أين أنت يا وزارة السياحة من عروس نهرِ اليرموك الخالد "الحمة"؟
جو 24 :
كتب د. منتصر الزعبي -
وقفتُ أتأملُ ذلكَ المكانَ الذي يَحكِي عنْ ليالِي العِزِّ البائِدةِ، المَدْفُونِ في طَيِّ الزمَانِ السّاخرِ، الذي عَمِلَتْ فِيهِ يد الزمان والإنسان فتلاشى في ركام النسيان [فَفَاضَتْ دُمُوعُ العَيْنِ مِنِّيْ صَبَابَةً / عَلَى النَّحْرِ حَتَّى بَلَّ دَمْعِيَ مِحْمَلِي]
فتذكَّرتُ قَوْلَ الحَقِّ جَلَّ في عُلاه:(أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا)
ذلكَ المكَانُ الَّذِي تَربَتْ عُيُونُنا على رُؤيةِ جَمالِ طَبيعتهِ السَّاحِرةِ، وتاريخِهِ العَريقِ، بينَمَا لَمْ يًرَ فِيهِ القائِمونَ على وزارةِ الآثارِ والسياحةِ، إلا مَكانًا يستحقُّ الموتَ ، مِثْلَ الخَيلِ العَجُوزَةِ .
لقدْ تَعَرَّضَ لِجَريمةِ اغتيالٍ نَكْراءَ، لِطمْسِ قِيمَتِهِ، وتَرْكهِ يُصَارِعُ دهره الغاشِمَ، أُصبت بالذهول ساعةَ أنْ وقفتُ على أطلالِهِ. وقلت لنفسي:أحقًا، هذهِ حالُ عروسِ نهرِ اليرموكِ"الحمَّةُ الاردنيَّةُ"خاصرةُ الشمالِ الأردنيِّ؟!شعرت أنَّها تبكِي وتشتكِي وزارةَ السِّياحةِ إلى اللهِ، كما لو أنها تبكِي حُزْنًا على ماضٍ لنْ يعودَ، أو خوفًا من مستقبلٍ غامضٍ لا تعرفُ أسرارَهُ، كأنَّها تعيشُ في مأتم !!، لقدْ خلَعَتْ باهِي أثوابِها، مما تُعَانِيه مِنْ إهمَالٍ ، وتقصِيرٍ ،ونِسْيانٍ ، وتَهْمِيشٍ قَلَّ نَظِيرُه .
عَروسُ نَهرِ اليرموكِ، كانتْ قبلَ أنْ يَقْلبَ لَها الدَّهرُ ظَهرَ المِجَنِّ، أميرةً بِجَمَالِهَا ودَلالِها، رَوضَةً غَنَّاءَ مُشعَّة، يَتغَنَى بِها الزوَّارُ الذينَ كانوا يَحِلُّونَ ضُيوفًا عليها مِنْ كُلِّ صَوبٍ وحَدبٍ، كالأمِّ التي نَلجَأُ إلى حِضْنِها بَعدَ المتاعِبِ التي نَنوءُ بِها فِي الحَياةِ، كانت واحةٌ للمتعَبِينَ وجنَّةٌ للمُشْتاقِينَ، ومَقْصِدًا لعشَّاقِ النورِ، وقبلةً لاقتناءِ مَفَاتِيحِ الحياةِ، وشفاءً للمُسْتَشْفِين، ومَهْوَى لكلِّ طالبِ عِلاجٍ في ينابِيعِها المعدنيَّةِ، لَقدْ كَانتْ بِحقٍّ نَافذةَ بَهجةٍ لَهم، ولِأهلٍها، والآنَ الكُلُّ يَبْكِيها ،ويَرْثِيها حُزنًا ، وَهمًا، وغمًا ،وكمدًا!!
لا أدرِي كيفَ لَوتْ يَدُ التخْريبِ جِيدَهَا وجدائِلَها، وكيفَ التفَّتْ علي كُلِّ مَا فِيها مِنْ جَمالٍ أخَّاذٍ، فَذَابَ جَمَالُها كَما يذوبُ الفَجْرُ فِي دوَّامةِ الليلِ .
أُيَّتُها العروسُ ما ذنبُكِ ؟! وَهلْ يَكْفِي الوقوفُ على أطلالِكِ للبُكَاءِ، والعَويلِ؟ وهل يَكْفِي التَّأوُّهُ بَينَ أركانِك كَمُؤَبَّنٍ بينَ القُبورٍ الخَاوِيةِ؟ وهلْ يَكْفِي الدُعاءُ بالوَيلِ والثُبُورِ وعظائمِ الأمُورِ، على مَنْ كانَ سَببًا في شَيْخُوخَتِكِ، وذهاب جَمالِكِ، وتَحْويلِ وجَهَ القَمَرِ إلى ظُلْمِةٍ، وشُروقِ شمْسِك ِإلى غروبٍ كَئِيبٍ ؟! لينقَلبَ صَفاءُ وجهِكِ رُكَامًا، مَنْظِرٌ لا شك مُؤلِمٌ يَكْسِرُ القلبَ !
فَمَنْ يُعِيدُ إليْكِ ألَقَكِ وجَمَالَكِ ؟ مَنْ يُكفكِفُ دمُوعَكِ المِدْرَارَة ؟ مَنْ يُعيدُ إليكِ غَابِرَ مَجْدًكِ وحيوَّيتَك وشَبَابَكِ؟ لَقدْ أضحَتْ بِركتُها الرئِيسَةُ مُجمَّعًا للقاذُوراتِ، والمياهِ الآسِنَةِ، وبؤرةً للبعوضِ يَقضُّ مَضْجَعَ أهْلِهَا وساكِنِيها، ورُكَامُهَا سُكنَى للخَفَافِيشِ بَدَلاً مِنَ البَشَرِ، لَقَدْ بَاتَ المَوْقِعُ خَرَابَةً مَقْطُوعًا عَنْ عُرُوشِهِ اسْتِوْطَنَهُ البُومُ والغِرْبَانُ واتخذوه معقلا لتنعقُ عَلى أطْلالِه .
لَقَدْ بَانَ علَى وُجُوهِ أهْلِهَا تَعَبُ السِنِين ،والألمَ والحسْرَةَ، في ظِلِّ سِياسَةٍ حُكُومِيَّةٍ غائِبةٍ عن الوعيِّ، ويبقَى للأملِ بَصِيصٌ يَنتَظِرُه أبناءُ المْخيْبَةِ الفُوقَا حَاضِنَةِ "الحمَّةِ الأردنيَّةِ"عسى أنْ يَنْظُرَ بِحَالِهم المسؤولونَ وذلكَ بإعادةِ الحياةِ لها من جَديدٍ. اللامبالاةِ غيرِ العاديةِ التي تتعاملُ بها وزارةُ السياحةِ، يُعَدّ انتهاكًا صارخًا، لا بلْ إهانةً بالغةً للتاريخِ والجغرافيا، فمتى تستفيقُ وزارةُ السياحةِ والآثارِ من غفلَتِها؟ لتدركَ خطورةَ الوضعِ، أليستْ هي المسؤولةُ عن ضياعِ مشروعِ تأهيلِها وفشلِهِ قبلَ بدئِهِ؟.وسأترككم مع هذه المشاهد المؤلمة التي تجسد حجم الكارثة التي حلت حلت بالمكان.
** صور أسفل المساحة الإعلانية..