jo24_banner
jo24_banner

من هي هِدي لامار فاتنة هوليوود التي أسس اختراعها لنظم الاتصالات اللاسلكية الحديثة؟

من هي هِدي لامار فاتنة هوليوود التي أسس اختراعها لنظم الاتصالات اللاسلكية الحديثة؟
جو 24 :
يوافق التاسع عشر من يناير/كانون الثاني ذكرى رحيل هِدي لمار، التي اشتهرت بجمال ساحر كان بمثابة تذكرتها لدخول عالم الفن الهوليوودي في عصره الذهبي.

لكن إلى جانب ذلك الوجه الجميل والحضور الأنثوي القوي، كانت لامار تتمتع بذكاء حاد وقدرة على الابتكار مكنتها من اختراع تقنية لا تزال مستخدمة حتى وقتنا هذا في الكثير من التطبيقات العلمية الحديثة.

فما هي قصة لامار التي فرت من أوروبا لتصبح نجمة سينمائية لامعة في أمريكا، والتي حاولت أن تغير باختراعها مجرى الحرب العالمية الثانية لكن بسبب جمالها وشهرتها، وربما مجرد كونها امرأة، لم تؤخذ على محمل الجد؟

شهرة دولية وسمعة سيئة
ولدت لامار، واسمها الحقيقي هدفيج إيفا ماريا كيزلر، في العاصمة النمساوية فيينا لأسرة يهودية ميسورة الحال، عام 1914.

كانت شغوفة بالتمثيل والمسرح منذ صغرها، كما كانت شغوفة أيضا بالتكنولوجيا والاختراعات منذ نعومة أظفارها، لدرجة أنها تمكنت من تفكيك صندوقها الموسيقي وتجميع أجزائه مرة أخرى وهي في الخامسة من العمر.

جينا لولوبريجيدا
جينا لولوبريجيدا: نجمة حياتها لا تقل إثارة عن قصص أفلامها
تلقت لامار دروسا في التمثيل في فيينا، وشاركت في مرحلة المراهقة في أدوار صغيرة في بعض الأفلام السينمائية والمسرحيات في النمسا وألمانيا.

لكن دور البطولة الذي لعبته في فيلم "إكستاسي” (Ecstase باللغة التشيكية وEkstase بالألمانية) للمخرج التشيكي غوستاف ماتشاتي وهي في الثامنة عشرة من عمرها هو ما أكسبها شهرة دولية وسمعة سيئة في الوقت ذاته.

اعتُبر الفيلم في غالبية البلدان الأوروبية عملا فنيا مبدعا، وحاز على جائزة بمهرجان فينيسيا (البندقية) السينمائي. لكن بابا الفاتيكان أدانه، كما أنه لاقى ردود فعل سلبية في الولايات المتحدة بسبب ظهور لامار عارية في بعض المشاهد، وظهور وجهها في مشهد ذي إيحاءات جنسية.

لامار في فيلم "Ecstase" التشيكي المثير للجدل
لامار في فيلم "Ecstase” التشيكي المثير للجدل
شاركت لامار بعد ذلك في العديد من الأدوار المسرحية في فيينا، ولا سيما مسرحية "إليزابيث إمبراطورة النمسا” التي حققت نجاحا كبيرا، وأكسبت بطلتها الكثير من المعجبين.
من هؤلاء المعجبين قطب الصناعة، فريدريش ماندل، الذي كان يطلق عليه لقب "هنري فورد النمسا”. كان ماندل يمتلك مصنعا ضخما للذخيرة و له علاقات قوية بالنظامين النازي والفاشي في ألمانيا وإيطاليا على الترتيب.

في عام 1933، تزوجت لامار ماندل الذي كان يكبرها بنحو 15 عاما رغم معارضة أبويها بسبب صلاته بهتلر وموسليني، وعاشت حياة مرفهة في قلعة ضخمة.

بحلول عام 1937، لم تعد لامار تحتمل الحياة مع زوجها الذي كان شديد الغيرة عليها، وكذلك الحياة في فيينا، وسط الاضطهاد المتزايد لليهود، فقررت الفرار من الاثنين والسفر إلى لندن حيث أقامت لبضعة شهور مع أقارب لها.

"أجمل امرأة في العالم”
في لندن تعرفت على، لويس بي ماير، رئيس استوديو مترو غولدن ماير (إم جي إم) الشهير، الذي كان يذهب باستمرار إلى أوروبا بحثا عن مواهب جديدة.

قدم لها ماير عرضا للعمل مع استوديو إم جي إم وأقنعها بتغيير اسمها للنأي بنفسها عن السمعة التي اكتسبتها كـ "فتاة إكستاسي” ، وأخبرها ما كان يخبر به غيرها من الممثلين اليهود آنذاك، وهو عدم الحديث عن ديانتهم.

اقترحت زوجة ماير التي أعجبت بها كثيرا أن تغير اسمها ليصبح هِدي لامار، تيمنا ببطلة الأفلام الصامتة الشهيرة باربرا لامار.

اصطحبها ماير إلى هوليوود في عام 1938، وبدأ يروج لها بوصفها "أجمل امرأة في العالم”.

بدأت لامار مشوارها في هوليوود بفيلم "Algiers” ("الجزائر”) الذي حقق نجاحا كبيرا ولفت الأنظار لجمالها من أول مشهد أطلت فيه على الشاشة الفضية.

أضحت صور لامار تنشر على كافة أغلفة المجلات الفنية، وبدأت نساء كثيرات في هوليوود يقلدن تسريحة شعرها و طريقة وضعها لمستحضرات التجميل، وسعى الكثير من الرجال إلى التقرب منها – وكان من بينهم على ما يبدو جون كندي الذي قالت لامار إنها واعدته قبل أن يصبح رئيسا لأمريكا.

شاركت فيما بعد في العديد من الأفلام الناجحة، مثل Boom Town و White Cargo، وComrade X و Ziegfeld Girl.

هِدي لامار في مشهد من "الرفيق إكس" (Comrade X) مع كلارك غيبيل
هِدي لامار في مشهد من "الرفيق إكس” (Comrade X) مع كلارك غيبيل
حصر ماير لامار في الأدوار التي تركز على جمالها وأنوثتها، ما أصابها بالملل، رغم أنها كانت تعمل لساعات طويلة تصل إلى 16 ساعة يوميا في بعض الأحيان.

لامار المخترعة
وجدت لامار سلواها في هوايتها المفضلة، الاختراع، التي كانت تمارسها، بعد انتهاء دوام عملها في الاستوديو.

تعرفت على مصمم الطائرات هاورد هيوز، ونشأت بينهما علاقة رومانسية، كما جمع بينهما حبهما المشترك للعلم والاختراعات. كانت لامار معجبة بعقل هيوز، وكانت تذهب إلى مصنعه وتشاهد كيف يتم تصميم الطائرات وتصنيعها.

ذكرت لامار في حوار صحفي أجري معها في عام 1990 أن هيوز كان يحاول في تلك الفترة إلى زيادة سرعة طائراته وأنها ساعدته على ذلك، حيث اقترحت عليه تغيير تصميم الجناحين، بعد أن عكفت على دراسة صور لأجنحة طيور وزعانف أسماك تشتهر بسرعتها.

اخترعت لامار في أوقات فراغها بضعة أشياء، من بينها حبة تذوب في المياه لتحولها إلى مشروب غازي، ولكن اختراعها لم يكن ناجحا بسبب سوء طعم ذلك المشروب- باعتراف لامار نفسها.

في بداية أربعينيات القرن الماضي، كانت قوات المحور تحقق تقدما كبيرا على عدة جبهات، وكانت بريطانيا، بأسلحتها التقليدية، تجد صعوبة بالغة في درء الأسلحة الألمانية المتقدمة.

كانت الزوارق البحرية بحاجة إلى التحكم في صواريخ الطوربيد المضادة للسفن والغواصات وتغيير مسارها في بعض الأحيان، ومن ثم كان الاتصال بينها وبين تلك الصواريخ أمرا ضروريا. لكن الاتصال اللاسلكي ليس آمنا، وبإمكان العدو رصد تردده والتشويش عليه.

مصمم الطائرات الشهير هاورد هيوز
تقول لامار إنها اقترحت على مصمم الطائرات الشهير هاورد هيوز فكرة ساعدته في زيادة سرعة طائراته
خطر للامار فكرة ابتكار طريقة سرية للاتصال لا يمكن التشويش عليها: بدلا من استخدام تردد واحد، اقترحت استخدام الكثير من الترددات التي تتغير باستمرار بالتزامن مع بعضها بعضا، ومن ثم لا يمكن التشويش عليها، وهي تقنية أُطلق عليها اسم "القفز الترددي”.
تقول لامار في مقابلة صحفية أجرتها في عام 1990: "جاءتني فكرة هذا الاختراع عندما كنت أفكر في ابتكار شيء يساعد في تحقيق بعض التوازن لبريطانيا”.

رفض وسخرية
لم تكن لامار تعرف كيف تطبق هذه الفكرة التي وصفها خبراء لاحقا بالعبقرية، فاستعانت بمؤلف موسيقي مبتكر يدعى جورج أنثيل.

لم يكن أنثيل مهندسا، ولكنه كان خبيرا بطريقة عمل أجهزة البيانو وكيفية ضبطها. اقترح أنثيل استخدام اسطوانتين صغيرتين تشبهان أسطوانات تشغيل البيانو، تبدآن في الدوران في نفس الوقت وبنفس نمط التردد لإنتاج ما يشبه شفرة سرية تمكن السفن من الاتصال بالطوربيدات.

عرض الاثنان الفكرة على مجلس المخترعين الوطني الأمريكي الذي اعتبرها عبقرية، ونصحها بالتواصل مع البروفيسور سام ماك أوين الذي صمم المركّب الالكتروني للاختراع.

سُجلت براءة الاختراع باسم هدفيج كيزلر ماركي (وهو اسم لامار خلال زيجتها الثانية من مؤلف السيناريو جين ماركي)، وجورج أنثيل في أغسطس/آب عام 1942.

يشير فيلم "Bomshell: The Hedy Lamarr Story” الوثائقي الذي عرض في أواخر عام 2017 إلى أن لامار وأنثيل تبرعا باختراعهما لمجلس المخترعين الوطني، الذي أعطاه بدوره للبحرية الأمريكية.

وينقل الفيلم عن أنثيل قوله إن البحرية رفضت الاختراع وسخرت من فكرة "وضع أسطوانات بيانو على متن قذائف التوربيدو”.

ويشير الفيلم إلى أن لامار كانت ترغب في مواصلة تطوير الاختراع بعد رفض البحرية له، لكن أنثيل لم يتحمس.

ربما أدركت لامار حينها أن الطريقة الوحيدة التي ستمكنها من المساعدة هي استخدام جمالها وشهرتها- تلك هي المؤهلات الوحيدة التي كان يسمح لها المجتمع باستخدامها آنذاك.

تمكنت لامار من بيع سندات حرب لتمويل القوات الأمريكية قيمتها نحو 25 مليون دولار ( ما يعادل حوالي 343 مليون دولار حاليا)، وفق الوثائقي، كما كانت تشارك في حفلات الترفيه عن الجنود – رغم أنها لم تكن قد حصلت على الجنسية الأمريكية بعد.

وما زاد الطين بلة، هو أنه في وقت لاحق من عام 1942، صادرت الحكومة الأمريكية براءة الاختراع باعتباره "a property of an enemy alien” (ملكية مواطن من دولة عدوة).

"لا أفهم، عندما استخدموني لبيع سندات الحرب، لم أكن مواطنة من دولة عدوة، وعندما اخترع شيئا من أجل هذه البلاد، أصبح مواطنة من دولة عدوة؟”، هكذا تساءلت لامار باستنكار في حوار عام 1990.

هِدي لامار مع سبنسر تريسي في فيلم "I Take This Woman"
هِدي لامار مع سبنسر تريسي في فيلم "I Take This Woman” الذي شاركت فيه قبل فترة قصيرة من اختراعها لتقنية "القفز الترددي”
"هوليوود كسرت قلبي”
كانت الأفلام التي تعرض عليها في تلك الفترة من نوعية "أفلام الدرجة الثالثة” التي صممها استوديو إم جي إم لتسلية الجنود والترفيه عنهم.

كانت لامار تريد أدوارا أكثر تحديا، ولكنها أدركت أنها لن تحظى بنفس المكانة التي حظيت بها ممثلات مثل غريتا غاربو ومارلين ديتريش. "إنهم يرون أنني ممثلة سيئة. لقد كسرت هوليوود قلبي”، هكذا قالت لامار فيما بعد.

حاولت التخلص من قيود إم جي إم ولويس بي ماير، فقررت إنتاج أفلام خاصة – وهو شيء لم يكن مرحبا به في تلك الفترة. أنتجت فيلمين هما The Strange Woman عام 1946، وDishonored Lady عام 1947، ولكنهما لم يحظيا بنجاح تجاري.

كان أبرز أدوارها هو دور دليلة في فيلم Samson and Delilah (شمشون ودليلة) الذي حقق نجاحا ضخما في عام 1950، وفاز باثنتين من جوائز أوسكار.

وسرعان ما بدأ نجم لامار في الأفول، ولم تحقق الأدوار التي لعبتها فيما بعد نجاحا يذكر.

وعلى الصعيد الشخصي، لم تكن سعيدة في أي من زيجاتها الست التي لم يدم أي منها لفترة طويلة، كما خسرت الكثير من أموالها في إنتاج فيلمها الملحمي "Loves of Three Queens” عام 1954.

أجرت العديد من جراحات التجميل التي فشل الكثير منها، وأصبحت وسائل الإعلام تسخر من شكلها بعد أن كانت توصف في شبابها بأجمل نساء العالم.

عاشت لامار في عزلة خلال العقود الثلاثة الأخيرة من حياتها، وكان الهاتف هو الوسيلة الوحيدة للتواصل مع ابنها وبنتها وأصدقائها، حتى وافتها المنية في 19 يناير/كانون الثاني عام 2000.

هِدي لامار في فيلم "شمشون ودليلة"
كانت لامار محصورة في أدوار المرأة الفاتنة أحادية البعد
إرث منسي واعتراف متأخر
في عام 1990، أجرى الصحفي فليمينغ ميكس حوارا عبر الهاتف مع لامار بعد أن سمع عن اختراعها خلال حديث جرى بين والده، العالم في الفيزياء الفلكية، وصديقا لوالده خبيرا في مجال الاتصالات الآمنة.

تحدث ميكس مع لامار خمس مرات عبر الهاتف، وكان المقال الذي نشره في صحيفة فوربز هو المرة الأولى التي يشار فيها إلى اختراع لامار في وسائل الإعلام.

احتفظ ميكس بالشرائط التي سجل عليها الحوار، والتي استفاد بها معدو الفيلم الوثائقي "Bomshell” بشكل كبير.

ذكرت لامار في تلك التسجيلات أن البحرية الأمريكية استخدمت التقنية التي ابتكرتها قبل انتهاء مدة حقوق براءة الاختراع، ومع ذلك لم تحصل لامار على أية أموال نظير ذلك.

يدعم ذلك ما كتبه مصمم جهاز "Sonobuoy” العائم الذي يستخدم في رصد الغواصات من أن البحرية الأمريكية اعطته براءة اختراع لامار قبل انتهاء مدة حقوقه، وأنه استخدم تقنيتها في تصميم الجهاز وفي تصميم طائرات مراقبة بلا طيار "درونز”.

كان من أول من انتبه إلى قصة اختراع لامار العاملون في صناعة الاتصالات، إذ كان قد بدأ بالفعل استخدام تقنية "القفز الترددي” في نظام تحديد المواقع "جي بي إس” و تقنية النطاق العريض (واي فاي) واتصالات البلوتوث اللاسلكية، بل وفي صناعة الأقمار الصناعية والصناعات العسكرية.

في عام 1997، قررت البحرية الأمريكية وشركة الصناعات العسكرية العملاقة لوكهيد مارتين وشركة تصنيع الأقمار الصناعية ميلستار منح لامار جائزة تقديرا لفكرتها العبقرية. الجائزة تسلمها ابنها نيابة عنها، وقال إن والدته تشعر بسعادة بالغة.

كانت لامار ترغب في أن يتذكرها الناس كشخص أسهم في خدمة البشرية، وها هي أخيرا تحصل على شيء من التقدير.

ألكساندرا دين (يسار) مخرجة فيلم "Bomshell: The Hedy Lamarr Story" الوثائقي إلى جانب النجمة الأمريكية الكبيرة والمنتجة المنفذة للفيلم سوزان ساراندون
ألكساندرا دين (يسار) مخرجة فيلم "Bomshell: The Hedy Lamarr Story” الوثائقي إلى جانب النجمة الأمريكية الكبيرة والمنتجة المنفذة للفيلم سوزان ساراندون أثناء عرض خاص للفيلم في لندن
كان للفيلم الوثائقي Bomshell: The Hedy Lamarr Story، وهو بالأساس كتابة وإخراج وإنتاج عناصر نسائية، دور كبير في التعريف بذلك الجانب من حياة لامار وشخصيتها.
ربما تشبه قصة هِدي لامار قصص نساء عديدات في مجال العلم والهندسة والتكنولوجيا والرياضة، لم يؤخذن على محمل الجد، ونساء أخريات عديدات وضعهم المجتمع في قالب الأنثى الجميلة التي لا تجيد شيئا على الإطلاق، ولا يتوقع منها أن تجيد شيئا على الإطلاق، سوى أن تكون أنثى جميلة.

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير