ماتيو ميسينا دينارو: كيف تم التعرف على زعيم المافيا واعتقاله في عيادة بعد 30 عاما من المطاردة؟
جو 24 :
كان أكثر زعماء العصابات المطلوبين في إيطاليا متوجها إلى مقهى خارج عيادة خاصة في صقلية عندما اقترب منه شرطي وسأله عن اسمه.
لم يكذب الرجل. نظر إلى الأعلى فقط، وقال: "تعرف إنني ماتيو ميسينا دينارو".
حتى تلك اللحظة، لم تكن قوات الأمن متأكدة من أن الرجل هو بالفعل "زعيم كل زعماء" المافيا، الذي يبحثون عنه منذ 3 عقود.
قام بحجز موعد في العيادة تحت اسم أندريا بونافيد. ولكن بعد سنوات من البحث المضني، لم يكن مع السلطات خلالها سوى صورة رسمها له الكمبيوتر، باتت الشرطة العسكرية الإيطالية واثقة من أنه الرجل الذي كانوا يبحثون عنه.
خلال الفترة التي قضاها في قمة عصابة الجريمة المنظمة كوزا نوسترا، أشرف ميسينا دينارو على عمليات ابتزاز وتخلص من نفايات غير قانونية وغسل أموال واتجار بالمخدرات. وأدين غيابيا في عام 2002 بارتكاب سلسلة من جرائم القتل.
وبحسب ما ورد كان ضمن بطانة توتو ريينا، زعيم عشيرة كورليوني، الذي تم القبض عليه في عام 1993 بعد 23 عاما من الهروب.
كان ذلك أيضًا العام الذي اختفى فيه ميسينا دينارو. ، ولم يكن بإمكان المحققين، لمدة 30 عاما، سوى الاعتماد على الكمبيوتر في تركيب الوجه ومقتطفات قصيرة من التسجيلات الصوتية لتحديد هويته.
أشارت التحقيقفات إلى تواجده في أماكن امتدت من فنزويلا إلى هولندا. لكن في باليرمو، قلب موطنه صقلية، تم القبض عليه.
وقال الصحفي الإيطالي أندريا بورغاتوري لبي بي سي: "لقد استغرق الأمر وقتا طويلا للقبض عليه لأنه، كما حدث مع زعماء المافيا الآخرين، كان محميا بشبكة كثيفة جدا من المتواطئين، شبكة متجذرة للغاية وقوية للغاية في صقلية وخارجها".
افترض الكثيرون أن اعتقال يوم الاثنين كان نتيجة بلاغ من شركاء ميسينا دينارو، الذين قرروا أن الزعيم المريض لم يعد مفيدا لهم.
وقال بورغاتوري إن أكثر زعماء المافيا المطلوبين في إيطاليا لفترة طويلة شعر بالحماية الكافية "للسير بحرية في شوارع باليرمو، معقل كوزا نوسترا".
في النهاية تم العثور عليه في وسط مدينة مزدحمة بعد 30 عامًا من البحث، فما الذي قاد الشرطة أخيرا إليه؟
وفي مؤتمر صحفي، رفضت الشرطة فرضية الإبلاغ عنه، وبدلا من ذلك، قالوا إنهم قاموا بدمج أساليب التحقيق في المدرسة القديمة مع التكنولوجيا الحديثة لتضييق نطاق المشتبه بهم.
قال ميتجا غيالوز، المحامي وأستاذ الإجراءات الجنائية بجامعة إل يو آي إس إس في روما: "على مر السنين، تشكل نوع من ستار الدخان الكثيف حول ميسينا دينارو، كان ذلك الستار مكونا من شبكة من الأشخاص الموالين له".
ولأكثر من عقد، قامت الشرطة بملاحقة أي شخص يشتبه في أنه يحمي أو يساعد ميسينا دينارو حيث تم القبض على أكثر من 100 شخص، بمن فيهم أشقاء دينارو، وتمت مصادرة أعمال تجارية تزيد قيمتها على 150 مليون يورو.
وقال الجنرال تيو لوزي: "أدى ذلك إلى إضعاف شبكته تدريجيا، وجعله في النهاية أكثر عرضة للخطر". لقد بدأ الستار الدخاني يتبدد.
خلال تلك الفترة كان يتم التنصت على منازل أقارب ميسينا دينارو.
لا بد أنهم كانوا على دراية بأن محادثاتهم يتم الاستماع إليها، ولذلك تحدثوا فقط عن "الأشخاص المصابين بالسرطان" و "جراحات السرطان" بعبارات عامة.
ومع ذلك، كان ذلك كافيا للمحققين، خاصة بسبب رواج شائعات بأن ميسينا دينارو مريض.
وقد أدت عمليات التنصت هذه، جنبا إلى جنب مع مراقبة عمليات البحث على الإنترنت عن مرض كرونا وسرطان الكبد من قبل شركاء ميسينا دينارو، إلى ترجيح فرضية أن زعيم المافيا يبحث عن العلاج.
جمعوا تفاصيل جميع مرضى السرطان الذكور الذين ولدوا في عام 1962 بالقرب من تراباني في غرب صقلية. وقام المحققون بتضييق نطاق البحث إلى 10 مشتبه بهم، ثم خمسة.
برز اسم واحد أمامهم: أندريا بونافيد، ابن شقيق رئيس المافيا المتوفى ليوناردو بونافيد.
ويُقال إن رجلًا يُعرف باسم بونافيد قد خضع لعملية علاج في باليرمو مرتين، في عامي 2020 و 2021. لكن خرائط الهاتف أظهرت أن هاتف بونافيد الحقيقي كان بعيدا عن عاصمة صقلية في أحد اليومين اللذين على ما يبدو أنهما خضع فيهما للمعالجة.
وعندما تم حجز جلسة علاج كيمياوي باسمه، أدرك أفراد قوة كارابينيري أنها فرصتهم فحاصر أكثر من 100 عنصر من القوات المسلحة عيادة لا مادالينا.
كان ميسينا دينارو يسير إلى المقهى عندما لاحظ وجود الشرطة بكثافة. حاول العودة، لكنه اكتشف إنتشار المزيد من رجال الشرطة وإغلاقهم الشارع. لم يركض، ربما كان يعلم أيضًا أنها مسألة وقت فقط.
وقال أحد الضباط، وهو الكولونيل لوسيو أرسيديكونو، لقناة تي جي كوم 24 الإيطالية إنه طارد ميسينا دينارو لمدة 8 سنوات. "كان هو الرجل الذي ظهر في الصور التي رأيتها مرات عديدة".
نُقل رئيس المافيا الذي قيل إنه كان "مهذبًا ولطيفا" إلى مطار قريب ومنه نُقل جواً خلال الليل إلى سجن شديد الحراسة في لاكويلا، في منطقة أبروتسو الوسطى، على متن طائرة عسكرية.
بدأت الآن تظهر تفاصيل عن كيف عاش ميسينا دينارو قبل اعتقاله. كان يعيش في منزل متواضع في كامبوبيلو دي مازارا، على بعد 116 كيلومترًا من باليرمو وعلى بعد 8 كيلومترات فقط من مسقط رأسه في كاستلفيترانو.
وقال أحد الجيران للتلفزيون الإيطالي إنه كثيرا ما كان يرى الرجل وأنهما دأبا على تحية بعضهما البعض.
لم تعثر الشرطة على أسلحة في المخبأ، وفقًا للتقارير الأولية. بل عثرت على عطور فاخرة وأثاث باهظ الثمن وملابس من كبريات دور الأزياء في العالم.
كان حب ميسينا دينارو للأشياء الفاخرة معروفا. وعندما تم القبض عليه، ورد أنه كان يرتدي ساعة بقيمة 35 ألف يورو. وقالت الشرطة إنه بصرف النظر عن كونه "رجلاً محطماً" لكنه بدا وكأنه "رجل مهذب في وضع اقتصادي جيد".
وقال البروفيسور جيالوز إنه بينما كان مصدر إحباط للسلطات وعائلات ضحاياه، فإن حقيقة أن السلطات استغرقت وقتا طويلا للقبض على ميسينا دينارو غذت أسطورته.
وأضاف قائلا: "بالطبع، أُجبر على العيش بحذر شديد، وكان عليه أن يحسب كل خطوة".
ربما تكون عمليات البحث التي أجراها شركاؤه على الإنترنت قد ساهمت في اعتقال ميسينا دينارو، لكن من غير المرجح أن يكون الزعيم نفسه قد استخدم التكنولوجيا على الإطلاق بسبب خطر ترك آثار رقمية.
ومضلى يقول: "لكي يستمر زعيم المافيا في العمل دون إزعاج كان عليه الابتعاد عن التكنولوجيا، والعودة إلى أسلوب الحياة شبه البدائي، والعودة إلى طريقة الاتصال اللفظي، وإنشاء رمز سري موازٍ ومتطور للتواصل مع حلفائه ".
لقد ذهل الإيطاليون من نبأ الاعتقال. وقد توجهت رئيسة الوزراء جيورجيا ميلوني مباشرة إلى صقلية لتهنئة القوات المسلحة حيث تدفق الثناء من جميع جوانب الطيف السياسي.
وقال الصحفي أندريا بورغاتوري لبي بي سي إن "ميسينا دينارو كان الأب الروحي الأخير لجيل أكثر شراسة من رجال المافيا. بعد أن اختبأ، غيرت كوزا نوسترا أسلوبها بالكامل حيث أصبحت منظمة أكثر صمتا وغير مرئية تقريبا".
وتفاخر رجل العصابات ذات مرة أنه يستطيع ملء مقبرة بضحاياه. وقال بورغاتوري إنه حتى التسعينيات من القرن الماضي كانت جرائم القتل تُرتكب على أساس يومي.
وقال: "ارتكب ميسينا دينارو بعضاً من أعنف وأقسى الجرائم التي يمكن أن تتذكرها إيطاليا". في عام 2002 جرت محاكمته وصدر عليه حكم غيابي بالسجن المؤبد. وتشمل جرائم القتل:
• مقتل المدعين العامين المناهضين للمافيا جيوفاني فالكوني وباولو بورسيلينو في عام 1992
• قتل أنتونيلا بونانو، الحامل من زعيم المافيا المنافس
• تفجيرات عام 1993 في ميلانو وفلورنسا وروما والتي أدت إلى مقتل 10 أشخاص
• اختطاف وقتل جوزيبي دي ماتيو، ابن أحد شهود المافيا الذين تحولوا للعمل مع دولة، والبالغ من العمر 11 عامًا. وقد تم احتجاز الصبي لمدة عامين قبل أن يقتل بإذابة جسده في حمض لمنع الأسرة من دفنه.
وقالت آنا سيرغي، أستاذة علم الجريمة بجامعة إسيكس، لبي بي سي إنه من المشكوك فيه أن تتمكن كوزا نوسترا من البقاء على قيد الحياة بدون زعيمها الأسطوري.
وتساءلت قائلة: "من الذي سيخلفه أو في الواقع هل سيتمكن من يخلفه من الظهور".