشهار ذممهم يجب أن تخرج عن نطاق العقوبات الجزائية التقليدية والتي تقف لها الحصانة النيابية بالمرصاد.

فالجزاءات التي يجب تطبيقها على النواب المتخلفين عن إقرار ذممهم يجب أن تندرج تحت بند العقوبات البرلمانية المتمثلة في حرمان النائب من حضور جلسات المجلس لفترة من الزمن، مع حرمانه من رواتبه ومخصصاته المالية لحين تصويب أوضاع اشهاراته المالية، وضرورة الإعلان عن تلك العقوبات وإعلان اسماء النواب المتخلفين عن إقرار ذممهم يتم تزويدها للإعلام وان تنشر في الصحف المحلية، وألا تبقى المعلومة حكراً على الجهة القضائية التي تنفذ القانون، وكل ذلك في سبيل عمل ديمقراطي برلماني حق يوضح لجمهور الناخبين طبيعة النائب الذي منحوه أصواتهم.

والمطلوب اليوم أن يتصدى مشروع قانون الكسب غير المشروع لمبدأ كان يشمله قانون إشهار الذمة المالية، ويتعلق بعدم وجود مواد تحمي المبلغ عن وجود كسب غير مشروع سواء عبر الهاتف أو بمذكرة خطية حيث وافق النواب على ما ورد في مشروع الحكومة حول معاقبة كل من قدم بقصد الاساءة اخبارا كاذبا عن كسب غير مشروع ولم يترتب عليه اقامة دعوى، كما وافق المجلسين على عدم حبس من يتخلف عن تقديم اقرار اشهار الذمة المالية، والإكتفاء بالغرامة المالية وقيمتها أن لا تقل عن ألف دينار، علما بأن مشروع القانون الوارد من الحكومة اقر الحبس مدة لا تزيد عن سنة واحدة أو بغرامة مالية لا تزيد عن الف دينار.

تابعو الأردن 24 على google news